طه أوزهان - ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير ترك برس

في الواقع، ما زالت ملامح العلاقة التي سترسيها الإدارة الأمريكية الجديدة مع العالم الإسلامي والشرق الأوسط غير واضحة إلى الآن. كما أن معظم التحليلات التي عنيت بدراسة السياسات الإقليمية للولايات المتحدة، ليست إلا مجرد تكهنات، مبنية على دراسة السيرة الذاتية للمرشحين في إدارة ترامب. فضلا عن ذلك، تدور العديد من الأسئلة حول ما ستؤول إليه العلاقات بين الولايات المتحدة والصين وأوروبا.

في المقابل، فإن الشكوك التي تحوم حول تطور سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة في كل من الشرق الأوسط وأوروبا لا تتسم بالحياد. بل على العكس تماما، فقد بلغت الأزمة الناجمة عن لامبالاة الإدارة السابقة والسياسة المسالمة وغير الحاسمة التي تعتمدها، نقطة اللاعودة. ويبدو الأمر مماثلا بالنسبة للعلاقات الأمريكية التركية، إلا أن بإمكان الخطوات الثنائية المتبادلة أن تدعم العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، في حين أن التدابير غير المستقرة وغير الكافية قد تزيد من تعقيد المشاكل الناجمة عن الإدارة الأمريكية السابقة.

عموما، كانت العلاقات الأمريكية التركية في فترة رئاسة أوباما، بجميع جوانبها الجيدة والسيئة، تنبع بالأساس من صميم التغيرات العملية والسياسية والدبلوماسية والعسكرية، التي طرأت على السياسة التي كانت تعتمدها واشنطن.

في حقيقة الأمر، عملت القيادة التركية الحالية، التي تمسك بزمام السلطة منذ سنة 2002، مع كل من بوش وأوباما؛ إذ تعاملت تركيا بشكل وثيق مع الولايات المتحدة، خاصة في بعض المسائل الشائكة. فعلى سبيل المثال، رفضت حكومة حزب العدالة والتنمية العرض الذي قدمته إدارة بوش لغزو العراق في سنة 2003. وعلى الرغم من هذه الظروف، تواصلت علاقتها مع إدارة بوش لمدة ست سنوات أخرى. من جهة أخرى، استطاعت القيادة نفسها في أنقرة، ولمدة ثماني سنوات، الحفاظ على صلتها بإدارة أوباما، التي عارضت احتلال العراق.

في الوقت الراهن، يبدو أن على إدارة ترامب أن تحل بعض القضايا التي تجمعها مع تركيا، ولكن مجددا مع القيادة التركية نفسها. وبالتالي، فإن الاستمرارية على مستوى القيادة التركية قد تعود بالمنفعة على العلاقات بين البلدين.

من التدخل الجذري إلى النزعة السلمية المتطرفة

إذا أردنا إمعان النظر في العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة، فعلينا ألا نفعل ذلك من زاوية 9 أيلول/ سبتمبر فقط، بل أن نتطرق أيضا إلى فترة ما بعد الغزو العراقي، التي هيأت أرضية خصبة لتحليل خبايا وحيثيات العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. فمنذ 9 أيلول وحتى 11 تشرين الثاني/ نوفمبر، يوم انتخاب ترامب رئيسا للولايات المتحدة، واجهت هذه العلاقات الكثير من التحديات والفرص العظيمة على حد سواء.

وفي كلتا الفترتين، لا يمكن لأي أحد أن ينكر النزعة المتطرفة في القرارات التي اتخذت من قبل كبار المسؤولين. إدارة بوش، على سبيل المثال، اتخذت قرارات جذرية فيما يتعلق بغزو العراق وأفغانستان، ونتيجة لذلك اجتاحت موجة تسونامي سياسي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

من ناحية أخرى، حاولت إدارة أوباما إصلاح الضرر الناتج عن قرارات إدارة بوش، وذلك من خلال العمل على تحسين صورة الولايات المتحدة. ولكن التطرف والمطالبة بإرساء الديمقراطية والتغيير في المنطقة، كانا السمة المميزة لخطابات أوباما. في الأثناء، وفي الخطاب الذي ألقاه سنة 2009، في القاهرة لدعم الربيع العربي، كان أوباما، يدعو فعلا لإحداث التغيير، وكان يقصد بذلك تغيير الحكومات. والسبل الأكثر شرعية وغير دموية لتحقيق هذا التغيير، كان عن طريق صناديق الاقتراع. وقد قامت مصر بالفعل باتباع مشورته في عام 2012، ولكن عندما تولى السيسي دفة الحكم في سنة 2013، تخلت واشنطن عن القاهرة، حتى إنها لم تستطع أن تصنف الانقلاب الدموي على أنه انقلاب.

في سوريا، كان هناك تجاهل تام لانتهاك نظام الأسد للخطوط الحمراء التي وضعها أوباما فيما يخص استخدام الأسلحة. ولذلك، فمثل هذه القرارات الكارثية والنتائج المترتبة عليها، كانت راديكالية جدا، مثلها مثل قرار غزو أفغانستان والعراق. فضلا عن ذلك، حالت تلك القرارات دون إرساء تركيا لعلاقات قوية مع الشرق الأوسط وأوروبا.

في المقابل، أهم قرار على الولايات المتحدة الحسم فيه الآن، هو كيف سترشّد قرارات الإدارات السابقة على مدى 15 سنة. ففي تلك الفترة، كانت الولايات المتحدة تتأرجح بين التدخل الجذري والنزعة السِلمية المتطرفة. وبالتالي، يجب على الإدارة الجديدة أن تتوخى سياسة فعالة توازن من خلالها بين هذين النقيضين.

جدول أعمال حافل جدا

في الحقيقة، هناك جملة من القضايا الملحة، التي ستكون على رأس قائمة جدول أعمال إدارة ترامب، مثل معاينة الولايات المتحدة للأوضاع في أوروبا، وطبيعة علاقتها مع العالم الإسلامي، وما إذا كان سيتم فتح صفحة جديدة مع روسيا، هذا على سبيل المثال لا الحصر. فضلا عن ذلك، لا بد أن تتطرق الإدارة الجديدة للقضايا التي لن تؤثر فقط على المنطقة، بل سيكون لها أيضا تداعيات على العالم بأسره؛ فهل ستتبع الولايات المتحدة سياسة عقلانية وعادلة تجاه الاحتلال الإسرائيلي أم لا؟ وهل ستنقل السفارة الأمريكية إلى القدس؟ وهل ستصنف جماعة الإخوان المسلمين على أنها منظمة إرهابية؟

والجدير بالذكر أن هناك ثلاث قضايا سيكون لها دور كبير في حسم العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا: سوريا، والعراق، ومنظمة غولن الإرهابية.

بدءًا من غزو العراق وصولا إلى انتخابات سنة 2010، التي نتج عنها ضمنيا إنشاء نظام أمريكي إيراني في العراق، كانت تركيا دائما ما تنتقد النهج الذي تتبعه الولايات المتحدة. فتقسيم العراق إلى كيان طائفي الأعراق كان بمثابة خطأ كارثي، مثله مثل قرار الغزو، حيث أدى إلى حالة من الفوضى وتصاعد القتال، بالإضافة إلى ظهور تنظيمات إرهابية كتنظيم داعش وغيره من التنظيمات الأخرى، وقتل مئات الآلاف من العراقيين.

كان كل يوم يمر على العراق عقب الغزو يزيده بعدا عن الحياة الطبيعية، ويجرفه في سيل من الاضطرابات الحادة. وفي الفترة التي تلت سنة 2010، ضيقت الولايات المتحدة الخناق على الحركات الوطنية العراقية، ولم تعطها المساحة التي تستحقها. ونتيجة للانتخابات التي أجريت، أصبح الغرق في دوامة فوضى أمرا لا مفر منه.

في الواقع، تعد الأزمة العراقية التي دامت لأكثر من 37 سنة، السبب الرئيسي وراء كل القضايا الإقليمية والأمنية والعالمية التي نشهدها اليوم. ومن هذا المنطلق، فإن تكرار الأخطاء التي ارتكبت في أعقاب سنة 2010، لن يؤدي إلا لإحداث المزيد من الأزمات. ولذلك، هناك حاجة إلى التعاون بين أنقرة وواشنطن من أجل إيقاف حالة عدم الاستقرار التي يشهدها العراق منذ 40 سنة، وحتى تتمكنا من ضمان تحقيق نتائج مستدامة في دحر تنظيم الدولة.

من جهة أخرى، لم ينجح النهج الذي اعتمدته الحكومات في بغداد للتعامل مع القضايا العرقية والطائفية في إعادة الاستقرار والنظام للبلاد، بل على العكس، ساهم في تغذية حالة الفوضى والقتال. وبالتالي، فإن اعتماد الولايات المتحدة لنهج آخر مخالف للأول، قد يمهد الطريق لتحسين العلاقات التركية الأمريكية، ومن ثم الأوضاع في المنطقة عامة.

الأخطاء الأمريكية في سوريا

من المؤكد أنه لو كان الأمر بيد الإدارة الأمريكية لغزت سوريا منذ سنة 2003. وعلى الرغم من أن هذه الفكرة كان يتم دراستها في واشنطن، إلا أن الحكومة آنذاك لم تقدم على أي فعل. ولكن الأمر المثير للاهتمام، أنه بمجرد ظهور احتمال إسقاط نظام الأسد، تخلى الأمريكيون عن السوريين الذين طالبوا بإسقاط النظام، كما تخلوا سابقا عن بلدان الربيع العربي الأخرى.

وفي خضم كل هذا، فإن الإدارة الأمريكية التي كانت في علاقة عمل تعاونية فعالة مع تركيا، تراجعت إلى حالة عميقة من التردد وغياب السياسة.

عموما، كانت خيارات إدارة أوباما متطرفة، كحال قرار الإدارة السابقة بغزو العراق وأفغانستان. فضلا عن ذلك، فقرار منح الضوء الأخضر للانقلاب على الحكومة المنتخبة الأولى في مصر كان راديكاليا أيضا، وشبيها بالقرارات المتطرفة التي اتخذتها إدارة بوش.

في الوقت الذي كانت مصر تواجه فيه مجزرة رابعة، كانت الأسلحة الكيميائية تستخدم في سوريا، وهو ما أجج فكرة أن تكلفة طلب أوباما لإحداث تغيير في المنطقة، التي تكبد خسائرها العالم العربي، كانت كحد أدنى مصر، وكحد أقصى سوريا.

ومن هذا المنطلق، تفرع عن الأزمة السورية ثلاث أزمات أخرى؛ الأولى هي الحروب بالوكالة، بما في ذلك المنظمات الإرهابية التي تقاتل في سوريا، وثانيتها، عولمة قضية الإرهاب، والثالثة أزمة اللاجئين. وفي قلب المعمعة، أصبحت تركيا على خط النار مباشرة.

من الملفت للنظر أن كلا من تركيا والولايات المتحدة تواجهان التحدي ذاته؛ ألا وهو دحر تنظيم الدولة ومكافحة الإرهاب، وليست هناك أي مشكلة في ذلك. خلافا لذلك، هناك صراع كبير قائم بين الدولتين، إذ أن واشنطن تفضل محاربة المنظمات الإرهابية في سوريا فقط، وفي الوقت نفسه، تريد دعم إحدى المنظمتين اللتين قامتا بعمليات إرهابية في تركيا، وتأمل أن تراقب أنقرة كل ذلك في صمت.

بداية، تعاون واشنطن مع حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي نفذ عمليات إرهابية وتفجيرات انتحارية في تركيا، ليس غير مقبول فقط، بل لا يمكن تحمله. وعلى الرغم من أن حزب الاتحاد الديمقراطي لم ينكر أنه جزء من حزب العمال الكردستاني المصنف على أنه حركة إرهابية، إلا أن الولايات المتحدة أصرت على عدم تصنيف حزب الاتحاد الديمقراطي على أنه منظمة إرهابية. حقيقة، لا مبرر لهذا الأمر.

ومن جهتها، وحتى تحافظ الولايات المتحدة على موقفها، كانت تتحجج بقصة كفاح حزب الاتحاد الديمقراطي ضد تنظيم داعش، التي أتعبت الجميع. بالتالي، فإن أهم تغيير على الإدارة الأمريكية الجديدة أن تحدثه هو ترشيد قرارات السياسات الخارجية الهامشية للإدارات السابقة. ولكن قبل كل هذا، على واشنطن قطع الصلة تماما بحزب الاتحاد الديمقراطي، الذي يحاول التقرب من إيران، وروسيا، ونظام الأسد.

تسليم غولن

أخيرا، لا تزال الولايات المتحدة بالنسبة للشعب التركي الدولة الحاضنة للمنظمة الإرهابية وزعيمها، الذي خطط لمحاولة الانقلاب الدموي في تركيا، في شهر يوليو/ تموز الماضي. نتيجة لذلك، تدنت وتراجعت صورة الولايات المتحدة في أعين الأتراك.

خلال الأشهر السبعة الماضية، لم تتخذ الولايات المتحدة أي خطوة جادة ضد منظمة فتح الله غولن، وهو ما ضاعف من انتشار نظريات المؤامرة التي تحيكها الولايات المتحدة ضد تركيا، وهو ما من شأنه أن يعمق الأزمة بين البلدين. فضلا عن ذلك، فإن إحالة القضية إلى المحاكم لن ترضي الشعب التركي.

ومن جانب آخر، إن استمرار ترحيب الولايات المتحدة بقائد المنظمة الإرهابية المسؤول عن قتل المئات وجرح الآلاف من المدنيين العزل، لا تفسير له على صعيد العلاقات الدبلوماسية، والقانون الدولي، واتفاقية تسليم المجرمين التي تربط البلدين. لذلك، يجب على الإدارة الأمريكية، اعتقال زعيم المنظمة الإرهابية فتح الله غولن وإدارة منظمته، دون أي تأخير، وتسليمهم إلى تركيا في أقرب وقت.

بعد محاولة الانقلاب، قُدمت للسلطات الأمريكية معلومات وأدلة كافية تدين غولن، كما قدمت تركيا طلبا رسميا حتى يتم تسليمه لها، ولكن دون جدوى. وفي الأثناء، من المرجح أن تشهد العلاقات الأمريكية التركية أزمة في العديد من المجالات المشتركة بين البلدين، ومن أهمها التعاون في مكافحة الإرهاب، في ظل فشل الإدارة الأمريكية في اتخاذ التدابير اللازمة ضد جماعة غولن.

على كل حال، من المتوقع أن تصبح الخطة الأمريكية الجديدة فيما يتعلق بجماعة غولن والحرب في سوريا واضحة للعيان في الأيام القليلة القادمة. وفي خضم كل هذا، يجب ألا يكون مشروع تحسين العلاقات بين واشنطن وأنقرة مهما فقط بالنسبة لتركيا، بل أيضا خيار واشنطن العقلاني، وأي شيء آخر سيكون انحرافا من شأنه أن يضر بالعلاقات بين البلدين بشكل لا يمكن إصلاحه مطلقا.

عن الكاتب

طه أوزهان

أكاديمي وكاتب أسبوعي في عدد من الصحف التركية والعالمية.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس