د. مصطفى الستيتي - خاص ترك برس

يسود اعتقادٌ واسع لدى أغلب المؤرّخين العَرب والأتراك كذلك بأنّ الدّولة العثمانيّة طُعنت في الظّهر من قبل العَرب، وأنّ جميع العَرب وقفوا إلى جانب الانكليز في الحرب العالميّة الأولى طمعا في الاستقلال بأنفسهم والخروج من تحت "الهَيمنة العثمانيّة" التي استمرت لمدّة قرون.

وقد تغذّت هذه الفكرة وهذه القَناعة أكثر بسبب التّوجهات الإيديولوجية القوميّة التي سادت في العالم العربيّ وكذلك في تركيا الكمَاليّة.

بيد أنّ ما يتكشّف اليَوم من خلال الوثائق العثمانيّة التي أصبحت مُتاحة أمام الباحثين يَرسمُ صورة مختلفةً لتلك العلاقة بين العَرب والحكم العُثماني في مرحلة محوريّة وحاسمة، وهي بالتأكيد سوف تصحّح الكَثير من التشوّهات التي انتشرت في الثّقافتين العربيّة والتركية سواء بقصد أو بغير قصد. ونُورد هنا مثالاً مهمّا يتعلق بالمساعدات الماليّة التي قدّمها حُكّام البَحرين وأهاليها للعثمانيّين دعمًا لهم قبيل الحرب العالمية الأولى وأثناءها بعد أن اجتمعت عليهم القُوى الغربية الكُبرى لتمزيق دَولتهم.

بتاريخ 6 يناير سنة 1913م وَرد على مقام الصّدر لأعظم (رَئيس الوزراء) في استانبول كامل باشا تلغرافٌ مكتُوب باللّغة العربية وموقّع من قبل شيخ البحرين عيسى الخَليفة ووكيليْ أهالي البَحرين يوسف كانو وعبد الوهاب الزّياني، ويفيد التلغراف بأن عبد الوهاب الزّياني ويوسف كانو المذكُورين اِنتقلا إلى ولاية البصرة،  ومن هناك أبلغا بواسطة التّلغراف السّلطان العثماني محمد رشاد بأنّ حاكم البحرين الشيخ عيسى الخليفة قد أرسل مبلغًا من المال قدره سبعة آلاف وخمسمائة (7500) ليرة على سبيل الإعَانة، منها ألف ليرة للهلال الأحمر العثماني[1].

وقد وصل هذا المبلغ بالفِعل إلى استانبول وتم تَسليمه إلى صندوق المال، وقد أخبر بذلك شيخ الإسلام محمد جمال الدّين في العرض الذي قدّمه بتاريخ 5 صفر سنة 1913م الموافق لـ  14 يناير 1913م، وذكر بأنّ المبلغ الذي وصل هو تحديدًا سبعة آلاف وستمائة وتسعين ليرة، وهذا يعني أنه أعلى بقليل مما ورد في رسالة وكيلي البحرين، كما ذكر أنه من الضّروري إعلام فاعلي الخير في البحرين والمتبرّعين من أهل الإحسان بوصول المبلغ وتسليمه إلى الجهات المعنيّة بأمر من السّلطان[2].

وأكّدت نظارة الماليّة (وزارة المالية) وصول المبلغ وذلك في المعروض الذي قُدم إلى الصّدارة العظمى بتاريخ 29 يناير، وذكرت بأنّ المبلغ الذي أرسل من قبل حاكم البَحرين وأَشراف تلك البلاد بِهدف الإعانة الحربية قد وصل عن طريق فرع البَنك العُثماني في ولاية البصرة. والمبلغ هو تحديدًا سبعة آلاف وستمائة وأربع عشرة ليرة وثلاثة وستّون غروشًا، أُعطي منها ألف ليرة للهلال الأحمر العثماني والبَاقي وُضع ضمن حساب الإعانة الحربيّة، وقُد أرسل مقبوض (وصل) في ذلك إلى ولاية البَصرة[3].      

هذه المعلومات الدّقيقة والمفصّلة عن دعم أهالي البَحرين وحاكِمها للدّولة العثمانيّة قُبيل الحرب العالميّة الأولى وأثناءها يبين أنّ هذه الشّعوب، رغم ما كَانت تُعانيه في تلك الفترة العَصيبة من التخلّف والفقر إلاّ أنّ الرّابطة الأخويّة والرّوحية بينها ما تزال تنبض بالحيَاة. ورغم التّحريض الأجنبي وما تبثه بريطانيا في تلك الفترة من سمُوم لزرع الفرقة فإنّ هذه الشّعوب ظلّت وفيّة للرّابطة الإسلامية التي كانت ممثلة في الدّولة العُثمانيّة رمز الوحدة ورمز الهويّة. ومن المؤكد أنّ الأبحاث سَوف تكشف لنا في قادم الأيّام عن صفحات أخرى ناصعة في تَاريخ شُعوب هذه المنطقة الخليجيّة.

عن الكاتب

د. مصطفى الستيتي

باحث متخصص في التاريخ العثماني.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس