جريدة صباح التركية - ترجمة وتحرير ترك برس

شارك أكثر من 50 مليون مواطن تركي في استفتاء دستوري تاريخي للتصويت على سلسلة من التعديلات التي من شأنها أن تنقل تركيا من نظام برلماني إلى نظام رئاسي. وبعد أشهر من حملة شاقة ولكنها سلمية، جرت انتخابات اليوم بطريقة شفافة وحرة ونزيهة. وعلى مدى الأسابيع الماضية، بذل كل من حملة "نعم" ومعارضو الإصلاح الدستوري قصارى جهدهم لكسب الناخبين المترددين والإعلان عن آرائهم. وفي النهاية، شكل الاستفتاء انتصاراً للديمقراطية التركية واستقراراً لبلدنا على المدى الطويل.

وكما هو الحال في كل مسابقة انتخابية، كان هناك فائزون وخاسرون.

وكان الشعب التركي هو المنتصر بلا منازع في تصويت الأمس. بعد تسعة أشهر من محاولة الانقلاب الفاشلة وسط حملة تشويه دولية ضد بلادهم، أرسلوا رسالة قوية إلى أعداء تركيا. وفي الوقت نفسه، شهد الاستفتاء الدستوري في 16 نيسان/ أبريل نهاية ناجحة لعملية إصلاح استمرت عشر سنوات: ففي عام 2007، أيدت الأغلبية الساحقة من المواطنين الأتراك اقتراحًا بالسماح للشعب- بدلًا من البرلمانيين- بانتخاب رؤساء تركيا. وبعد ثلاث سنوات، تم إقرار تعديلات إضافية لإضعاف نظام الوصاية العسكرية عن طريق إحضار مجلس عام 1980 العسكري إلى العدالة. وأخيرًا، صوت الشعب التركي بالأمس لهزيمة انقلاب عام 1960 من خلال إعادة توطيد علاقات الرئاسة مع السياسة الحزبية، وتحييد خطر حكومات الائتلاف الضعيفة، وإدخال آليات جديدة لتعزيز الفصل بين السلطات. وبعبارة أخرى، استعادت الأمة إعدادات مصنع الجمهورية.

الفائز الآخر الكبير الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. ففي آب/ أغسطس 2014، حصل على 51.8 في المائة من الأصوات ليصبح أول رئيس منتخب شعبيًا في البلاد. ووفقًا لنتائج غير رسمية، فازت حملة "نعم" بتأييد مماثل من الناخبين يوم الأحد. وعلى هذا النحو، نخلص إلى أن السيد أردوغان عزز قاعدته الانتخابية بعد ما يقرب من ثلاث سنوات في منصبه - وهو مؤشر على أنه سيظل مرشحًا يُحسب له حساب إذا ما سعى إلى إعادة الترشح للانتخابات في عام 2019.

وأخيرًا، من المهم أن نعترف بأن الاستفتاء الدستوري في 16 نيسان/ أبريل كان انتصارًا للأجيال المقبلة. فمنذ عام 1960، أطاح الجيش على ما يقل عن أربع حكومات منتخبة ديمقراطيًا في تركيا. وأدى نظام الحكم الذي رسمه متآمرو الانقلاب إلى خلق مواجهات سياسية وشل الاقتصاد وجعل نظام الوصاية العسكري يتدخل في العملية السياسية كما يشاء. ونتيجة لذلك، عانت أجيال متعاقبة من الأتراك في ظل عجز الحكومات التي لم تتمكن من إدارة بلد يتمتع بإمكانيات هائلة. ولذلك، فإن الأجيال المقبلة ستستفيد من التغييرات الدستورية التي اعتمدها الناخبون أمس، ولن يكون هناك نظام سياسي معيب يقف في طريق تقدم تركيا.

أما بالنسبة للخاسرين:

كان أكبر خاسر في استفتاء يوم الأحد هو الاتحاد الأوروبي والحكومات الأوروبية التي تحتضن وتربي مجموعات إرهابية من بينها حزب العمال الكردستاني ومجموعة غولين الإرهابية طوال الحملة الانتخابية. في الأشهر الأخيرة، لم يكن لدى الديمقراطيون الأوروبيون مشكلة في التدخل في الاستفتاء التركي من خلال الانحياز العلني لحملة "لا"، واستهداف الدبلوماسيين الأتراك، وفرض حظر تعسفي على الأحداث التي ينظمها مؤيدو الإصلاح الدستوري. ومن أجل المضي قدمًا، سيتعين عليهم الانسجام مع الحقائق السياسية في تركيا إذا أرادوا حماية مصالحهم.

وفي الوقت نفسه في تركيا الشرقية، دفع حزب العمال الكردستاني وحزب الشعب الديمقراطي- الجناح السياسي للإرهابيين- ثمنًا باهظًا بسبب إنهاء وقف اطلاق النار من جانب واحد في تموز/ يوليو عام 2015، بتخليهم عن محادثات نزع السلاح مع تركيا، وقلب حياة المواطنين العاديين إلى جحيم. في المحافظات الكردية في الغالب مثل ديار بكر، أيد الناخبون الإصلاح الدستوري بأعداد أكبر مما كان متوقعًا. وما لم يكن الإرهابيون وجناحهم السياسي مستعدين لتعريض تراجعهم في دعمهم الشعبي لمزيد من الخطر، سيتعين عليهم تصحيح خطأهم، ووقف تهديد تركيا، والتوقف عن مساعيهم في شمال سوريا.

وأخيرًا، أثبتت وسائل الإعلام الدولية مرة أخرى أنها غير قادرة على فهم السياسة التركية والتنبؤ بكيفية تصرف الناخبين الأتراك. وحتى اللحظة الأخيرة، أعرب العديد من الصحفيين الدوليين في تركيا عن أملهم في أن يشكل الاستفتاء التاريخي نقطة تحول بالنسبة إلى أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم. على الرغم من أنهم كانوا يقدمون تقاريرًا عن الإصلاح الدستوري لعدة أشهر، كانوا كسولين للغاية في دراسة التقاليد الدستورية في تركيا، وبدلًا من ذلك ادعوا أنهم يعرفون ما يجري من خلال سرد نقاط حملة "لا". وبالتالي نأمل أنهم تعلموا درسهم هذه المرة.

على مدى الأشهر المقبلة، سيعمل البرلمان التركي على مجموعة قوانين لتسهيل انتقال البلاد من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي. ومع ذلك، فمن المهم أن نعترف بأن البلاد في مرحلة حرجة. ومن أجل المضي قدمًا، يتعين على الفائزين التأكد من إتمام عملية الانتقال بسلاسة، وسيتعين على الخاسرين أن يفكروا في أوجه القصور. ومن هنا نري أن الاستفتاء شكل انتصاراً للديمقراطية التركية، ولكن الكفاح من أجل مستقبل أفضل مستمر.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!