أحمد جلال - خاص ترك برس

إننا نحسب – دون ادعاء أو إسراف – أنه يتعذر تفهم وإدراك الجمهورية التركية الحالية والعالم العربى وتكوينه دون معرفة التاريخ التركي، بل إننا نذهب إلى أبعد من ذلك فنقول: إنه لا يمكن إدراك سير التاريخ العالمي وتفهم البحوث التي دارت حوله دون معرفة التاريخ العثماني، والقارئ للتاريخ العالمي والمتابع للأحداث السياسية العالمية والدولية الحالية دون التعرف على التاريخ العثماني هو كالسائر فى الظلام.

وفى هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أنه ينبغى على الأقطار العربية والشباب العربي بصفة خاصة والكتاب والمثقفين ورواد الرأي أن يهتموا أكثر من غيرهم – بعد الجمهورية التركية وشبابها – بدراسة التاريخ العثماني. وهنا يرد تحفظ على جانب كبير من الأهمية، مؤداه أن التاريخ العثماني الذي تعرفه الأقطار العربية قد حررته وصورته أقلام أجنبية موتورة، ومن ثم فإن هذا التاريخ يأتي مزيفًا ومتحيزًا يجرد التاريخ العثماني من كثير من عناصر العظمة والتميز. وذلك بعينه هو الذى يدعوني اليوم إلى تنبيه المسلم المثقف والشباب بصفه خاصه إلى أن يقرأ ما كتبه الأجانب عن التاريخ العثماني ببصيرة وفكر ناقد. ولذا ينبغي قراءة التاريخ العثماني من قلم تركي نابع من تركيا ذاتها.

دعونا نرى أو نرد على من ينتقد العثمانية أو ينعت الترك بالعثمانية، هذا ما قاله وكتبه بعض المؤرخين الأجانب عن العثمانية فعندما تنتقد العثمانية فأنت شخص لم تطلع على التاريخ يكفى أن أقول لك ما قاله الفيلسوف الإنجليزي توينبي" (Toynbee) في كتابه "الدولة العثمانية ومكانتها فى العالم": "إن إدارة الدولة العثمانية للشرق الأوسط كانت خير إدارة على مدى التاريخ وحتى يومنا هذا، وإن الدولة العثمانية هى الوارث بحق للإمبراطورية الرومانية". كما نجد أن المؤرخين المعاصرون قد أطلقوا على الأسلوب العثماني الذي حكم الشرق الأوسط لعدة قرون مصطلح "Pax Ottomana" وهو يقابل مصطلح "Pax Romana" وهو التعبير اللاتيني لمفهوم "النظام العالمي" والذى ورد ذكره فى دستور فاتح (قانون نامة).

هذا النظام العالمي الذي أسسته العثمانية والذي تسعى أمريكا إلى تطبيقه على العالم حاليًا بالقوة والسيطرة واغتصاب مقدرات الدول والشعوب مما أدى لفشلها فى تطبيقه حتى الآن نتيجة لذلك، بينما نجحت فية العثمانية نجاحًا باهرًا منقطع النظير.

وكما يقول المستشرق الفرنسي "Sovwaget": "لم يشهد التاريخ الإسلامى كيانًا سياسيًا قويًا ومستقرًا كالإمبراطورية العثمانية. لقد كانت الإمبراطورية العثمانية هى الدولة الأكبر، والأوسع، والأكثر استقرارًا. كانت تمتلك أكبر المصادر الاقتصادية فى أوروبا، وكان جهازها الإداري في حد ذاته بناءً راسخًا يخدم ويرعى مصالح الشعب العثماني. كان الأسطول العثماني يسيطر على كامل البحر الأبيض، وكانت إسطنبول تبهر أنظار السياح الأوربيين كأكبر مركز للحضارة فى العالم، يضاف إلى ذلك كله التميز المتفرد للأتراك بالطاعة والنظام".

كما يؤكد المستشرق الألماني "Babinger": "كانت الإمبراطورية العثمانية دولة عالمية كبرى بحق".

 لذا فينبغى علينا نحن العرب قبل أن ننتقد العثمانية عند سماع اسمها أو عند قراءتها أن نعلم أن العثمانية هى تركيا فيما سلف، وأن نكف عن الإفتاء عن العثمانية وتركيا وسياساتها بغير علم فهي صاحبة خبرة كبيرة كما أنها أول من أسست نظام عالمي عاشت جميع الأديان والملل والشعوب عرب وأتراك وعجم وغيرهم فى كنفه لأكثر من ستة قرون فى أمن وأمان واستقرار ورخاء وسلام.

بقيت كلمة أخيرة تحتم الأمانة أن نثبتها، تلك هى أن النظام العالمي العثماني "Pax Ottomana"، لم يستهدف يومًا إنكار كيان أية قومية مهما صغرت، ولم يعمل أو يفكر في محوها، بل على العكس من ذلك كان نظامًا حريصًا على أن يجعل من هذه القوميات تحت مظلته قوى فاعلة ومشاركة فى صنع السياسة والمدنية العثمانية.

 وللحديث بقية.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس