ترك برس

تحت عنوان" الحقبة العثمانية في بلاد العرب... فتح مبين أم غزو أثيم؟ نشر موقع رصيف 22  تقريرا للكاتب ثروت البطاوي، حول حقبة الحكم العثماني لمعظم الدول العربي، وهل كان العثمانيون سبباً في تخلف العرب أم أسهموا في نهضة وعمران المدن العربية.

وينوه الكاتب في بداية تقريره إلى أن فترة طويلة من تاريخ المنطقة العربية تصطبغ بصبغة أيديولوجية، في إطار صراعات بين التيارات الفكرية والسياسية التي ما فتئت تترك الحاضر والمستقبل لتنقب في الماضي باحثةً عن ساحات للخلاف والصراع، وكأن خلافات وصراعات الحاضر لا تكفيها.

وفي عرضه لنشأة العثمانيين يروي الدكتور عاصم الدسوقي ، أستاذ التاريخ الحديث  والمعاصر أن "العثمانيين قبائل رعوية تركية لا حضارة لها، كانت تعيش بشمال غرب الصين، وشأنها شأن القبائل المتنقلة من مكان إلى آخر، تصادمت مع الكثير من التجمعات الحضارية، حتى استقر بها الحال في منتصف القرن الثاني عشر ميلادياً، في منطقة آسيا الصغرى"

ويقول: "تولى أمر هذه القبائل عثمان غازي الذي ينسب إليه مسمى الدولة العثمانية، وذلك بالقرب من حدود الدولة البيزنطية التي كانت تعيش طور اضمحلالها. وخلال الصراع بين أباطرة بيزنطية، استعان أحدهم بعثمان وجيشه، مما فتح الطريق أمام العثمانيين لاحتلال البلقان في منتصف القرن الثالث عشر".

يؤكد الدسوقي أن القبائل العثمانية كانت تتصف بالشجاعة والإقدام، ما مكنها من فرض سيطرتها على البلقان، واستطاعت في منتصف القرن الخامس عشر، وتحديداً عام 1453، دخول القسطنطينية وإسقاط الدولة البيزنطية، فأطلقت عليها اسم إسلام بول واتخذتها عاصمة لها.

ووفقا للدسوقي، فإن الدولة العثمانية فرضت على بلاد العرب عزلة كاملة طوال ثلاثة قرون. وكانت الحملة الفرنسية التي جاءت على مصر ومن بعدها الشام عام 1798 بمثابة صدمة حضارية، استفاق خلالها العرب على واقع التخلف والجهل الذي يعيشون فيه.

ويرى الباحث المصري "أن العثمانيين ليسوا سوى غزاة مستعمرين احتلوا بلاد العرب أربعة قرون، مثلهم مثل الاستعمار الفرنسي والبريطاني، واستنزفوا ثروات العرب وأورثوهم الضعف والتخلف".

ويرفض الدسوقي الرأي الذي يصف العثمانيين بالفاتحين، فبرأيه لا يجوز وصف دخول شعب مسلم لأرض شعب مسلم آخر بالفتح، مشدداً على أن ذلك منافٍ للعلم والتاريخ.

ويعتبر أن الحديث عن الفتح العثماني وعظمة الدولة العثمانية قائم على العاطفة والحماسة الدينية، "تحت حجة أن الدولة العثمانية استطاعت أن تحمي "العالم العربي" من التغلغل الشيعي، من خلال تصديها للدولة الصفوية بإيران.

صورة مغايرة  

في المقابل يوضح الدكتور محمد عفيفي، رئيس قسم التاريخ بكلية الآداب في جامعة القاهرة أن "صورة الدولة العثمانية تتغير من فترة إلى أخرى ومن تيار فكري لآخر، ومن منطقة إلى أخرى، فصورة العثمانيين في مصر تختلف عن صورتهم في الشام والمغرب العربي".

ويضيف أنه رغم مرور 500 عام على ضم السلطنة لبلاد العرب، فإن الجدل ما زال مستمراً حول تقييم الحقبة العثمانية. ومنذ الثورة العربية التي قادها الشريف حسين مطلع القرن العشرين، تتكرر الأسئلة نفسها بشأن العثمانيين: هل هم غزاة أم فاتحون، وهل نعمت البلاد العربية تحت حكمهم بالاستقرار والوحدة وتمتعت بالحماية من الاحتلال الأجنبي أم العكس؟

وانتقل الجدل حول العثمانيين، بحسب عفيفي، من ساحة التاريخ إلى ساحة السياسة والدين. فحسن البنا أقام جماعة الإخوان المسلمين بعد إلغاء الخلافة العثمانية نتيجة إحساسه بأن تاريخ الإسلام في خطر، لينقل الجدل حول الدولة العثمانية إلى ساحة الدين، وبعدها انتقل إلى ساحة السياسة من خلال الصراع بين التيارات القومية والإسلامية.

ويقول عفيفي"وهنا خطورة المسألة في إطلاق الأحكام الجامدة على الحقبة العثمانية سواء "أبيض أو أسود"

وتابع، أن العثمانيين حكموا المنطقة العربية أربعة قرون، فيها سنوات نهضة وسنوات فشل، مشيراً إلى أن اختزال مصطلح "عثماني" في العرق التركي خطأ جسيم، فالذي شارك في الدولة العثمانية أجناس متعددة ولغات مختلفة بما فيها العرب الذين شاركوا في الحضارة والسياسة في تلك الفترة.

نهضة ونكبة

ويرفض عفيفي القول إن الحقبة العثمانية لم تشهد ازدهاراً أو نهضة حضارية، مبيّناً أن بلاد العرب في ظل العثمانيين مرت بفترات قوة. فمصر على سبيل المثال لعبت دوراً مهماً بحكم موقعها وتاريخها.

لكن الدولة العثمانية شهدت فترات ضعف وانكسار وصلت إلى وصفها برجل أوروبا المريض، وكان للنهاية الدرامية للدولة العثمانية دور في تسهيل الاستعمار الأجنبي للبلاد العربية، وكان ذلك سبباً رئيسياً في الصدام بين العرب والترك في تلك الفترة.

التسامح الديني

ويقول عفيفي إن الصورة القاتمة التي رسمها بعض المؤرخين للحقبة العثمانية خاطئة، فالدولة العثمانية تميزت بالتسامح الديني وكانت الملاذ الآمن لمسلمي الأندلس بعد سقوطها كما آوت اليهود الذين عانوا الاضطهاد العنصري في أوروبا.

ولم تكن إدارة الدولة العثمانية تتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد العربية، فكانت تترك حرية رسم السياسة الداخلية للأقاليم،واكتفت بحقوق السيادة والدفاع وجمع الضرائب وتطبيق الشرع، ووضعت نظام الملل لإدارة شؤون غير المسلمين بشكل يضمن استقلالهم في عباداتهم وأحوالهم الشخصية.

وكان نظام الطوائف يضمن لأصحاب الحرفة الواحدة التجمع في ما يشبه النقابات وانتخاب كبيرهم وتنظيم شؤونهم بأنفسهم.

وينفي عفيفي تدهور المدن العربية في الحقبة العثمانية، مرجِعاً آثار الخراب الذي عانت منه مدن العراق والشام إلى الغارات المغولية، ولافتاً إلى أن المدن العربية شهدت في العصر العثماني نمواً سكانياً ملحوظاً.

ووفقا للمؤرخ المصري، فإن "توصيف دخول العثمانيين البلاد العربية، بالغزو أو الفتح، يمثل أيديولوجيا بحتة ،فالمحبون للدولة العثمانية يطلقون على ذلك لقب فتح، بينما  يصفه كارهوها بالغزو، رغم أن كلمة غازٍ في اللغة العثمانية لقب فخم، مشيراً إلى أنه "لا توجد مشكلة بين غزو وفتح، لكن التوصيف يخضع للتوظيف السياسي".

حماية ووحدة

من جانبه  يقول الباحث كريم عبد المجيد المتخصص في التاريخ العثماني، إن الدولة العثمانية ساهمت في حماية الأقطار العربية ومنع الاحتلال الأوروبي لها لقرون، فبانضمام الولايات العربية تحت رايتها أصبحت جزءاً من الدولة العثمانية التي كانت من أقطاب العالم، وكان الاقتراب من أراضيها يعد انتحاراً.

والوحدة السياسية التي وفرتها الدولة لمساحات شاسعة لم تعرف الاتصال السياسي منذ سقوط الدولة العباسية، ساعدت على تنشيط الاقتصاد والتجارة وزيادة عمران الأقطار العربية.

تطور عمراني

يبيّن عبد المجيد أن عدداً من المدن العربية برزت تحت حكم العثمانيين كمراكز حضارية وعلمية، مثل مكة المكرمة والمدينة المنورة والقدس وبغداد ودمشق.

وشهدت القاهرة العثمانية خلال الحكم العثماني تطوراً عمرانياً كبيراً تمثل في تعمير المناطق الخربة واستحداث 141 مسجداً ومدرسة و101 وكالة تجارية و17 خاناً، فتضاعف نمو المناطق الاقتصادية وزادت مساحة القاهرة العمرانية 50%، فكانت القاهرة المدينة الثانية بعد إسطنبول،وكانت عامرة بالقصور والتكايا والمدارس والجوامع والحمامات العامة والأسواق والحدائق.

طور الضعف

ينفي عبد المجيد أيضاً تسبب العثمانيين في تعرض العرب للاستعمار الأجنبي، موضحاً أن "مركز الدولة العثمانية نفسه تعرض للتهديد من القوى الأوروبية في القرن التاسع عشر، فكل الأراضي العثمانية، وليست العربية، نالها الاستعمار، فالضعف كان عاماً، ولم يخص قطراً بعينه، لأن الدولة بلغت طور الضعف الموجود في مراحل عمر الدول".

ويرى عبد المجيد أن "شيطنة الدولة العثمانية أو إضفاء المسحات الملائكية عليها، موقف نابع من التوجهات الفكرية لأصحابه، فالمادحون ينظرون إليها كونها آخر دول الخلافة ورمز الوحدة الإسلامية، بينما الذامون ينظرون إليها كرمز لتخلف الإسلاميين".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!