تشيتينير تشيتين - ميدل إيست إوبزرفر - ترجمة وتحرير ترك برس

يتزايد النفور بين تركيا وبعض الدول الأوروبية مثل ألمانيا وهولندا. ويرجع ذلك إلى أن هذه الدول ألغت الاجتماعات التي خططت لها السلطات التركية مع المواطنين الأتراك في أوروبا لأسباب أمنية. أعلنت ألمانيا إلغاء الاجتماعات في الخامس من مارس/ آذار، في حين لم تسمح هولندا لطائرة وزير الخارجية، مولود جاويش أوغلو، الذي كان يخطط لإلقاء خطاب في روتردام بالهبوط في الحادي عشر من الشهر نفسه.

وقد أثارت هذه الإجراءات ردود فعل غاضبة لدى السلطات التركية، ووصف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان حظر الاجتماع في ألمانيا  بأنه "ممارسة فاشية من بقايا الحقبة النازية". وقال إن الجنود الهولنديين دعموا مجزرة المسلمين خلال الحرب البوسنة والهرسك. وتحولت التصريحات القاسية المتتالية إلى تشابك بين تركيا والدول الأوروبية.

ستجرى تركيا استفتاء حول تعديل دستوري يعزز السلطات الرئاسية فى 16 نيسان/ أبريل المقبل. وستسمح الحكومة التركية لقرابة 5.5 مليون مواطن تركي يعيشون فى الخارج بالتصويت على التغيير الدستوري في مباني القنصلية فى كل دولة من 27 آذار/ مارس إلى 9 أبريل.

كان حزب العدالة والتنمية قد خطط لدعوة المواطنين الأتراك للتصويت على التغيير الدستوري من خلال إرسال وزراء ومسؤولين كبار في الحزب لعقد اجتماعات فى كل دولة. بيد أن الأمور سارت في الاتجاه الآخر. وعلى الرغم من أن أوروبا فتحت أبوابها للسياسيين الأتراك في الانتخابات السابقة، فإنها لم تسمح لهم هذه المرة بسبب الانتخابات العامة فيها، التي أرادات تركيا أن تجعلها ميزة؛ فقد حاول أردوغان وكبار رجال الدولة إثارة المشاعر القومية لدى الأتراك الذين يعيشون في الخارج بإصدار تصريحات قاسية وانتقادية للدول الأوروبية التي فرضت حظرا على الاجتماعات. ويبدو أن الحكومة التركية تخطط لحشد أصوات العديد من الأتراك الذين يعيشون في الخارج بالاستفادة من هذه التجربة السيئة.

وقد أثار رد الفعل القاسي من جانب تركيا دهشة الدول الأوروبية؛ لأنها لم تشهد قط رد فعل قوي من جانب تركيا من قبل. وعلى الرغم من أنها كانت في حالة تأهب ضد تركيا وكانت لديها مخاوف، فإن تركيا لم تتزحزح عن موقفها. ويقال إن تصاعد موجة العداء للإسلام هو السبب الذي دفع دولا مثل ألمانيا وهولندا وسويسرا إلى إلغاء اللقاءات بالجاليات التركية. بيد أن الحكومة التركية تقول إن أوروبا تستغل كراهية الأجانب التي تتصاعد تمشيا مع القومية المتزايدة في السنوات الأخيرة، أداة للانتخابات.

وبالإضافة إلى ذلك، يشعر الأوروبيون بالقلق من تمدد الصراع بين القوميين الأتراك والأكراد وبين مؤيدي ومعارضي أردوغان في تركيا إلى بلدانهم. ويبرز هذا  التوجه في ألمانيا، حيث يعيش كثير من الأكراد الأتراك. لكن صمت الحكومة الألمانية على أنشطة حزب العمال الكردستاني زاد من حدة رد فعل أنقرة.

ومن المفارقات أن تعزيز سلطات رئيس الجمهورية تتعلق بالشعب التركي الذي سيصوت لصالحها أو ضدها في الاستفتاء المقبل. وعلى الرغم من أن "المبادئ الديمقراطية" في الغرب تستلزم أن يروج أردوغان ومؤيدوه لمشاريعهم، فإنها فرضت عليهم قيودا صارمة ومتحيزة، لكنها في المقابل  تسمح بذلك لمعارضي أردوغان، كما فعلت سويسرا يوم الأحد الماضي.

لم تسمح السلطات الألمانية لحزب العدالة والتنمية، الذي حصل على 50 فى المائة من أصوات الشعب التركي بعقد اجتماعات، وكشف النقاب عن أنها سمحت رسميا لحزب العمال الكردستاني والجمعيات التي يرعاها بعقد 12 اجتماعا في صالات رياضية مغلقة، و68 اجتماعا في الفنادق في عام 2016. ومما يلفت النظر أنها سمحت بعقد ثلاثة اجتماعات لحزب العمال الكردستاني في صالات رياضية وسبعة اجتماعات في فنادق في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2017. كما سمحت ألمانيا لأربع جمعيات ترعى حزب التحرر الشعبي الثوري بعقد ثمانية اجتماعات في فنادق في عام 2016، وأربعة اجتماعات في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2017.

المشكلة هنا لا تتعلق بسماح السلطات الأوروبية للأتراك الذين يؤيدون التغيير الدستوري أو يرفضونه، بالتعبير عن أنفسهم - كما يجب أن يكون في النظم الديمقراطية – ولكن المشكلة أن السلطات الأوروبية تقدم تركيا بوصفها دولة ليست على علم بمصالحها وقادرة على الدفاع عن مواطنيها. لقد رأينا أن الحركات العنصرية الغربية هي من يقف  في مقدمة موجة التصعيد ضد أردوغان ومؤيديه. وهذا يدل على تباين الأنظمة الغربية ومحاولاتها فرض الوصاية السياسية على الأتراك. هذه الوصاية السياسية هي ما يثير التوتر بين أوروبا وتركيا على وجه الخصوص وبين الغرب والعالم الإسلامي عموما. ولذلك لا ينبغي لأحد أن يتجنب القول إن ما حدث في هولندا فضيحة بالمعنى الدقيق للكلمة.

لم يتراجع أي من الطرفين، ولكن اتفاق اللاجئين الذي وقعته أنقرة مع الاتحاد الأوروبي العام الماضي هو ورقة رابحة قوية لتركيا، حيث يلتزم أردوغان بخطابه القاسي، مؤكدا أنه سيراجع الصفقة. وفي الوقت الذي تتوسع فيه القوى اليمينية المتطرفة التي تعارض الإسلام والمهاجرين في أوروبا،فإن السؤال ما هي نتيجة المواجهة بين تركيا والدول الأوروبية؟

مر عام منذ توقيع تركيا والاتحاد الأوروبي على اتفاق اللاجئين في 18 مارس/ آذار 2016. وأعرب الاتحاد عن سعادته بهذه الصفقة قبل عام واحد، وعده خطوة كبيرة في العلاقات الثنائية.على أن العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي وصلت في الوقت الراهن إلى جمود تام. ويفكر الأوروبيون في المدة الزمنية التي يمكن أن يتحملوا فيها تصريحات أردوغان المحقة والقاسية.

توقف زعماء الاتحاد الاوروبى عن الاستنكار الرسمي لانضمام تركيا إلى الاتحاد. ودخل فصل الميزانية الذي فتح في يونيو 2016 مرحلة الجمود منذ الخريف الماضي. ولم يدن الاتحاد الأوروبي محاولة الانقلاب التي وقعت في 15 تموز/ يوليو إدانة صارمة كما كان ينبغي أن يحدث، ولم يف بوعده بتحرير تأشيرة دخول للمواطنين الأتراك (كانت تركيا قد استحقت بالفعل الإعفاء من تأشيرة الدخول، وكان من الخطأ ربط ذلك باتفاق اللاجئين) يبدو الآن أن الاتحاد الأوروبي لا يملك الشجاعة الكافية للحديث ضد اتهامات أردوغان. ومن الواضح أن دول الاتحاد الأوروبي لا تريد أن تمنح ميزة لأردوغان، وهو رئيس محافظ إسلامي محافظ تخلى عن الاتحاد الأوروبي، قبل أن تظهر نتائج الاستفتاء الدستوري. ومن المؤكد أن الاتحاد سيواجه أردوغان مختلفا تماما بعد 16 أبريل / نيسان، وقد أعطى أردوغان أول إشارة لهذا التغيير.

يتجنب الأوروبيون، ولا سيما الألمان، أي تصرف من شأنه أن يعرض اتفاق اللاجئين الذي يعدونه ناجحا للخطر. وقال لي صديقي الدبلوماسي البلجيكي، في الأسبوع الماضي "طريق البلقان مغلق. وإذا فتحت أنقرة بواباتها من جديد، فإن اليونان ستكون في وضع صعب مرة أخرى".

تسمح ألمانيا رسميا بجميع أنشطة وفعاليات المنظمات الإرهابية، مثل حزب العمال الكردستاني والحزب الشيوعي الماركسي اللينيني، على أراضيها. ومن الواضح أنها تطبق قواعد أمنية استثنائية ضد الهجمات المحتملة لهذه المنظمات.

الشيء الأكثر إثارة للانتباه أن أعضاء تنظيم فتح الله غولن الإرهابي (فيتو) الذين حولوا الولايات المتحدة وألمانيا تقريبا إلى قاعدة بعد محاولة الانقلاب في 15 يوليو، اختاروا ألمانيا مركزا للتعافي في أوروبا. وحصل أكثر من 5000 عضو من أعضاء فيتو على تصريح  إقامة سياسية في ألمانيا خلال الأشهر السبعة الماضية. التزم أعضاء فيتو الصمت لفترة من الوقت بعد محاولة الانقلاب، لكن كشف النقاب عن أنه سمح لهم بعقد اجتماعين في فندقين في مدينتي هامبورغ وكولونيا في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2017.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس