بكر محمد البدور - خاص ترك برس

 يرى بعض المراقبين والمهتمين في الشأن التركي أن نتيجة الاستفتاء على التعديلات الدستورية والذي جرى في البلاد في السادس عشر من شهر نيسان/ أبريل الجاري وضعت أحزاب المعارضة أمام أزمة كبيرة ولكن في حقيقة الأمر ليست نتيجة الاستفتاء السبب في أزمة المعارضة ولكنها وبدون شك عمقتها وزادت حدتها، فالأحزاب التركية التقليدية بشكل عام تعيش منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي حالة من التراجع والاضطراب في الأداء والسياسات والبرامج حتى أن أحدًا من هذه الأحزاب لم يتمكن من إحراز فوز قوي يمكنه من تشكيل الحكومة بمفرده طيلة عقد كامل مما جعل الحكومات تشكل بصورة ائتلافية منذ منتصف التسعينيات وظلت الحكومات التركية أسيرةً للتجاذبات الحزبية حتى عام 2002 عندما أقصيت جميع الأحزاب التركية المعروفة في الساحة السياسية عن السلطة لصالح حزب جديد ناشئ هو حزب العدالة والتنمية الذي استطاع تعزيز مكانته في الساحة السياسية عبر فوزه بأغلبية مريحة مكنته من تشكيل الحكومة بمفرده مرات متوالية ومازال يشكلها منفردًا حتى اللحظة.

وبعد أن أصبحت كل الأحزاب التقليدية التركية في المعارضة وصلت قيادات تلك الأحزاب إلى قناعة بضرورة إعادة صياغة برامجها وترتيب أمورها الداخلية كي تتمكن من العودة للمنافسة بقوة في الساحة السياسية إلا أن التجربة العملية أثبتت عدم فاعلية الإجراءات التي اتخذتها تلك الأحزاب وعدم جدواها، وندلل على ذلك بحدثين بارزين شهدتهما الساحة التركية وهما الانتخابات البرلمانية المبكرة التي جرت يوم 2 تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2015 والاستفتاء الأخير على التعديلات الدستورية المقدمة من حزب العدالة والتنمية الحاكم في فقد دلل هذان الحدثان على إخفاق أحزاب المعارضة في التعافي مما تعانيه من تراجع وانكفاء ليس فقط على صعيد الأداء السياسي بل في كل المجالات كغياب البرامج والخطط البديلة عما يطرحه الحزب الحاكم ففي الاستفتاء على التعديلات الدستورية الأخيرة لم تستطع المعارضة إقناع الأتراك بتبني وجهة نظرها الرافضة لتلك التعديلات وكانت النتيجة موافقة 51,4% من الناخبين عليها مما عزز موقف الحزب الحاكم في وجه المعارضة رغم ان الفارق بين المؤيدين والرافضين ضئيلة. وفي الانتخابات البرلمانية التي جرت في تركيا في شهر نوفمبر من العام 2015 استحوذ حزب العدالة والتنمية على  نصف أصوات الناخبين وتراجعت حصة حزب الحركة القومية في البرلمان من 80 مقعدا في الانتخابات شهر يوليو من نفس العام  إلى 40 مقعد وزادت حصة حزب الشعب الجمهوري بمقدار مقعدين عن الانتخابات السابقة. وتراجعت مقاعد حزب الشعوب الديمقراطي الكردي من 80 مقعد إلى 56 مقعد. وهذه النتائج تدل على حجم الأزمة التي تعاني منها أحزاب المعارضة التركية بكل اطيافها وتوجهاتها الفكرية والسياسية.

ويعود تراجع أحزاب المعارضة في المشهد السياسي التركي إلى أسباب عديدة أهمها التمترس وراء أفكار تقليدية والالتصاق بالمؤسسة العسكرية والسعي لإسقاط الحزب الحاكم دون وضع برامج عملية للنهوض بالبلاد واستشراء الفساد داخل صف المعارضة خلال العقد الماضي وتورط عدد من رموزها في فضائح جنسية وأخلاقية قادت إلى استقالات عديدة أربكت تلك الأحزاب وساهمت في فض  الناخبين من حولها ولم تقم أحزاب المعارضة بطرح برامج جديدة لتحسين أدائها واكتفت قيادتها بالتصريحات الصحفية والخطب الرنانة  دون القيام بخطوات عملية ويضاف إلى ذلك أن بعض الأحزاب التركية لم تكن تعتمد على صناديق الاقتراع وثقة المواطنين في الوصول إلى سدة السلطة ولكن كانت تعتمد على تدخل الجيش في الحياة السياسية عبر حل احزاب أخرى والتضييق عليها ومنع رموز مهمة في المجتمع التركي من العمل السياسي وهذه الآلية تدل كل المؤشرات على أنها انتهت في المشهد السياسي التركي خاصة بعد فشل المحاولة الانقلابية الأخيرة ورفضها من كل فئات الشعب التركي الحريصة على تجربتها الديمقراطية  وختاما فإن مأزق المعارضة التركية لن ينتهي بنتيجة الاستفتاء أو يتوقف عندها فهنالك ارتدادات وتداعيات على البنية التنظيمية لأحزاب المعارضة نتيجة ضجر القواعد وتململها وكذلك الاختبار الكبير الذي تواجهه  بتحول البلاد إلى النظام الرئاسي مما يضعها امام تحدٍ صعب يتمثل بمدى قدرتها على التكيف مع المرحلة الجديدة.

عن الكاتب

بكر محمد البدور

باحث متخصص في الشؤون التركية وقضايا الشرق الأوسط يعمل باحثًا في مركز دراسات الشرق الأوسط / عمّان


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس