د. زهير حنيضل - خاص ترك برس

يبدو العنوان صادمًا حياليًا غير منطقي البتة بالنسبة للعامة، لكن القراءة حتى النهاية كفيلة بتغيير النظرة بنسبة 180 درجة إلى حد القناعة. هل أنتم جاهزون للرحلة؟ هيا بنا. ما الذي يجعل مدينة منبج السورية تحدد مصير حزب العدالة والتنمية!

لفهم العلاقة المصيرية بين منبج والعدالة والتنمية، لا بد من فهم العلاقة بين العدالة والتنمية والمواطن/ الناخب التركي. تقوم العلاقة بين حزب العدالة والتنمية والمواطن/ الناخب التركي على الشفافية والمصداقية والثقة، فالعدالة والتنمية يبني حملاته الانتخابية على أساس مصداقيته في الوفاء بعهوده الانتخابية في كافة المجالات.

في الانتخابات البرلمانية الماضية حصل العدالة و التنمية على نسبة 49% من أصوات الناخبين الأتراك، مع العلم أن نسبة الناخبين المنضوين في صفوف حزب العدالة والتنمية لا تتجاوز 17% من نسبة الناخبين الأتراك. من أين جاءت نسبة 49%!

جاءت النسبة من علاقة وثيقة بين الناخب والعدالة والتنمية، فالمواطن التركي يبحث عن حكومة تؤمن له الاستقرار الاقتصادي والأمني وتوفر له ولأولاده مستقبلا مضمونا، وقد وجد الناخب التركي غير المتحزب ضالته في الحملات الانتخابية للعدالة والتنمية، فالمشاريع العملاقة والنقلة الاقتصادية الجبارة وإثراء البنى التحتية للبلاد وتأمين فرص العمل والكثير من القضايا الاجتماعية، بالإضافة لما تحقق على مستوى محاربة الإرهاب المتمثل بحزب العمال الكردستاني الإرهابي والنجاحات التي حققها العدالة والتنمية في هذا المجال.

ولا يمكن هنا أن نغفل النقلة النوعية الاستراتيجية التاريخية بعد محاولة الانقلاب الفاشلة ليلة 15 تموز/ يوليو 2016، والتي أثبتت للمواطن التركي أن حزب العدالة والتنمية لا يمكن هزيمته عبر صناديق الاقتراع الديمقراطية فكان أن لجأت القوى المتأثرة سلبًا من وجود العدالة والتنمية في الحكم إلى الأسلوب الإرهابي عبر محاولة انقلاب عسكرية فاشلة.

مما تقدم يتضح لنا أن ارتباط العدالة والتنمية بالمواطن/ الناخب التركي ارتباط يستند إلى المصداقية والشفافية.

بالعودة لمنبج السورية، فقد سبق وأن أعلنت تركيا دخولها إلى سورية لمحاربة الإرهاب المتمثل بكلٍ من داعش والجناح السوري لحزب العمال الكردستاني الذي يمثله (PYD)، نجحت القوات المسلحة التركية من خلال دعمها لقوات الجيش السوري الحر عبر عملية "درع الفرات" في تحرير 2000 كلم مربع من الأراضي السورية المحاذية للحدود التركية، مما أبعد شبح داعش عن الحدود التركية، لم يكن هذا النجاح ليتم دون تضحيات قدمتها القوات المسلحة التركية عبر الشهداء الذين ارتقوا على التراب السوري من صفوف قوات النخبة التركية.

عبر أشهر، كان الشارع التركي مصطفا بجوار العدالة والتنمية في حربه على الإرهاب، واثقًا من وعود العدالة والتنمية ومؤمنا بكل ما يقطعه على نفسه من عهود أمام المواطن التركي، خاصة وأن هذه العهود تحمل الصفة القطعية غير القابلة للمساومة أو التردد، وكما أنها جاءت على لسان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وكبار مسؤولي الدولة.

منبج، ستحدد مصير العدالة والتنمية، لأن تحرير المدينة السورية من عصابات (PYD) ليس مرتبطًا بالسياسة التركية الخارجية فحسب، بل هو المحك الحقيقي لمصداقية العدالة والتنمية أمام المواطن/ الناخب التركي.

بعد كل التضحيات التي قدمتها القوات المسلحة التركية من الشهداء الأتراك من خيرة تشكيلات النخبة، فمن غير الممكن للعدالة والتنمية التفريط بهذه التضحيات حتى ولو اقتضى الأمر أن تدخل في حرب مفتوحة مع نظام الأسد، فالمسألة تتعدى كونها حربًا على الإرهاب إلى كونها مسألة وجود ومصير 15 عام من حكم العدالة والتنمية الذي يتطلع لعام 2023 ويعد العدة للاحتفال بانتهاء كل القيود التي فرضت على الدولة التركية عام 1923.

مصير منبج مرتبط بمصير العدالة والتنمية، والعلاقة طردية بين المصيرين، فتحرير المدينة يعني انتصارًا عظيمًا للعدالة والتنمية وإقامة للمنطقة الآمنة التي طالما طالبت تركيا المجتمع الدولي بإقامتها لما لها من تأثيرات إيجابية في مسألة اللاجئين فهي مصلحة مشتركة سورية- تركية- أوروبية، بينما يعتبر التراجع عن تحرير مدينة منبج سقطة مدوية للعدالة والتنمية على المستوى الداخلي قبل الخارجي وانتصارًا لنظام الأسد وبشكل مباشر، وهذا ما لا يمكن للعدالة والتنمية أن يسمح بحدوثه، ليس دفاعًا عن وجوده كحزب الأغلبية البرلمانية فحسب، بل لأن وجوده كحزب الأغلبية يعد صمام الأمان للدولة التركية الحديثة، ذلك الصمام الذي هبت الجماهير في ليلة 15 تموز إلى الشوارع لحماية الشرعية والديمقراطية التي يمثلها.

عن الكاتب

د. زهير حنيضل

طبيب و أديب و معارض سوري مستقل


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس