وداد بيلغن – صحيفة أكشام – ترجمة وتحرير ترك برس

لا شك أنّ أكثر شيء نجحت عملية المصالحة الوطنية بتحقيقه، هو استمرار السلام، ومنع إراقة الدماء والنزاعات المسلحة. واليوم هناك من يسعى جاهدا لوقف عملية المصالحة الوطنية، من خلال توتير الأوضاع سواء في جنوب شرق البلاد، أو في المناطق الأخرى، فهم يسعون جاهدين لخلق أجواء جديدة من الفوضى وعدم الاستقرار.

إذا تخلت تركيا عن عملية السلام، وإذا ما دخلت أجواءً من الفوضى والأعمال الإرهابية، فهي بلا شك ستفقد مكانتها وتأثيرها في الشرق الأوسط، وستكتف بوضع خطط سياسية لأوضاعها الداخلية، بدلا من الانشغال بالأحداث الخارجية، وهذا أكثر ما يثير قلقنا في الموضوع، وعلى كل من يُحب الوطن أن يسعى جاهدا لحماية عملية السلام والمصالحة الوطنية مع الأكراد.

السؤال الذي يكمن خلف هذه المشكلة هو التالي: كيف يريدون أن يكون الشرق الأوسط؟ فهناك إجابات مختلفة بين النظام الغربي وبعض دول الجوار، وبين إجابة تركيا على هذا السؤال، وربما تكون بعض الإجابات متناقضة بين الغرب وتركيا. وهذه هي النقطة الأساسية لانطلاق الأعمال التي تريد إفشال عملية السلام.

ماذا يريدون؟

النظام الغربي رأى أنّ "ثورات الربيع العربي"، وما سببته من مشاركة شعوب المنطقة لأول مرة في تعيين رؤساء الدول، سيضر بمصالحها في المنطقة، وسيؤدي إلى فقدانها السيطرة على شعوبها وثرواتها، وبالتالي سعوا جاهدين لإبقاء الأنظمة القائمة قدر الإمكان، وإلا قاموا بتمزيق البلاد وتقسيمها من أجل إعادة السيطرة عليها وعلى ثرواتها وخيراتها.

ولا شك أنّ تركيا اليوم، تشكل نموذجا حضاريا لدول الربيع العربي، من خلال النموذج الإسلامي الديمقراطي الذي تقدمه تركيا، وهذا أصبح بالنسبة للغرب خطرا حقيقيا، خصوصا وأنّ تركيا اقتربت من كونها دولة صاحبة نفوذ ودولة تشكل قوة عظمى في المنطقة، لهذا فإنّ الدول الغربية تسعى اليوم من أجل إفشال التجربة التركية بشتى الوسائل والطرق، وتحويلها إلى دولة غير مستقرة، ولو اضطرت لتقسيم البلد وإفشال الديمقراطية فيها. وهذا ما نلاحظه في المسألة السورية، وهكذا نفهم بصورة أفضل سبب ترك الغرب للجيش السوري الحر وحيدا في الميدان، وسبب دعمه ورضاه لبقاء نظام البعث في سوريا.

ولتحقيق ذلك في تركيا، يستندون على قضية عميلة السلام، فتركيا بسياستها السلمية تحاول القضاء على الإرهاب، وفي نفس الوقت تريد تحقيق عملية سلام ومصالحة وطنية لتشكل حلا نهائيا لمشكلة الأكراد، وبهذا تكون قد قدمت نموذجا مثاليا لإيران والعراق وسوريا. لكن هذا ما يرفضه الغرب بصورة جلية هذه الأيام.

الدفاع عن السلام دفاعٌ عن الوحدة

غريب أنّ الغرب لا يريد ترسيخ الديمقراطية في بلاد الشرق الأوسط، وقد تحدثت عن أسباب ذلك كثيرا، وإذا أردنا تلخيص ذلك، فإن الأنظمة القائمة في المنطقة لا تريد لتركيا تحقيق عملية السلام، وبنفس الوقت تريد حماية أنظمتها ضد الديمقراطية.

في المحصلة عملية السلام والمصالحة الوطنية التي تقوم بها تركيا، هي جزء لا يتجزأ من تقديم تركيا لنموذجها الديمقراطي المثالي للشرق الأوسط، وهذا الأمر تدعمه الإدارة الكردية في شمال العراق، لأنهم بسبب هذه الديمقراطية التي تطبقها تركيا، سيحافظون على وجودهم وعلى كيانهم، وسيساعدهم هذا في تطوير قدراتهم وإمكانياتهم وتحسين ظروف معيشتهم.

بينما يعمل النظام الإيراني وحليفه السوري على اتخاذ موقف مغاير تجاه هذه المسألة، من خلال تأجيج الصراع الطائفي الذي سيؤدي في نهاية المطاف إلى تقسيم المنطقة إلى أقسام عدة، وهذا جزء لا يتجزأ من الأهداف الغربية التي يريدون تحقيقها هنا، لأنهم يرون أنّ تأجيج النزاع الطائفي سيؤدي إلى تقسيم سوريا والعراق وتركيا ولاحقا إيران، وبهذا يكونون قد سيطروا على المنطقة بأسرها.

ولتحقيق ذلك لا يأبه الغرب، إذا كانت إيران وسوريا وحزب الاتحاد الديمقراطي يدركون أنهم يخدمون المشروع الغربي-الاسرائيلي أم لا، فالأهم هو تحقيق مصالحهم بغض النظر عن الأدوات والأساليب المستخدمة.

الأمر أصبح أكثر وضوحا: الاستمرار بعملية السلام ليس مهما بالنسبة لنا ولوحدتنا فقط، وإنما من أجل الحفاظ على وحدة المنطقة وشعوبها.

عن الكاتب

وداد بيلغين

كاتب في صحيفة أكشام


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس