د. سمير صالحة - الجمهورية

2016 كان عاماً صعباً على تركيا في الداخل والخارج. بداية العام الجديد حملت رسالة أولى مفادها أنّ عام 2017 قد يريد البعض تحويله الى سنة أصعب على الأتراك. الهجوم الدامي الذي استهدف أحد النوادي الليلة في إسطنبول ليلة رأس السنة، وأودى بحياة 39 شخصاً كان المؤشر الأول الى أنّ التنظيمات الإرهابية التي تريد العبث بأمن تركيا واستقرارها لن تتخلّى عن أهدافها.

السلطات الأمنية توصلت بعد يوم واحد من العملية الإرهابية الى هوية الفاعل وجنسيته، لكنّ المهم تحديد الجهة التي تقف وراءه.

إرهابي يُطلق أكثر من 200 رصاصة، ويبدّل مخازن رشاشه الآلي مرات عدة، ويقتل ويجرح هذا العدد الكبير من المتواجدين في المكان خلال 7 دقائق يعكس حقيقة خبرته القتالية وتنفيذ عمليات إرهابية من هذا النوع بدقة وسرعة.

التركيز الآن هو اكتشاف الخيط الرفيع بين عملية استهداف ملهى «رينا»، وبين المجموعة التي نفّذت الهجوم على مطار أتاتورك الدولي قبل شهرين، والتي ضمّت انتحاريين من جمهوريات آسيا الوسطى التركية.

لا بل السؤال الأبرز الذي يناقشه الجميع الآن هو طريقة التنفيذ والانسحاب بهذه السهولة، حيث كانت الدوريات المكثّفة وحواجز رجال الأمن منتشرة بالعشرات في الحيّ المعروف بأنّه نبضُ اسطنبول السياحي الليلي خصوصاً في ليلة رأس السنة الميلادية؟ فمَن هي الجهة المنفّذة وما هي الرسالة الموجّهة الى تركيا والأتراك والخارج ايضاً هذه المرة؟

العمل الإرهابي المنفَّذ ليلة رأس السنة في اسطنبول يختلف في التخطيط والتنفيذ واختيار الهدف والمكان عن العمليات الارهابية الثلاث الاخيرة، التي استهدفت في العاشر من كانون الاول قوى الامن التركي في بشيكتاش في اسطنبول، وهجوم قيصري ضد قوى الامن في السابع عشر من الشهر المنصرم، ثمّ عملية اغتيال السفير الروسي في انقرة اندريه لافروف في التاسع عشر من كانون الاول الماضي.

ليس سهلاً على إرهابي لم يقم بأعمال مشابهة في السابق أن ينفّذ عملية من هذا النوع. حسب كلّ ثانية بعناية وكان في سباق مع الوقت للوصول الى ما يريد ويغادر دون أن يعترضه أحد.

الهدف هذه المرة كان مكاناً يرتاده السياح والطبقة فوق المتوسطة من المجتمع التركي. المنفّذ أو المنفّذون أعدّوا خطتهم بدقة ووحشية تترك أثرها النفسي على الرأي العام التركي والعالمي، ثمّ تضعهم في قلب الحدث وتصدر الاخبار والمعلومات المطوَّلة حولهم في مواقع التواصل الاجتماعي، فهل وصلوا الى ذلك أم لا؟

تركيا وبعد 15 تموز المنصرم تاريخ المحاولة الانقلابية الفاشلة التي نفّذتها جماعة الكيان الموازي التابعة لفتح الله غولن دخلت مرحلة جديدة في الحرب على الارهاب، لكنّها بعد قرار إطلاق عملية درع الفرات دخلت هذه المرة في مواجهة لا تقلّ عنفاً مع تنظيم داعش وخلاياه الذين حوصروا جغرافياً ولوجستياً، وقطعت الطريق واغلقت المنافذ في وجههم للعبور بين الدول والقارات، وبدأوا يدفعون الثمن الباهظ بشرياً وعسكرياً ويعانون من مشاكل التمويل ورفد مجموعاتهم في سوريا والعراق. لذلك هم يريدون الانتقام من تركيا وتحميلها المسؤولية المباشرة عمّا حلّ وسيحلّ بهم في الايام المقبلة.

الأنباء تقول إنّ أجهزة الأمن عزّزت الحماية حول قيادات المعارضة السياسية والحزبية لقطع الطريق على محاولات إشعال فتن اجتماعية ومذهبية وعرقية. بقدر كلّ هذا التخطيط المتماسك المدروس لهذه التنظيمات الإرهابية، لا بدّ أن يكون الرد الامني والسياسي على هذه المجموعات وإصرارها على استهداف تركيا وصورتها في الداخل والخارج.

لا يكفي بعد الآن توجيه اصابع الاتهام الى المنظمات التي باتت معروفة لدى القيادات السياسية والأمنية جيداً، بل لا بدّ من الرد السريع المدروس على خلاياها واماكن تواجدها والقضاء عليها، طالما أنّ القيادات السياسية حدثتنا قبل شهرين عن التحوّل الاستراتيجي في اسلوب الرد التركي في اتجاه «الرد الاستباقي» لقطع الطريق على هذه التنظيمات.

تركيا تبحث عن الارهابي الذي نفّذ الهجوم، لكنّها تبحث عن المستائين من صعودها الاقليمي في الاعوام الاخيرة والمنزعجين من دخولها المباشر على العديد من الملفات السياسية والامنية في المنطقة. بدأت تعطي الاسماء وتكشف عن وجوه البعض لكن هذا لا يكفي لقطع الطريق على خطط وتحرّكات هذه التنظيمات والمنظمات والكواليس.

الاساليب الكلاسيكية في الرد لم تعد تنفع، لا بد من خطط مواجهة جديدة بالتنسيق مع الأصدقاء الحقيقيين. عندما تراجع السلطات السياسية والأمنية التركية ما جرى ليلة رأس السنة، ستجد نفسها أمام خيارات محدّدة أولها كسب ثقة المواطن وتأييده ودعمه في قدرتها على التصدي لهذه الاعمال والتنظيمات الارهابية التي تخوض تركيا معها حرباً شاقة منذ سنوات ولأكثر من سبب. الخارج أيضاً يراقب بدقة فهو يريد ارسال تاجره وسائحه وطالبه ومستثمره الى المدن التركية، ولا بدّ من إقناعه عاجلاً أنّ تركيا قادرة على فعل ذلك.

ضحايا هذا الهجوم الإرهابي يفرّقهم الكثير ربما اللغة والدين والإنتماء العرقي، لكن الذي وحّدهم هو الرسالة المشترَكة التي وجّهوها لنا. التعاون والتنسيق العاجل لمحاربة هذه التنظيمات الإرهابية وسحقها، إذا ما كنّا نريد ان نعوّض عن خسارتنا لباقة من الورود الشابة غدر بها إرهابي بإسم ما يلوّح به من دين وعقيدة وفكر أعطته حق قتل الأبرياء بهذه الوحشية.

عن الكاتب

د. سمير صالحة

البرفسور الدكتور سمير صالحة هو أكاديمي تركي والعميد المؤسس لكلية القانون في جامعة غازي عنتاب وأستاذ مادتي القانون الدولي العام والعلاقات الدولية في جامعة كوجالي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس