محمد عبد العظيم - خاص ترك برس

من يتتبع تاريخ هذه الأمة منذ عصر الإسلام الأول وحتى وقتنا الحاضر سيجد أحداثا عظيمة  ولحظات فارقة ومواقف خالدة ، مرت بها الأمة  وهذه المواقف والأحداث لم تكن محض صدفة إنما كانت محطات تربوية قدرها الله تعالى لتتعلم منها الأمة ما يصلح شأنها ويعينها على تأدية الرسالة ونحن في هذه الأيامنعيش  ذكرى الإسراء والمعراج تلك  الحادثة الجليلة التي تعانقت فيها الأرض مع السماء عبر أطهر البشر محمد صلى الله عليه وسلم ، وحادث الإسراء والمعراج على الرغم من أنه حدث  في وقته قصير  إلا أنه يحمل من المعاني ما لا تسعه مئات المجلدات وقد اخترت من بين  الدروس والوقفات ما يلامس الواقع وتحتاج إليه أمتنا، وأهمها:

  المحن يعقبها المنح

 من لطف الله بعباده أنه لا يتركهم ، يبتليهم ويمتحنهم  تكون المكافأة لهم على صبرهم وثباتهم بمنحة تنسيهم الآم المحن وقسوتها وهذا ما حدث مع نبينا الكريم فبعد أن رفضت قريش دعوة الإسلام ومارست كل وسائل التعذيب ضد النبي ومن معه حتى ضاقت بهم مكة وأحكم عليهم فيها الخناق فلم يجد النبي بد من أن يأمر أصحابه بالهجرة للحبشة فرارا بدينهم ثم خرج هو أيضاً صلى الله عليه وسلم  ليبحث عن مقر جديد لدعوته في الطائف التي لم يكن الوضع فيها أفضل من مكة بل كان الأمر أشد سوءا  لتزداد المحنة على النبي الذي أصبح مطاردا وأصحابه مشردون وليت المحنة توقفت عند هذا الحد بل اشتدت عليه الابتلاءات  وتتابعت عليه المحن تترا كالصواعق  حيث وفاة زوجته وأحب الناس إلى قلبه خديجة رضي الله عنها ثم يتوفى عمه أبوطالب وبوفاة خديجة وابوطالب يفقد النبي الحماية السياسية والاجتماعية وهنا تغلق كل أبواب الأرض أمامه صلى الله عليه وسلم  ، ولكن هيهات ، فباب السماء مفتوح وعين الله ترقب نبيه فيتدخل رب العزة سبحانه وتعالى ليسري عن نبيه ويخفف عنه  ويحول محنته لمنحة ولسان الحال يقول '' يامحمد إن كانت الأرض قد ضاقت بك فقدت اتسعت لك السماوات السبع وإن كنت حرمت رؤية زوجتك وعمك فأبشر برؤية ربك.

الثقة بالله مهما اشتدت المحن

من المعاني الجليلة التي نستشعرها ونحن نتحدث عن الإسراء والمعراج معنى الثقة بالله فالثقة تقتل في قلب المؤمن اليأس وتحيي فيه أمل لا ينقطع ، وتخيلوا معي المشهد بعد أن رفضت الطائف دعوة النبي وسلطوا عليه صبيانهم وسفائهم خرج النبي وهو لا يعلم أين يتجه فيتبادر السؤال إلى ذهن رفيقه زيد ابن حارثه.

يارسول الله ماذا نفعل وأين نذهب وقد رفضنا أهل الطائف وأغلقت مكة أبوابها خلفنا؟!

فكان الرد القاطع من النبي '' يازيد إن الله جاعل لما ترى مخرجا ''

أتدرون ماذا كان يرى زيد

كان يرى حرباً لا هوادة فيها كان يرى حصار مطبق وقتل وتعذيب وتشريد وتجمع الأعداء ضد محمد وصحبه

ولكن الثقة بالله لا تعرف كل هذه المستحيلات

الأقصى الذي نسيناه

في خضم هذه الأحداث المتتابعة والملمات التي تحيط بالأمة من شرقها لغربها  سقطت منا للأسف الشديد قضية الأقصى فبعد أن كانت فلسطين وفي القلب منها المسجد الأقصى قضيتنا الأولى أصبحنا لا نتذكره إلا إذا رأينا صورته  أو سمعنا عنه خبرا ونحن نتصفح الأخبار.

والحقيقة إن قضية الأقصى ليست قضية ثانوية أو قضية عابرة أو مقتصرة بحدود  أو خاصة بالفلسطينيين وحدهم ، إنما الأقصى عقيدة وقضية الأمة جمعاء ، قبلة المسلمين الأولى وثاني المساجد على  الأرض وبه أمّ النبي الأنبياء وعرج منه إلى السماء  ومن المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا إليها.

هذه المكانة العظيمة التي شرف الله بها الأقصى وجعله في مقدمة مقدسات هذه الأمة تفرض على كل المسلمين أن ينتفضوا ويتحركوا ويشعلوا قضية الأقصى ويجعلوها قضية الأمة المركزية.

التصديق والإيمان ليس كلامًا

 بعد ألف وأربعمائة عام من هذا الحادث الجلل  تجد البعض يشكك في صحته لما يحمله من معجزات ربما لا تحتملها بعض العقول ،  فمابالكم بمن عايشوا الحدث وودعوا النبي قبل نومهم ثم استيقظوا من النوم فوجدوا  النبي قد أُُسري به من مكة إلى بيت المقدس ثم عرج إلى السماء ورأى ما رأى ثم نزل إلى بيت المقدس وعاد  إلى بيته في مكة  كل  هذا في جزءٍ من الليل.

أي عقل يصدق ذلك ويسلم به وأي قلب يطمئن  لهذا ولذلك استغل المشركون الحدث ليتخذوه ذريعة ليشككو في صدق النبي صلى الله عليه وسلم ولكن هيهات هيهات فقد اصطدمت أكاذيبهم بقلوب عانقت السماء  وصدقت بالنبي تصديقا لا يخالجه شك ولا ريب ولذلك كان رد أبو بكر رضي صادما للمشركين عندما قال لهم:

      '' إن كان محمد قال ذلك فقد صدق  ''

فكم نحتاج نحن إلى هذا التصديق الذي يكون بالعمل قبل أن يكون بالقول .

هذه كانت بعض الدروس والوقفات السريعة مع الإسراء والمعراج والتي ربما تحمل من المعاني الكثير مما نحتاج إليه الآن  والتي نذكرها اقتفاءا بالقائد والمعلم الأول  محمد صلى الله عليه وسلم.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس