متين غورجان - المونيتور - ترجمة وتحرير ترك برس

أثارت الغارات الجوية التركية على المناطق الكردية في سوريا والعراق مؤخرا قلق العديد من الناس في مختلف أنحاء العالم. كما ترك هذا الهجوم العالم في حيرة من أمره ويتساءل عما إذا كانت تركيا ستشن في المستقبل المزيد من الغارات. وفي حال قررت تركيا المضي قدما في ذلك، فكيف سيكون التصعيد؟

وتجدر الإشارة إلى أن هذا التقرير يعد تكملة للتقرير الذي كتبته الصحفية أمبرين زمان حيث سلطت من خلاله الضوء على وجهات نظر كل من الولايات المتحدة، وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي حول الغارات الجوية التي أصبحت تركيا تشنها في الآونة الأخيرة. أما هذا التقرير فسيركز بالأساس على موقف كل من أنقرة وموسكو، وعلى مصالح أنقرة الإستراتيجية التي تقف وراء الهجمات فضلا عن موقف موسكو من الأحداث.

في 25 نيسان/أبريل، شنت القوات الجوية التركية هجمات جوية على منطقة سنجار العراقية وعلى جبل كراتشوك الذي يقع على مقربة من مدينة المالكية السورية الشمالية. وقد استعمل في هذا الهجوم 30 طائرة مقاتلة نفاثة من طراز " إف-16 فايتينغ فالكون" انطلقت من قاعدة مالاتيا الجوية محملة بحوالي 2000 قنبلة مزودة بمادة "جي بي يو-10". وفي الواقع، سعت تركيا من خلال هذا الهجوم إلى استهداف وحدات مقاومة سنجار، وضرب مرافق التحكم والقيادة، ومحطة إذاعية، ومركز وسائط الإعلام في شمال سوريا الذين ينتمون إلى وحدات حماية الشعب، التابعة إلى حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره تركيا جماعة إرهابية.

مما لا شك فيه، أن الأوضاع الميدانية في شمال سوريا أخذت تتأزم يوما بعد يوم. كما ارتفع نسق الاشتباكات الخطيرة التي شملت وحدات حماية الشعب والجيش التركي في مناطق تل رفعت، وتل جبرين، وقاري بابا، ودربيزي ومارانيز. والجدير بالذكر أن تركيا تقوم بقصف المناطق عبر الحدود باستمرار باستخدام مدافع "الهاوتزر" من عيار 155 مليمترا.

وفي 26 أبريل / نيسان، أطلق مسلحون من وحدات حماية الشعب صواريخ مضادة للدبابات موجهة (أربع مرات) وقذائف الهاون (عدة مرات) على المواقع الحدودية للجيش التركي في كل من هاتاي، وكليس، وماردين. وقد أصيب جنديان تركيان ولحقت أضرار جسيمة بدبابتين تركيتين فضلا عن بعض المركبات الأخرى. وفي الحقيقة، تُثير هذه الاشتباكات القلق في نفوس جميع الأطراف، نظرا لأنها يمكن أن تنمو لتصبح معركة شاملة.

من جهة أخرى، يعدّ الهجوم الذي وقع في 25 أبريل/نيسان الماضي أول عملية جوية تركية منسقة ضد أهداف مرتبطة بحزب العمال الكردستاني في العراق وسوريا. وعلى الرغم من أن المسؤولين في أنقرة تبنوْا مسؤولية العملية، إلا أنهم لم يكونوا بحاجة لإلقاء اللوم على الجانب الآخر باعتبار أنه أول من بدأ بالهجوم. وخير شاهد على ذلك البيان الذي أدلى به رئيس الأركان العامة، خلوصي آكار، والذي جاء فيه أن "العمليات ستستمر طالما أن التهديد مازال قائما. إننا نقوم بتقييم الوضع وسنقرر وفقا لذلك الخطوات القادمة".

يبدو أن نية أنقرة المُبيتة من هذا الهجوم هو التثبت من نوايا الولايات المتحدة ومدى جديتها في التعاون مع الجماعات المسلحة الكردية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني في شمال سوريا والعراق. وبالتالي، كانت أنقرة تسعى إلى اختبار الولايات المتحدة قبل الاجتماع الذي من المقرر أن يجمع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان بنظيره الأمريكي، دونالد ترامب في 16 أيار/مايو. ومن هذا المنطلق، ستقرر تركيا ما الذي تطمح للظفر به من وراء هذا الاجتماع بناءً على رد الولايات المتحدة على الهجمات الجوية التركية.

وأكد البيان الرسمي للقيادة العليا التركية أن الجماعات المرتبطة بحزب العمال الكردستاني في العراق وسوريا تقوم بتهريب أنظمة أسلحة متطورة على غرار الصواريخ الموجهة المضادة للدروع، وصواريخ الكتف، بالإضافة إلى كميات كبيرة من المتفجرات. وقد أكدت تركيا على أن هذه الأسلحة تستعمل في الهجمات التي تشن داخل حدودها.

في الواقع، يأخذ الجيش التركي ادعاءات حزب العمال الكردستاني التي تفيد بأن الجماعات التابعة له في شمال سوريا فجرت مبنى الشرطة في ديار بكر عن طريق حفر نفق تحته وزرع المتفجرات فيه، على محمل الجد. ويشك المسؤولون في أن الجماعات هرّبت ما يربو عن 700 كيلوغراما (1,543 رطلا) من متفجرات "تي إن تي" التي استخدمت خلال الهجوم الذي جد في 11 نيسان/أبريل.

تزامنت الهجمات الجوية التي وقعت في 25 نيسان/أبريل مع الجهود المكثفة لإقناع الرأي العام بمدى شرعية هذه الغارات. فضلا عن ذلك، رصدت وسائل الإعلام التركية رئيس الأركان آكار وقائد القوات الجوية عابدين أونال في مقر العمليات المسؤولة عن إصدار الأوامر بتوجيه الهجمات، بالإضافة إلى الصور التي تم التقاطها لطائرات من نوع "إف-16" خلال انطلاق الهجوم. وقد تم إخبار المواطنين بأن القوات المسلحة التركية تتعافى شيئا فشيئا من محاولة الانقلاب الفاشل الذي جدّ في 15 تموز/ يوليو، وأن كل يسير على ما يرام داخل قطاع الأمن التركي الجديد.

في المقابل، يبقى السؤال الذي يطرح الآن؛ هل ستتواصل هذه العمليات؟ وهل سيتم تحديد الجواب عن طريق دراسة ردود فعل كل من الولايات المتحدة وروسيا؟.

كنت قد كتبتُ في وقت سابق أنني لم أكن أتوقع أن تجري القوات التركية عملية برية في سنجار غرب نهر الفرات، حيث تحظى روسيا هناك بتفوق عسكري جوي، أو في شرق النهر، حيث تسيطر الولايات المتحدة على المجال الجوي. لكنني لاحظت أن عدم إيلاء كل من الولايات المتحدة وروسيا أهمية قصوى لتلك المناطق ساهم إلى حد كبير في نجاح العملية البرية التركية. وعموما، لم تكن السلطات التركية بحاجة لمشاركة قوات البيشمركة الكردية المتحالفة مع بعضها البعض داخل المناطق الجبلية في أفاسين-باسيان، وزاب، وهاكورك على طول الحدود التركية العراقية.  

كما أتوقع أنه في حال أعلنت الولايات المتحدة وروسيا منطقة حظر جوي فوق شمال سوريا وسنجار وفرضتها على الدوريات الجوية، فإن تركيا ستواصل هجماتها الجوية على المنشآت التابعة للجماعات المرتبطة بحزب العمال الكردستاني في سوريا والعراق.

وفي هذه الحالة، سيكون من المثير للاهتمام مشاهدة الطائرات الأمريكية التي تقلع من قاعدة إنجرليك الجوية في تركيا وهي تحاول منع الطائرات التركية من الدخول إلى منطقة حظر الطيران. وفي حال تم فعلا تطبيق منطقة حظر الطيران فوق سوريا والعراق على الطائرات التركية، هل تستطيع تركيا الانتقام من خلال إغلاق مجالها الجوي أمام طائرات التحالف؟

عموما، كان رد فعل روسيا على الهجمات الجوية التركية مثيرا للاهتمام. وفي هذا الصدد، صرح الخبير في العلوم السياسية، كيريم هاس من جامعة موسكو الحكومية، لموقع "المونيتور" أن رد فعل موسكو المتأخر يوعز لسببين، يتمثل السبب الأول في مراقبة روسيا عن كثب للتوتر الذي يسود العلاقات الأمريكية التركية".

ولذلك، بمجرد أن ترامت إلى مسامع روسيا تصريحات أنقرة وواشنطن المتعلقة بالغارات الجوية التي استهدفت الأكراد، ما لها إلا أن تتدخّل. وتجدر الإشارة إلى أن تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا بسبب قضية وحدات حماية الشعب، التي يمكن أن تعجل من خروج تركيا المحتمل من الناتو، مكسبا استراتيجيا لموسكو. أما المكاسب التي ستستفيد منها روسيا على المدى القريب، فستظهر للعيان بعد اللقاء الذي سيجمع رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين في 3 أيار/مايو الذي من شأنه أن يعزز موقف روسيا فيما يتعلق بالقضية السورية.

أما السبب الثاني وراء رد فعل روسيا البطيء يتمثل في "رغبة موسكو في جعل حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب معتمدين كليا على روسيا". وهو ما يفسر رد الفعل الأول من وزارة الخارجية الروسية، بعد مرور يومين من الهجمات التركية، شديد اللهجة ووصفها لهذه الإجراءات بأنها "غير مقبولة".

من جانب آخر، أفاد هاس أن هناك نقطتين حاسمتين في الرد الفعلي الرسمي الروسي؛ إذ تكمن النقطة الأول في انتقاد تركيا لتنفيذ هجمات جوية في العراق وسوريا دون الحصول على إذن من الدول ذات السيادة. أما النقطة الثانية فتتمثل في أن روسيا تعتبر كلا من قوات حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب "المحارب الحقيقي" للمنظمات الإرهابية. وفي هذه الحالة، تتداخل رؤية موسكو لحزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب مع رؤية واشنطن.

في الحقيقة، قد يكون هذا الدعم الروسي القوي لحزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الذي جاء واضحا في البيان الرسمي إشارة إلى أن الجماعات قد تعتمد على المزيد من الحماية التي توفرها موسكو. كما سلّط هاس الضوء على تنامي التواجد العسكري الروسي في عفرين التي تحتلها وحدات حماية الشعب، وهو موقف مشترك بين الولايات المتحدة وروسيا لإحباط رغبة تركيا في السيطرة على منبج التي تقع تحت سيطرة الأكراد، وإنهاء تركيا لعملية درعة الفرات.

وفي الختام، قال هاس: "حتى لو كانت هناك خلافات في قضايا أخرى، فإن الولايات المتحدة وروسيا ستتعاملان بأكثر جدية مع جملة من القضايا. وقد تسمح روسيا بدراسة المقترحات المتعلقة بفرض منطقة حظر الطيران فوق شمال سوريا".

في الواقع، تنتظر أنقرة الخطوة المقبلة من واشنطن في الوقت الذي تستعد فيه روسيا للاجتماع الذي سيعقد في 3 أيار/مايو المقبل بين بوتين وأردوغان الذي سيعقبه اجتماع ترامب وأردوغان الذي من المقرر عقده في 16 أيار/مايو المقبل. وبالتالي، من المتوقع أن يمثل شهر أيار/ مايو نقطة فارقة في العلاقات التركية- الأمريكية- الروسية.

عن الكاتب

متين غورجان

محلل أمني وعسكري. عمل مستشارا عسكريا في السفارة التركية في كل من أفغانستان وكازخستان وقيرغزستان فيما بين 2002-2008


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس