بكر محمد البدور - خاص ترك برس

محددات القرار الأوروبي بشأن عضوية تركيا في الاتحاد

يوجد العديد من المحددات التي  سوف تؤثر في القرار الأوروبي بشأن عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي اولها المحدد الجيوسياسي والتاريخي ويشمل هذا المحدد العامل الجغرافي إذ يقع ما يقرب من 3 % من مساحة تركيا في أقصى الطرف الشرقي من جنوبي أوروبا وهو منطقة تراقيا وتقع مدينة اسطنبول في هذا الإقليم أما الجزء المتبقي من مساحة تركيا فهو آسيوي  يقع في الأناضول أو آسيا الوسطى وبالتالي يرى الرافضون لعضوية تركيا بأنها  ليست جزءاً من أوروبا يقول الرئيس الفرنسي الأسبق جيسكار ديستان : "إن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي يعني نهاية أوروبا فعاصمتها ليست في أوروبا و 95 % من سكانها يعيشون خارج أوروبا إن لها ثقافة مختلفة ونهجاً مختلفاً وحياة مختلفة إنها ليست دولة أوروبية وتاريخيا لا تنتمي للحضارة الأوروبية وعضوية تركيا ستعني نهاية أوروبا " في حين يرى المؤيدون إن الاتحاد الأوروبي ينطلق من القيم  والسياسة لا من الجغرافيا وأن انضمام تركيا له يعطي أوروبا بعداً جديداً يربطها بمناطق لديها فيها مصالح كثيرة ويمنحها امتداداً جغرافياً يمكنها من خلاله أن تقف على قدم المساواة مع الولايات المتحدة فيما يتعلق بالتأثير والفاعلية والنفوذ في المحيط الحيوي لتركيا ويدعم هؤلاء المؤيدون فكرتهم بأن تركيا عضو في جميع المؤسسات الأوروبية وعضو في حلف الناتو كما تخشى جهات أوروبية مما تسميه  الجوار التركي المضطرب والذي يشكل في نظر بعض الأوروبيين أكثر المناطق العالمية توترًا وخطرًا ويتصل بهذا المحدد أيضًا المسألة القبرصية التي أصبحت عقبة كبرى في طريق انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي منذ التدخل العسكري التركي فيها عام 1974 وما تلا ذلك من قيام الجمهورية القرصية الشمالية التركية  وازداد هذا الأمر تعقيدًا بعد أن أصبحت قبرص الجنوبية ( اليونانية) عضوًا في الاتحاد الأوروبي عام 2004 خاصة وأن تركيا لا تعترف بالدولة القبرصية القائمة في الشق الجنوبي من الجزيرة  والشق الاخير في هذا المحدد هو مشكلة الأرمن إذ تشكل هذه القضية عقبة إضافية  أمام انضمام تركيا للاتحاد نتيجة الضغوط الكبيرة التي تمارسها الحكومات الأوروبية على تركيا للاعتراف بما تسميه مجازر ارتكبت ضد الأرمن.

وثاني هذه المحددات ما يتعلق بالبنية الداخلية للمجتمع التركي

فعلى الصعيد البشري يبلغ عدد سكان تركيا ما يزيد  على 80  مليون نسمة وفق إحصاءات عام 2016 الأمر الذي يثير مخاوف من سيطرة الأتراك على سوق العمالة والتغلغل في الدول الأوروبية التي تعاني من نقص في السكان أصلاً  وبالتالي تغيير المعادلات الديمغرافية الداخلية للدول الأوروبية كما سيؤثر على الثقل التصويتي في المؤسسات الأوروبية ويلحق بذلك  المحدد الديني فبالرغم من الإجراءات التي اتخذها مصطفى كمال ومن تبعه من الكماليين  ضد مظاهر التدين في تركيا إلا أن كل تلك الإجراءات لم تتمكن من انتزاع الشعور الديني وتأثر الحياة الاجتماعية للأتراك بالتدين وبقي كل ذلك مغروسًا في الضمير الجمعي للشعب التركي الذي يدين 99%  منه بالإسلام ولذلك فإن كثيرًا من الأوروبيين ما زالوا يعدون تركيا وريثةً حضاريةً للدولة العثمانية وحاملةً لثقافة المسلمين وبالتالي ينظر إلى وجود تركيا بهذه الحالة على أنه خطر يهدد الهوية المسيحية لأوروبا.

اما المحدد الثالث فيرتبط بمسائل أوروبية داخلية منها الرأي العام الأوروبي إذ  تشير استطلاعات الرأي  التي أجرتها جهات أوربية هذا العام 2017 إلى أن نسبة كبيرة من الأوروبيين يعارضون انضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي خاصة في النمسا وألمانيا وهولندا وفرنسا وقد تفاوتت هذه النسبة بين بلد وآخر وتراوحت بين 60% و86%.

ثم التخوف من موجات الهجرة التركية إلى أوروبا فهنالك خشية حقيقية لدى الدول الأوروبية من تزايد أعداد الأتراك  المهاجرين إلى أوروبا نتيجة اختلاف الظروف الاقتصادية والعمالية ونظم التأمينات الاجتماعية التي قد تسبب إغراءً للأتراك للهجرة إلى أوروبا  وفي حال انضمت تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي ستصبح قوانين الهجرة غير مجدية في منع تدفق الأتراك فمعاهدة روما التأسيسية للاتحاد الأوروبي تنص على حق مواطني الدول الأعضاء في الاتحاد في الانتقال بحرية بين جميع دوله ولعل هذه المخاوف لم تعد مبررة نتيجة تحسن الظروف العمالية المضطرد في تركيا منذ العام 2002 حتى الحظة الراهنة  وأخيرًا مواقف المؤسسات الأوروبية من عضوية  تركيا فتركيا دولة عضو في معظم المؤسسات الأوروبية المنبثقة عن لاتحاد الأوروبي  ولا تمانع هذه المؤسسات من قبول تركيا كعضو كامل في الاتحاد الأوروبي عند التزامها بكافة شروط ومعايير الانضمام التي أشرنا لها في المقال السابق وهي معايير كوبنهاجن  ويعد هذا الموقف متوازنًا إلى حدٍ ما  غير أن البرلمان الأوربي وهو أحد المؤسسات المؤثرة في البت بقرارات العضوية  شكل ورقة ضغط قوية على تركيا وطالبها بشروط صعبة  يربطها بحقوق الإنسان وكثير من هذه المطالب جائرة وغير منطقية وأخيرًا انقسام دول الاتحاد إلى مؤيد ومعارض لعضوية تركيا  فمثلًا تؤيد كل من بريطانيا وألمانيا عضوية كاملة لتركيا في الاتحاد الأوروبي وتعارض فرنسا والنمسا هذه العضوية.

الانعكاسات الإيجابية لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي على أوروبا

هنالك جملة من الفوائد تعود على القارة الأوروبية برمتها جراء انضمام تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي منها تحسين صورة أوروبا لدى العالم الإسلامي  والتواصل معه عبر تركيا مما يعزز المصالح الأوروبية.

وكذلك زيادة الأهمية العالمية لأوروبا نتيجة لزيادة كتلتها البشرية وسعتها الجغرافية وتمدد نفوذها في مواجهة القوى الصاعدة مثل الصين وروسيا والهند إلى جانب تعزيز دور الاتحاد الأوروبي في المحيط الإقليمي لتركيا نتيجة عضويتها فيه وتوجيه الاستثمارات الأوروبية نحو تركيا  باعتبارها نقطة جاذبة بحكم امتلاكها اقتصادًا ناميًا وسوقًا نشطة تصل قدرتها إلى ما يزيد على 200 مليار دولار إلى جانب زيادة القوة العسكرية للاتحاد  وزيادة دوره في حفظ السلام  العالمي نتيجة قدوم عدد كبير من الجنود اللازمين لتلك المهمة عبر عضوية تركيا.

وأخيرًا اتصور ان بريق الاتحاد الأوربي لم يعد مغرٍ لتركيا لأسباب كثيرة منها تحسن الوضع الاقتصادي في تركيا خلال السنوات الخمس عشر الماضية وتراجع الاقتصاد الاوربي منذ الازمة الاقتصادية العالمية فلا مصلحة لتركيا في دفع الاموال للدول الأوربية التي تعثرت اقتصادياتها كاليونان واسبانيا إلى جانب خروج بريطانيا الدولة الأوروبية من عضوية الاتحاد.

وقد تمكن حزب العدالة والتنمية من توظيف ملف الاتحاد الأوروبي في إحداث إصلاحات داخلية كبيرة لم تكن لتتحقق دونه.

عن الكاتب

بكر محمد البدور

باحث متخصص في الشؤون التركية وقضايا الشرق الأوسط يعمل باحثًا في مركز دراسات الشرق الأوسط / عمّان


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس