ترك برس

على الرغم من أن المناقشات حول التعديلات الدستورية التي سيصوت عليها الشعب التركي يوم الأحد القادم يطغى عليها هاجس شخصية الرئيس رجب طيب أردوغان، فإن قليلا منها فقط تطرق إلى ماهية التعديلات المقترحة، ودورها في حل مشاكل السياسة والإدارة المزمنة التي حالت دون تقدم تركيا لعقود.

وفي هذا الصدد كتبت عائشة سوزين أوشلور مديرة العلاقات الخارجية في الرئاسة التركية مقالا مطولا نشره موقع الجزيرة الإنجليزية، شرحت فيه أهداف التعديلات الدستورية، وقالت إن التحول من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي هو مطلب ديمقراطي في تركيا، حيث شهدت السياسة التركية في الماضي صدامات بين الرئيس ورئيس الوزراء، وعرفت حقبة من الحكومات الائتلافية غير المثمرة.

وضربت أوشلور أمثلة للصدامات التي حدثت بين الرئيس ورئيس الوزراء في السابق، وكانت نتيجتها أزمات اقتصادية وسياسية عنيفة أضرت بالبلاد، منها ما حدث خلال اجتماع مجلس الأمن القومي  في عام 2001 حين ألقى رئيس الجمهورية التركية، أحمد نجدت سيزر الوطني، نسخة من الدستور التركي على وجه رئيس الوزراء في إشارة رمزية لتأكيد سلطته المنصوص عليها في الدستور.

وقد أدى الصدام بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء في ذلك الوقت إلى أزمة اقتصادية حادة حيث ارتفعت أسعار الفائدة بنسبة 8.000 في المئة، وانخفضت سوق البورصة بنسبة 14.5 في المئة، واضطر البنك المركزي لبيع 7.6 مليار دولار. وارتفعت نسبة التضخم.

وعلى الرغم من خلفيتهما السياسية اليسارية، فقد تسببت السياسة المتناقضة المثيرة للجدل بين الرئيس ورئيس الوزراء في سوء إدارة البلاد، الأمر الذي أدى في النهاية إلى الأزمة الاقتصادية. وكانت هذه في الواقع أزمة في النظام برمته، وليست أزمة اقتصادية فحسب. ولم تكن هذه أزمة فريدة من نوعها في التاريخ السياسي التركي، بل كانت هناك أزمات مماثلة  كان أولها الصدام بين مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية ورئيس الوزراء عصمت إينونو انتهى باستقالة الأخير قبل عام من وفاة أتاتورك عام 1937.

ونوهت أوشلور إلى التقدم الذي تحقق في عهد حكومة العدالة والتنمية من منح الأكراد حقوقهم بحيث أصبح الكرد ولغتهم وثقافتهم جزءا لا يتجزأ من النسيج القانوني والاجتماعي والسياسي والاقتصادي للدولة التركية. لكن هذا التطور في منح الأكراد حقوقهم لم يكن ليتحقق إلا في ظل حكومة قوية تتمتع بدعم شعبي قوي وقائد شجاع له رؤية شاملة لتركيا. وهذا هو ما تحتاجه تركيا لمواصلة طريقها الطويل نحو الازدهار.

وأضافت أن التعديلات المقترحة ستنظم أيضا العلاقات العسكرية - المدنية، وتعدل القوانين العسكرية غير الديمقراطية، وهي آخر خطوة في مصاف إلغاء هيمنة الجيش على الحياة السياسية في البلاد. ومع التعديل لن يكون للجيش بعد الآن مقاعد في المحكمة العليا، وسينقل اختصاص المحاكم العسكرية إلى المحاكم المدنية، وتكون قرارات المجلس العسكري الأعلى مفتوحة للمراجعة القضائية. وأخيرا ستكون القوات المسلحة التركية خاضعة لرقابة هيئة الرقابة الحكومية التي تملك حاليا سلطة مراجعة جميع المؤسسات العامة باستثناء الجيش.

وأشارت إلى أن التغيير الذي حدث في عام 2014 بانتخاب الرئيس التركي بالاقتراع الشعبي أحدث معضلة جديدة، حيث إن هذا التغيير كان وصفة للخلافات المستقبلية بين الرئيس ورئيس الوزراء المنتخبين، حتى لو كان كلاهما من نفس الحزب السياسي. ولذلك فإن هذه المجموعة الجديدة من التعديلات تهدف إلى منع أي صدام مستقبلي  بين الرئيسين من خلال تفعيل نظام تفصل فيه السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية بوضوح.

ومن بين التغييرات الدستورية المقترحة جراء الانتخابات الرئاسية كل خمس  سنوات، على أن يقتصر حكم الرئيس على ولايتين فقط . وسيكون للبرلمان اختصاص بدء التحقيق مع الرئيس إذا اشتبه في ارتكابه جرائم، في حين أن الدستور في شكله الحالي يحمي الرئيس من جميع السلطات القضائية في البلاد.

ومن أجل تقييد صلاحيات الرئيس يقترح التعديل إلغاء المادة الحالية التي تنص على أنه "لا يجوز تقديم أي استئناف إلى أي سلطة قضائية، بما فيها المحكمة الدستورية، ضد القرارات والأوامر التي يوقعها رئيس الجمهورية بمبادرة منه".

ويقترح التعديل قيودا إضافية على السلطات الرئاسية بحيث لا يمكن تنظيم الحقوق الأساسية والحقوق الشخصية والواجبات والحقوق والواجبات السياسية المنصوص عليها في الدستور بمرسوم رئاسي، وإذا حدث تضارب بين المراسيم الرئاسية والقانون يعمل بالقانون، وإذا أصدرت الجمعية الوطنية قانونا بشأن الموضوع نفسه، يصبح المرسوم الرئاسي كأن لم يكن.

وفيما يتعلق بالقضاء تقدم التعديلات تشكيلا جديدا للمجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين. ويتألف المجلس الجديد من 13 عضوا عاديا، أربعة منهم يعينهم الرئيس، وسبعة أعضاء يعينهم البرلمان، وكل من وزير العدل بصفته رئيس المجلس، وكيل وزارة العدل عضويين دائمين. وتشبه التركيبة الجديدة للمجلس نظيراتها في الدول الأوروبية، مثل المملكة المتحدة، حيث يعين وزير العدل جميع أعضاء المجلس، وفي إسبانيا يعين الملك جميع الأعضاء بناء على اقتراح من البرلمان.

وأكدت أوشلور في ختام مقالها أنه ما يزال هناك الكثير من الإصلاحات التي يتعين تحقيقها، وسوف تمهد التعديلات الطريق أمام دستور أفضل يتناسب مع احتياجات الشعب وتطلعاته، مشيرة إلى أنه لو وضع دستور كامل من الصفر بدعم جماعي، لكانت تركيا قد حققت شيئا لم تحققه أي دولة أخرى في التاريخ.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!