نهاد علي أوزجان - صحيفة ملييت - ترجمة وتحرير ترك برس

بينما انصب تركيز تركيا على التعديل الدستوري. تحولت بعض التطورات التي تبدو هامشية إلى حقيقة واقعة. وتتمثل في بدء بي كي كي بالتحول إلى مناطق رباط، تقع إحداها في سنجار التي يقطنها اليزيديون لشن الهجمات مستقبلًا.

فقد كانت اعتداءات داعش في بداية صيف 2014 أول من أدرج سنجار على الأجندة اليومية. حيث حضيت مأساة الأيزيديين المضطهدين الذين اضطروا لمغادرة أراضيهم التي عاشوا فيها لقرون طويلة بتغطية إعلامية واسعة. ومن ثم انتقال الموضوع من الإعلام إلى حلبة الصراع السياسي مع تقهقر قوات البيشمركة ونشر بي كي كي دعاية بشأن ضرورة القيام بالحرب، والدعم المالي الأوروبي، ومساعدة البلديات التابعة لحزب الشعوب الديمقراطي. وتحويل بي كي كي التطورات الجارية بسرعة إلى مكسب سياسي وعسكري خلال المرحلة الأخيرة. وطالما أن الأولويات والظروف تغيرت في العراق بدأ الجدال حول تواجد التنظيم في سنجار.

هناك أسباب عدة أدت لجعل سنجار تحظى بهذه المكانة المهمة. أولها، القيمة العسكرية الاستراتيجية لسنجار. ويتجلى ذلك في أدائها دورًا مفصليًا على الخط الممتد على مناطق بي كي كي شمال العراق والذي يملك السيطرة الفعلية في شمالي سوريا. وتقسيم موقعها الجغرافي إلى نقطة عبور للدعم اللوجستي والمقاتلين لها، ومنطقة رباط خلفية، والوظائف. علاوة على وقوعها في منطقة سيحدد مستقبلها في استفتاء عام، وإبقائها محط جدال لمدة طويلة. أي أنها ليست ضمن منطقة الأكراد رسميًا. إضافة إلى وقوعها على حدود دولتين مدمرتين مثل سوريا والعراق. ونتيجة لتلك الميزات بات واضحًا أن موقعها سيوفر لبي كي كي فرصة المناورة على منطقة متنازع عليها.        

أما السبب الثاني، فهو امتلاك بي كي كي إمكانية الانتشار في منطقة شاسعة من ناحية بينما يقطع الطريق على تقدم تركيا نحو الجنوب من ناحية أخرى.

ثالثًا، توفير معاناة الأيزيديين إسهامات مهمة للتنظيم في حربه الدعائية. وتوجيه أولئك الأيزيديين الهاربين من اعتداءات داعش إلى تركيا بأسلوب منظم وتحريك بلديات حزب الشعوب الديمقراطي. ونتيجة لتلك العمليات اعترف الإعلام الغربي بالتنظيم مانحًا إياه صفة "المحرر" ونال الفرصة والقوة والشرعية الكافية عبر "المساعدات الإنسانية" المقدمة من الاتحاد الأوروبي.

وفي المرحلة التالية عمد بي كي كي من خلال إلحاق الأيزيديين بالتنظيم لضرورات سياسة وعسكرية إلى تغيير التوازنات المحلية "الاجتماعية، والثقافية، والسياسية" الموجودة منذ مئات السنين. وتسليحهم بالحديث عن تجاربهم التنظيمية وإجراء استثمارات هامة مستقبلًا.

في حين يواصل التنظيم المتواجد في سنجار زعزعة القيم الثقافية بالتأثير على التوازنات المحلية. وبالتالي بات واضحًا أن بي كي كي وسنجار لا يشكلان أولوية على الأجندة الحالية لإدارة إقليم كردستان العراق بالرغم من انزعاجها منه. غير أن خلق التوازنات في العراق، وتوفير الاستقرار سيستغرق وقتًا طويلًا. ولهذا يبدو مستحيلًا دخول إدارة الإقليم في صدام مباشر مع التنظيم.

مما يعني عدم تخلي تنظيمات مثل بي كي كي بسهولة عن المناطق التي ضمت شعوبها داخلها وعجزها عن ذلك. ومثلما حمى التنظيم وجوده في شمالي العراق في 1983، سيتابع المخططات نفسها اليوم في سنجار. وبجميع الأحوال إن الحزب الديمقراطي الكردي والحكومة العراقية لن يملكا الرغبة والأولوية والقدرة على إنتزاع التنظيم من المنطقة في المستقبل القريب.

بالإضافة إلى ابتعاد التنظيم عن "المشكلة العسكرية" المجردة للموضوع باستغلال تجاربه التاريخية وشكوكه ومؤهلاته الدعائية من أجل تسخير هذا الجدول لصالحه والصمود. وسيبحث التنظيم عن سبل للتركيز على الموضوع من الناحية العسكرية والسياسية في سنجار، بينما يسعى إلى إزالته من الأجندة اليومية، وكسب الوقت بالإبقاء على المشكلة بالمماطلة مثلما جرى في رواية عدم وجود علاقة بين قوات سوريا الديمقراطية وبي كي كي أحياناً، وتشكيل تنظيم "كاذب" كما في الخطاب عن عدم ارتباط تنظيم صقور حرية كردستان بالـ بي كي كي.

عن الكاتب

نهاد علي أوزجان

كاتب في صحيفة ملييت


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس