جوشوا ووكر - ذا ناشونال إنتيريست - ترجمة وتحرير ترك برس

أجرت تركيا يوم الأحد الماضي أهم استفتاء في تاريخها. ويبدو أن حلم الرئيس أردوغان للرئاسة التنفيذية قد تحقق، حيث صوت 51% من الناخبين بنعم لصالح التعديلات الدستورية. سوف يتمتع الرئيس الجديد، الذى من المقرر انتخابه فى عام 2019، بسلطات لم يسبق لها مثيل كرئيس للحكومة التركية. غير أن أحزاب المعارضة طعنت على الفور في النتائج، وأعرب المراقبون الدوليون عن قلقهم. يرفض الرئيس أردوغان هذه الانتقادات، كما رفض أي انتقاد لانتصاره، ووجه حديثه إلى أوروبا تحديدا قائلا "سنمضي في طريقنا… هذا البلد أجرى أكثر الانتخابات ديمقراطية.. لم يشهد لها مكان في الغرب مثيلا".

قد يكون خطاب أردوغان الواثق والمتباهي مرتبطا بأن الرئيس ترامب كان أول زعيم غربي يهنئه بعد الإعلان غير الرسمي عن نتائج الاستفتاء. وقال البيت الأبيض إن ترامب هنأ أردوغان على فوزه، وناقش معه على مدى أربعين دقيقة كاملة القضايا الإقليمية، بما فيها التحديات فى سوريا والعراق. كما شكر ترامب أردوغان على دعمه الهجوم الصاروخي الأمريكي الأسبوع الماضي على سوريا، ردا على هجوم كيماوي شنته قوات الحكومة السورية على المدنيين السوريين. وقد أثار ما دار في الاتصال الهاتفي بين الرئيسين جدلا في واشنطن، حيث ألمح  كثير من المراقبين إلى أنه ينبغي للإدارة الأمريكية أن  تتحدث وتقر باعتراضات المعارضة ومخاوفها من النتائج. وردا على ذلك قال المتحدث باسم وزارة الخارجية، مارك تونر: "نتطلع إلى أن  تحمي حكومة تركيا الحقوق والحريات الأساسية لجميع مواطنيها". وفي حين أن الرسائل المختلطة ليست شيئا جديدا في العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا، يبدو أن السمة الرئيسة لإدارة ترامب ولهجتها هو التعامل مع تركيا حتى الآن بشكل مختلف.

ما يزال من السابق لأوانه الحكم على النهج الجديد الذي تتبناه إدارة ترامب تجاه تركيا. لكن بعد زيارة وزير الخارجية تيلرسون لتركيا، ومكالمة ترامب الهاتفية، وزيارة أردوغان التي أعلن عنها أخيرا إلى واشنطن في منتصف مايو/ آيار، فإن هناك حاجة واضحة إلى رسالة واستراتيجية أمريكية متماسكة تجاه تركيا. كيف تتفاعل الوكالات المشتركة مع البيت الأبيض ترامب في إدارة  مجالات التعاون والاختلافات، ومن يكون له  القول الفصل في صنع قرار السياسة الخارجية. هذه الأسئلة كلها تحتاج إلى تحديد. وبينما تولى نائب الرئيس، مايك بينس، زمام المبادرة فى العلاقات الأمريكية اليابانية، وركز جاريد كوشنر على السلام فى الشرق الأوسط، فإن السؤال هنا من يتولى ملف العلاقات مع أردوغان داخل البيت الأبيض.

كانت العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة حيوية دائما، وتعكس اللحظة التاريخية في الوقت المناسب. منذ بلوغ العلاقات بين البلدين ذروتها مع زيارة الرئيس أوباما الأولى إلى تركيا في عام 2009، حيث وصف العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا بأنها "شراكة نموذجية"، إلى التدهور الشديد في العلاقات أثناء محاولة الانقلاب الساقط في 15 تموز/ يوليو من العام الماضي، حين طالبت أنقرة بتسليم فتح الله غولن، رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة منذ التسعينات، واستمر تدهور العلاقات الأمريكية التركية في نهاية إدارة أوباما، وها هي تنشط من جديد في عهد ترامب.

وحتى خلال أكثر الأوقات صعوبة في العلاقات، كانت جغرافيا تركيا وأهميتها أكبر من أن تتجاهلها أمريكا. ومقارنة بالعراق وإيران وسوريا اللتين تتقاسمان أطول حدود مع تركيا، تقع أنقرة في وسط واحد من أكثر المسارح الاستراتيجية تقلبا للسياسة الخارجية الأمريكية، بينما تظهر تركيا معقلا للاستقرار. وعلى الرغم من التحديات المحلية الأخيرة، ما تزال تركيا الحليف الإقليمي الأهم لأمريكا، ولا سيما  خلال الحقبة الجديدة من الصفقات الثنائية التي تقدم انتصارات قصيرة الأجل للإدارة الأمريكية الجديدة التي تبدي اهتماما أقل بالاستراتيجيات الكبرى طويلة الأجل.

من جانبها تنظر تركيا إلى إدارة ترامب على أنها  بداية جديدة وفرصة عظيمة لتعزيز التعاون الثنائي، وأبدت أنقرة آمالا كبيرة في إدارة أكثر انخراطا في المنطقة، بعد سنوات من سياسة عدم التدخل التي تبنتها إدارة أوباما. وقد أعرب أردوغان عن استعداده للعمل مع إدارة ترامب لتنفيذ  سياسة أمريكية "أكثر توجها نحو العمل" في الشرق الأوسط، والتخلص من الإحباط الذي سببته استراتيجية الرئيس أوباما في الشرق الأوسط، والتي لم تسمح بعمل عسكري في سوريا والعراق. وتتلخص اتهامات أردوغان الرئيسة لإدارة أوباما في عدم تقديمها الدعم لتركيا في مكافحة المنظمات الإرهابية في الشرق الأوسط، ولا سيما حزب العمال الكردستاني.

وقد عارضت تركيا دعم الولايات المتحدة لحزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب في سوريا، اللذين تعدهما الولايات المتحدة عاملا مهما في مكافحة داعش. هذا النوع من الانفصال بين الحليفين في حلف شمال الأطلسي كان له تداعيات سيئة على القضايا الأوسع نطاقا في سوريا، فحتى وقت قريب بدا أن روسيا وإيران لهما اليد العليا هناك  مع دعمهما للأسد. في أعقاب تفجير قاعدة الشعيرات العسكرية في سوريا الأسبوع الماضي، تتوقع تركيا  في الوقت الحالي مزيدا من هذه العمليات الحاسمة، وتحديد القوة التي يمكن أن تستخدمها الولايات المتحدة في المنطقة.

والسؤال الحقيقي هو مستوى المتابعة الأمريكية، وما ستفعله إدارة ترامب مع الحماس التركي الجديد لنهجها، والعواقب غير المقصودة التي ستتبع ذلك حتما. وحيث إنه لم يظهر بعد أن لدى  ترامب نهجا متسقا للسياسة الخارجية، أو أي خطط ملموسة معلنة بشأن سوريا والعراق، فإن تركيا لا بد أن تخيب آمالها مرة أخرى. إن الطبيعة غير المتوقعة للسياسة الخارجية الأمريكية وإضفاء الطابع الشخصي على العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا لا تبشر خيرا للنجاح على المدى الطويل، على الرغم من أن من المرجح حدوث تقارب كبير بين أردوغان وترامب.

وحيث إن على قمة أولويات ترامب في مجال السياسة الخارجية، ومثلما وعد في حملته الانتخابية، القضاء على تنظيم داعش، فإن لتركيا أهمية كبيرة، وحيث إن تركيا العضو المسلم الوحيد في حلف شمال الأطلسي، فإنها ما تزال حليفا استراتيجيا في التحالف المناهض لتنظيم داعش، وتضيف أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سوري. ومن ثم فإن كل من يأتي بعد الأسد أو داعش سيكون منقادا من أنقرة وواشنطن بنفس القدر.

أدت التوترات الأخيرة بين تركيا والاتحاد الأوروبي إلى تعزيز علاقة تركيا مع أمريكا، وأصبحت وجهة النظر التركية تجاه الغرب أكثر دقة. كانت تركيا تنظر إلى الغرب منذ زمن طويل على أنه كتلة واحدة متجانسة يمكن أن يوجه إليها اللوم على الصراعات الداخلية في تركيا، أما الآن فقد بدأ أردوغان يفرق بين الولايات المتحدة وبقية الدول الغربية، حيث وجد أن نهج الرئيس ترامب أكثر قبولا. أوجه التشابه بين الرئيسين أكثر مما يظهر على السطح، فهما يشتركان في العقلية البراغماتية التجارية، وسيسعيان إلى سياسات تتجه إلى تحقيق النتائج، وسيؤكد الزعيمان على أهمية العلاقات الشخصية التي أبرزتها مكالمة  التهنئة الهاتفية هذا الأسبوع.  وفي الوقت نفسه، تصب تركيا والولايات المتحدة على حد سواء اهتمامهما على السياسة الداخلية، ومن ثم فإن  السياسة الخارجية للبلدين، بما في ذلك الأدوار الأكثر حزما في سوريا، ستحددها الاهتمامات والانتقادات المحلية.

هناك مزيد من عدم اليقين فى العلاقات الأمريكية التركية، بيد أن الرئيس ترامب وأردوغان يتفقان في أنهما  شريكان مقبولان يواجهان نفس الأعداء، ويتقاسمان الأولويات والفرص. وسيسعى الزعيمان قبل اجتماعهما فى مايو إلى إيجاد أرضية مشتركة ؛لأن معارضتهما في الداخل ستحول علاقتهما إلى مسؤولية سياسية. وسيكون الخطر قائما عندما يطور ترامب وأردوغان علاقتهما، وعندما  تصبح  العلاقات الأمريكية التركية العلاقة المحورية في علاقة تركيا بالغرب، وسيكون ذلك على حساب علاقتها بالاتحاد الأوروبي، ولكن ليس إلى الحد الذي تتضرر فيه هوية تركيا الأوروبية بصورة نهائية. وحتى في ظل  التدهور الشديد في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، لا يمكن لتركيا الاستعاضة عن الاتحاد الأوروبي، ولا سيما على الصعيدين المحلي والاقتصادي اللذين  تعتمد عليهما التجارة التركية. وفي وقت من التحديات العالمية والإقليمية غير المسبوقة، يحتاج هذان الحليفان القديمان، تركيا والاتحاد الأوروبي، إلى بعضهما بعضا، كما يحتاجان إلى تجاوز النظر على المدى القصير إلى  النظر على المدى البعيد إلى الفوائد الأطول أجلا من "الشراكة النموذجية" التي عبر الجانبان عنها ولكنها لم تنفذ بالكامل.

وبصرف النظر عن المصطلحات الجديدة التي ستوصف العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا والتوترات المحلية، يجب على  الزعيمين أن يعودوا إلى دعم الشراكة الموجهة نحو الأمن للتعامل مع التحديات الفورية مع الاستفادة من اقتصاد بلديهما ومجتمعاتهما القائمة على القيم لتجاوز ما يمكن لحكومتي البلدين أن تنجزه .

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس