د. محمد عزيز عبد الحسن - خاص ترك برس

ينطلق بحثنا من محاولة إثبات صحة الفرضية العسكرية التي يؤمن بها القادة الميدانيين لقوات سوريا الديمقراطية ومفادها:

"إذا كان التوافق الروسي التركي في آب/ أغسطس عام 2016، وبموجبه سمحت روسيا لتركيا بوقف التواصل والامتداد الكردي عبر الاستحواذ على بلدتي جرابلس والباب؟ فهل من الممكن وبعد التقارب الإيراني التركي الروسي اليوم أن تواجه قوات سوريا الديمقراطية تهديدا بتدخل عسكري تركي إيراني مشترك؟ أو معركة تركية خاطفة جديدة في تل أبيض، والذي من شأنه أن يعرقل التواصل بين كوباني والقامشلي؟".

الاستراتيجية الأمريكية في شرق سوريا و«حزب الاتحاد الديمقراطي»

تقوم الاستراتيجية العسكرية الأمريكية في تحديد تدخلها  في سوريا والعراق على عدة مرتكزات أبرزها الآتي:

أولا:  تنفيذ هجمات جويّة منخفضة المخاطر في سوريا والعراق.

ثانيا: تجنيد حلفاء محلّيين لمحاربة تنظيم داعش  في العراق وسوريا.

ومن أبرزهم حزب الاتحاد الديمقراطي (الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني المصنف كمنظمة إرهابية من قبل الإدارة الأمريكية) وجناحه العسكري وحدات حماية الشعب؟

ثالثا: توفير الظروف السياسية والعسكرية والغطاء الجوي للحلفاء المحليين السوريين سواء كانوا أكرادا أو عرب للإطاحة بالنظام السوري.

رابعا: استبعاد نشر قوّات بريّة أمريكية في سوريا والاكتفاء بنشر محطات ومواقع عسكرية أمريكية لتوفير الدعم اللوجستي والغطاء الجوي للفصائل المسلحة الكردية والعربية.

خامسا: دراسة خارطة التنافس الإقليمي والدولي على الساحة السورية والعراقية ورسم خطوط بيانية لتحرك هذه القوى الإقليمية (إيرانية أو تركية أو إسرائيلية أو فصائل مسلحة كردية وعربية) بالتوافق الأمريكي الروسي. ولذلك سمحت واشنطن لجهات أخرى تحمل أهداف مختلفة، على غرار إيران وفصائلها المسلحة الشيعية (الأفغانية والباكستانية والعراقية وحزب الله اللبناني)؟ والقوات المسلحة التركية؟ بالتنافس العسكري على مناطق النفوذ في سوريا والعراق؟

وأحيانا السماح لإسرائيل بالقيام بضربات جوية منتخبة لبعض المواقع العسكرية التابعة لحزب الله اللبناني في سوريا...

القيمة السياسية والعسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي في الاستراتيجية العسكرية الأمريكية وتدخلها بسوريا؟

إن العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وحزب الاتحاد الديمقراطي قائمة على ركنين أساسيين:

الأول: ركن استراتيجي

يتعلق بتوظيف حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري وحدات حماية الشعب كورقة ضغط على تركيا لأنها (أمريكا) تدرك أن توسع الإدارة الذاتية الكردية السورية ووصولها إلى حدود تركيا سوف يجرها (تركيا) إلى الدخول كلاعب أساسي حاضر ومؤثر وليس تابع في مكافحة الإرهاب والحرب في كل من العراق وسوريا؟

الثاني: ركن تكتيكي قائم على توظيف الفرص التكتيكية بدلاً من الاعتبارات الاستراتيجية.

كيف ذلك؟

لكي تتمكّن واشنطن من إبقاء تركيزها على تنظيم داعش ومحاربته في سوريا عليها أن تدعم مباشرةً خصمه الأفضل حتى الآن المتمثل بحزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري وحدات حماية الشعب، وثمن التعاون الأمريكي مع حزب الاتحاد الديمقراطي يتمثل بأمرين أيضا:

الأول: تقديم ضمانات أمريكية للأكراد السوريين بالحكم الذاتي.

الثاني: استمرار دعمهم عسكريا والتعهد بحمايتهم من أي تدخل عسكري تركي ضدهم عبر الضغط على تركيا بتأجيل مهاجمة عفرين أو تل أبيض لقيمتهما الجيو استراتيجية لحزب الاتحاد الديمقراطي...  

التوتر التركي الأمريكي بسبب البرنامج السري لـ "وكالة الاستخبارات المركزية" الأمريكية المعروف باسم "قيادة العمليات العسكرية" والخاص بتقديم الأسلحة والتمويل لحزب الاتحاد الديمقراطي؟

منذ عام 2013، كان البرنامج السري لـ "وكالة الاستخبارات المركزية" الأمريكية المعروف باسم "قيادة العمليات العسكرية" يزوّد الأسلحة والتمويل لألوية سورية تابعة لـ «الجيش السوري الحر».

 وكان هذا الدعم مخصص لمحاربة الرئيس السوري بشار الأسد؟

ولكن، بعد أن سيطر تنظيم «داعش» على الموصل عام 2014 وجّهت واشنطن جهودها نحو محاربة التنظيم. وتحقيقاً لهذه الغاية، بدأت وزارة الدفاع الأمريكية بدعم «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي وجناحه المسلّح المعروف بـ «وحدات حماية الشعب»، علماً أنّ «حزب الاتحاد الديمقراطي» هو الفرع السوري لـ «حزب العمال الكردستاني» وهو جماعة تركية تحارب أنقرة منذ عام 1984 - وهو مُدرج على لائحة وزارة الخارجية الأمريكية للإرهاب منذ عام 1997.

وفي عام 2014، ساعدت الهجمات الجوية الأمريكية «وحدات حماية الشعب» على طرد تنظيم «داعش » من كوباني وهي بلدة شمالية حدودية في سوريا. ومنذ ذلك الحين، نسق المقاتلون الأكراد بالتعاون مع واشنطن شن هجمات جوية أخرى في محافظتي الحسكة والرقّة في شمالي البلاد. ومع تحوّل «وحدات حماية الشعب» شيئاً فشيئاً إلى القوة المقاتلة الأكثر فعالية ضدّ تنظيم داعش رفعت واشنطن سقف مساعادتها.

وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2015، ألقت الطائرات الأمريكية 50 طنّاً من الذخيرة بشكل 100 حزمة إلى ما يُعرف باسم «قوات سوريا الديمقراطية».

وفي وقت لاحق من الشهر نفسه، وصل خمسون عنصراً من "القوّات الخاصة الأمريكية" إلى منطقة يسيطر عليها «حزب الاتحاد الديمقراطي» لتدريب مقاتليه وتسليحهم. وفيما بعد  قامت القوات الأمريكية بالسيطرة على مهبط طائرات موسع جنوب بلدة رُميلان التي يسيطر عليها «حزب الاتحاد الديمقراطي» لتوفير الإمدادات بطريقة أسهل لـ «قوات سوريا الديمقراطية» وتسليمها الأسلحة.

الدعم الجوي الأمريكي واللوجستي المستمر لقوات سوريا الديمقراطية في الرقة ومبررات ودوافع القيادة العسكرية التركية بالاستعداد لعملية عسكرية في تل أبيض وعفرين؟

ورغم الاعتراضات التركية المتكررة للولايات المتحدة الأمريكية بخصوص استمرار دعمها لحزب الاتحاد الديمقراطي ومخاطر هذا الدعم على الأمن القومي التركي؟

 مع ذلك، تواصل الولايات المتّحدة عملها عن كثب مع «حزب الاتحاد الديمقراطي» الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني ((حزب العمال الكردستاني مدرج ضمن قائمة المنظمات الإرهابية من قبل الإدارة الامريكية))، وانضمت فيما «وحدات حماية الشعب» إلى عدد من الألوية العربية لإنشاء «قوّات سوريا الديمقراطية» وأثبتت هذه الجماعة أنها أفضل حليف سوري لواشنطن ضد تنظيم «داعش».

وكما أشار الجنرال الأمريكي شون ماكفارلاند في مؤتمر صحفي في 10 آب/ أغسطس 2017، إلى ذلك: عندما سيطرت «قوّات سوريا الديمقراطية» ذات الأغلبية الكردية على 20 في المئة من أراضي تنظيم «داعش » في سوريا بمساعدة الضربات الجويّة الأمريكية.

وتلقّت وحدات «قوّات سوريا الديمقراطية» أسلحة ثقيلة (مثل صواريخ جافلين) وتدريبات "القوّات الخاصة" من الولايات المتّحدة لتحقيق هذه الغاية. وفي مؤتمر صحفي عُقد في 16 آب/ 2017، أشار العقيد في الجيش الأمريكي كريستوفر غارفر: أن «وحدات حماية الشعب» الكردية شكّلت 15 في المئة فقط من القوّات المنتصرة في منبج و مدينة الشدادي جنوب الحسكة.

وفي 20 آب 2017 قال وزير الدفاع الأمريكي آش كارتر بأنها "قوّات برية قادرة ومحفّزة" عندما يتعلق الأمر بـ"الاستيلاء على الأراضي والسيطرة عليها"... وحتى الآن، ساعد التعاون الأمريكي «حزب الاتحاد الديمقراطي» على توحيد مقاطعة الجزيرة الشرقية ومقاطعة كوباني المركزية. ويكمن هدف الحزب التالي في ربط هاتين المنطقتين بمقاطعة عفرين الأصغر حجماً في محافظة حلب وإنشاء ممرّ متاخم على طول الحدود التركية.

وقد عبّرت أنقرة باستمرار عن معارضتها الشديدة لهذه الاستراتيجية.... وقد عزز تلك المخاوف التركية تواجد قوات وحدات حماية الشعب الكردية في المناطق الآتية:

أولا: الحسكة في شمال شرق سوريا.

مناطق كردية شمالاً يتحكّم بها «حزب الاتحاد الديمقراطي» وأحياء عربية جنوباً تخضع لسيطرة النظام السوري.

ثانيا: يسيطر الأكراد أيضاً على بعض النقاط في القطاعين الجنوبي الغربي والجنوبي الشرقي من سوريا.

ثالثا: مقاطعة الجزيرة الشرقية ومقاطعة كوباني.

وهدف حزب الاتحاد الديمقراطي التالي في ربط هاتين المنطقتين بمقاطعة عفرين الأصغر حجماً في محافظة حلب وإنشاء ممرّ متاخم على طول الحدود التركية، وهو ما يمثل خط أحمر لتركيا؟

وأن «وحدات حماية الشعب» الكردية شكّلت 15 في المئة فقط من القوّات المنتصرة في منبج، بينما شكل العرب ما تبقّى من المقاتلين.

وأن العرب شكّلوا 40 في المائة من القوات التي استعادت مدينة الشدادي جنوب الحسكة، ومن المفترض أن يحوّل «حزب الاتحاد الديمقراطي» تركيزه نحو بقائه فقط بدلاً من توسيع أراضيه، فيعيد على الأرجح نشر قوّاته بسحبها من منطقة حلب باتجاه مدينة الحسكة شرقاً.

ومثل هذا التطور، قد ينهي بشكل فعلي الاستراتيجية الأمريكية لإغلاق جيب منبج الذي وفّر لـ تنظيم «داعش» منفذاً إلى العالم الخارجي عبر الحدود التركية. ولطالما شاب التعقيد هذه الاستراتيجية لأن تركيا عارضت سيطرة «حزب الاتحاد الديمقراطي» على هذه المنطقة ولا بد من الإشارة إلى الأمور الآتية:

أولا: ترددت أنباء غير مؤكدة عن وجود اتفاق بين أنقرة وموسكو قضى بتعهد روسيا انسحاب «قوات سوريا الديمقراطية» و«وحدات حماية الشعب» من تل رفعت وقرى مجاورة قرب عفرين مقابل عدم دخول فصائل «درع الفرات» التي يدعمها الجيش التركي إلى منبج التي أقيم فيها مركز للجيش الأمريكي.

ثانيا: أُثير موضوع التدخل التركي في عفرين مع المبعوث الرئاسي الأمريكي، بريت ماغورك، خلال زيارته لريف الرقة ، فأجاب الموقف الأمريكي واضح ومبدئي.

وقال أيضا...

 إن هذه المناطق (في عفرين) تابعة لروسيا، وهناك مناطق تابعة للولايات المتحدة الأمريكية، وهناك اتفاق بينهم (بين الأمريكان والروس) شرق نهر الفرات للأمريكيين وغرب نهر الفرات للروس. وأضاف أن "الهجوم التركي على عفرين سيؤثر سلبا على معركة الرقة، لأن أغلب مقاتلي وحدات الشعب الموجودين قرب الرقة، هم من عفرين وسيذهبون للدفاع عن أهلهم وأرضهم إذا ما هاجمت تركيا مدينتهم عفرين؟".

وكانت مصادر إعلامية قد نسبت إلى ماكغورك قوله، في أثناء لقائه أعضاء «المجلس المحلي للرقة»، إنّ «تنفيذ تركيا أيّ هجوم على عفرين أو أيّ منطقة أخرى في شمال سوريا، سيكون بمثابة انقطاع آخر خيوط العلاقات الاميركية ــ التركية». مع ذلك فانه يمكن القول ان الاستراتيجية العسكرية الامريكية ازاء كل من تركيا وقوات سوريا الديمقراطية قائمة على ركن اساسي مفاده الإصرار الأميركي على إدارة دفة العداء بين الأتراك والأكراد بما يخدم مصالح الولايات المتحدة، ويضمن استمرار حاجة الطرفين إليها؟

لكن الولايات المتحدة الامريكية ربما ادركت ان تركيا سوف لن ترضى بانصاف الحلول خاصة إذا تعلق ذلك بتهديد أمنها القومي؟ لذلك فان القيادة العسكرية التركية سوف تتحرك نحو منطقتين هما عفرين وتل أبيض؟ لموقعهما الجيو استراتيجي، إذ تميزها عن جميع المناطق الأخرى، ومن ضمنها منطقة الجزيرة.

أولا: القيمة الجيو استراتيجية لعفرين من وجهة نظر القيادة العسكرية التركية. هذه القيمة والخصوصية نابعة من أمرين:

الأول:  موقعها الجيو استراتيجي  القريب من ساحل البحر الأبيض المتوسط،

الثاني: تواجد اعداد كبيرة من الاكراد فيها واغلبهم موالون لحزب الاتحاد الديمقراطي ...

وهذه الخصوصية تحديدآ تقلق تركيا؟ وتتوجس تركيا من قيام كيان كردي في شمال سوريا يمتد من حدود جنوب سوريا، وينتهي على شواطئ البحر المتوسط. وبنفس الوقت تدرك تركيا حقيقتين لايمكن تغافلهما عن اهمية عفرين وأهميتها الجيو الاستراتيجية:

أولا: تركيا تعلم، بأن سيطرة الكرد على كل من مدينة منبج وتل رفعت وشيخ عيسى، يمنحهما الفرصة، في أي وقت تحرير الباب وجرابلس من يد الفصائل المسلحة المعارضة للنظام السوري والتي تحظى بدعم تركي وربطهما بعفرين.

ثانيا: تدرك تركيا بأن الإدارة الذاتية الكردية السورية، لن تكتمل من دون ضم منطقة عفرين إليها. وستكون هذه الإدارة الذاتية الكردية السورية ضعيفة، ويمكن إحتوائها من خلال حصارها اقتصاديًا، ومن ثم إخضاعها سياسيآ بسهولة.

ولهذا فإن مصير منطقة عفرين مهم للغاية في هذا المجال، ومن هنا يحاول الأتراك بالخطوات الاستراتيجية الآتية:

1- السيطرة على عفرين أو على الأقل استكمال إجراءات تطويقها تمهيد لدخولها.

2- سيطرة تركيا على عفرين سوف يعطيها ميزة التحكم بجزء من شمال سوريا، لحماية أمنها القومي.

3- توسيع مناطق نفوذها، من خلال ربط ريف حلب الشمالي والشرقي مع محافظة إدلب، وهو ما سيزيد من نفوذ تركيا بسوريا من جهة وتحجيم الدور الكردي في سوريا، وخاصة بعد تكليفهم بتحرير مدينة الرقة والطبقة من جهة أخرى.

ثانيا: القيمة الجيو استراتيجية لمنطقة تل أبيض في الاستراتيجية العسكرية التركية

أدركت القيادة العسكرية التركية أهمية تل أبيض كقيمة عسكرية بموقعها الجيو استراتيجي من جهة وكمعبر مهم يربط كوباني بالقامشلي، لذلك دفعت أنقرة بتعزيزات عسكرية ضخمة إلى بلدة "أقجا قلعة" الحدودية، المقابلة لمدينة تل أبيض بريف الرقة الشمالي، مؤلفة من أرتال تضم  شاحنات عسكرية محملة بالجنود، ودبابات محملة على (لودرات)، وعدد من العربات المجنزرة، ومدافع ثقيلة وبعض الراجمات الصاروخية، وذلك تحضيراً لعمل عسكري وشيك لطرد ميليشيا "الوحدات" الكردية من مدينة تل أبيض؟

والقيادة العسكرية التركية كانت محقة بشنّ هجوم على تل الأبيض، وهي بلدة حدودية تقع على بعد 100 كيلومتر شمالي الرقة، مما يسمح للقوات التركية بالتقدّم عبر الأراضي الفارغة إلى حد كبير، وتجنّب حواجز الفرات الطبيعية، والبقاء بعيداً عن وادي البليخ ذو الكثافة السكانية، والاستفادة من شبكة الطرق العالية الجودة التي توفّر مسارات متعددة للتقدم نحو المدينة.

لكن قبل مواجهة تنظيم «داعش»في الرقة، على تركيا وحلفائها مواجهة «قوّات سوريا الديمقراطية» في تل أبيض؟ إذ من المستبعد أن يسمح الأكراد للدبابات التركية بعبور أراضيهم بحرية. وفي الواقع أن الأكراد يدركون جيداً أن تل الأبيض هي نقطة ضعفهم. وكان «حزب الاتحاد الديمقراطي» قد أخرج تنظيم «داعش » من المدينة في ربيع عام 2015 لضمان استمراريته الجغرافية، وسيؤدّي السماح بسقوطها الآن إلى تقسيم الكانتونات على الحدود الشمالية التي تشكّل الإدارة الذاتية الكردية السورية؟

وأدركت القيادة العسكرية التركية بأنه  بإمكانها توظيف الغالبية العربية المحيطة بتل أبيض في حملتها العسكرية المرتقبة؟ تل أبيض والمنطقة المحيطة بها تسكنها أغلبية عربية، لذلك لا يمكن ضمان ولاء السكان لحزب الاتحاد الديمقراطي. فضلاً عن ذلك، استعداد العشائر العربية المحلية التي لجأت إلى تركيا بعد احتلال وحدات حماية الشعب لتل أبيض إلى تحرير المنطقة بالقوات العسكرية  التابعة للجيش التركي.

بعد النظر العسكري والحكمة السياسية لرجل الدولة الرئيس التركي تدفعه بتوظيف الرغبة التركية بالتوجه للرقة كذريعة للاستيلاء على تل أبيض؟

بقراءتنا المتواضعة...

يمكن أن نفهم أن رجل الدولة أردوغان بوصفه القائد العام للقوات المسلحة التركية أدرك الواقع الآتي:

أن تركيا ربما لا ترغب في التقدّم عسكريا فعلياً نحو الرقة، لأن ذلك يتطلب خوض معركة طويلة تحتاج استعداد عسكرية مسبقة وربما تطول لعدة أشهر؟ لكن يبقى امام تركيا الحرب الخاطفة والمتمثلة بعملية عسكرية خاطفة وسريعة في تل أبيض؟

وتحتاج هذه المعركة غطاء سياسي وعسكري، وأفضل غطاء أنه لا يزال بإمكان رجل الدولة الرئيس التركي أردوغان: استعمال هدف التوجه التركي نحو الرقة كذريعة للاستيلاء على تل الأبيض بدعم من العشائر العربية؟

وبهذا يكون بمقدور الرئيس التركي أردوغان ومن خلال قيامه بمعركة عسكرية خاطفة في تل أبيض تقسيم الأراضي الكردية والقضاء بشكل كلي على حلم «حزب الاتحاد الديمقراطي» بتوسيع الادارة الذاتية الكردية السورية على طول الحدود الشمالية.

وبموجب هذه المعركة العسكرية التركية الخاطفة على تل أبيض فإننا نتوقع الآتي:

أولا: قطع التواصل بين كوباني والقامشلي كمرحلة أولى والتوجه التركي نحو عفرين مستثمرا التقارب التركي الإيراني الروسي الأخير.

ثانيا: يتيح لتركيا استثمار التقارب مع إيران وروسيا قبل البدء بمعركة تل أبيض التنسيق مع هذه الدول حول مصير إدلب؟

ثالثا : ربما من باب القراءة السياسية لأبعاد التقارب الايراني التركي الاخير

ان نستنتج حدوث او نشؤ محور ثلاثي روسي ايراني تركي مصلحي قائم على استراتيجية روسية

مفادها :

مصادر الطاقة ممكن ان تجعل المتنافسين حلفاء؟

 ويؤكد ذلك توقيع روسيا مشروع السيل التركي ، وإدراك الروس والإيرانيين بان ضمان  الممر البري الذي يربط العراق بحزب الله اللبناني عبر سوريا

لن يرى النور الا بموافقة تركية؟

 ولكن بشرط ان يضمن ذلك الامن القومي التركي ؟

عبر انسحاب حزب العمال الكردستاني من سنجار وبضمانات ايرانية

وربما نتوقع تلاقي  مصالح كل من تركيا وإيران وروسيا في إدلب وتلعفر (عدم تعرض التركمان السنة فيها للتطهير والتغيير الديمغرافي او تهديدهم )

 وسنجار( بقطع الطريق البري شنكال # سنجار # السليمانية # رانيا # قنديل ) الذي يؤمن التمويل المالي لحزب العمال الكردستاني

مع تعهد الدولتين ( تركيا وايران ) بتوقع اتفاقية  عسكرية تسمح لهما بالقيام بعمليات برية وضربات جوية لمواقع حزبي بيجاك الايراني والعمال الكردستاني

 رابعا : ان التوافق الثلاثي الروسي الايراني التركي في ادلب تلعفر سنجار قنديل

سوف يقطع الطريق تكتيكيا واستراتيجيا ان تحقق غهلا ؟

نشؤ محور امريكي مع قوات سوريا الديمقراطية ضده؟

حيث تتمكَّن تركيا من حماية التركمان السنة في تلعفر

 والانسحاب حزب العمال الكردستاني من سنجار من جهة

 وربط ريف حلب بريف إدلب،

والسيطرة على تل ابيض و تل رفعت ومطار منغ لحصار حزب الاتحاد الديمقراطي في عفرين من حهة اخرى

خامسا : ان احتلال تركيا لتل ابيض وعفرين فمن المرجّح أن تخسر الولايات المتحدة الاتي :

# حليفاً فعالاً في حربها ضد تنظيم «داعش »المتمثل بقوات سوريا الديمقراطية

# استحالة حصول الامريكان على  ضمانات  واقعية وليس افتراضية من الرئيس التركي اردوغان بتقدم القوات التركية نحو الرقة كبديل عن قوات سوريا الديمقراطية ؟

وعلى الرغم من الدعم الجوي الأمريكي  والوجستي المستمر وغيره من المساعدات،؟

 لا يمكن لـ «قوات سوريا الديمقراطية» تنفيذ هجوم بري خطير في الرقة بمفردها نظراً إلى تدخل تركيا في الآونة الأخيرة

والتي تشكل قواتها تهديداً هائلاً للأكراد.

أما بالنسبة تركيا ، فيبقى هدفها استراتيجي وليس تكتيكي في المدى المنظور القريب والمتوسط

منع الأكراد من تحقيق وحدة الأراضي على طول الحدود الشمالية لسوريا.

  ويمكن الوصول الى النتائج الاتية :

اولا : بظهور حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب بالقرب من غرب الفرات والحدود الجنوبية لتركيا

 ادرك رجل الدولة السيد اردوغان :

ان واقعا جيو سياسيا واستراتيجيا قد تشكل على الحدود الجنوبية لتركيا وبات هذا الواقع يهدد الامن القومي التركي من ثلاثة اتجاهات ..

 تهديدات من الجنوب:

 «حزب الاتحاد الديمقراطي»،ووحدات حماية الشعب  وهي جماعة سورية كردية،

وتنظيم «داعش »

 والرئيس السوري بشار الأسد.

فكيف يمكن للاستراتيجية العسكرية التركية ان تتعامل مع خطر ظهور حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي» و «وحدات حماية الشعب الكردية » بالقرب من الحدود الجنوبية التركية ؟

 وهل هناك فرصة واقعية بتوظيف علاقة الولايات المتحدة الامريكية بقوات سوريا الديمقراطية لاجبارها بتحريك القوات الكردية في الجنوب نحو الرقة بدل من تحركها شمالا نحو الحدود التركية.؟

ولكن هذا الامر مشروط بضمانة امريكية على الالتزام بالخط الأحمر الذي وضعته أنقرة والذي ينص على أنه لا يمكن لأي قوات كردية عبور غرب الفرات، بضمها قوات حزب الاتحاد الديمقراطي  ووحدات حماية الشعب

ولكن  تركيا ستكون مستعدة للذهاب إلى أبعد الحدود للدفاع عما تعتقد بأنه يهدد أمنها القومي سؤاء بالتوجه نحو تل ابيض وبعدها عفرين ؟

ثانيا : الزيارة التي قام بها الجنرال محمد حسين باقري، رئيس هيئة الأركان العامّة للجيش الإيراني إلى أنقرة يوم 15 آب عام 2017، واستقباله من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تُعتبر من الزيارات الرسميّة الاستثنائية على مستوى العلاقات التركية الايرانية ؟

وعل اثر هذه الزيارة تغيّرت الأولويات للإستراتيجية العسكرية التركية  بعد زيارة رئيس الاركان الايراني لتركيا في 15 آب عام 2017،  نحو تحقيق ثلاثة اهداف  عززت التقارب التركي الايراني

 الاول : منع إقامة ادارة ذاتية كردية متاخمة لتركيا او ايران  

الثاني : مناقشة مسالة بقاء نظام بشار الأسد

( وهذه المسالة سوف تناقشها تركيا بعمق لان في المحصلة النهائية تركيا تريد ضمان امنها القومي ولا يهمها بقاء الاسد او رحيله ؟

بقدر ما يهمها تحقيق المصالح الاستراتيجية والتي تضمن الامن القومي التركي )

الثالث : قدمت إيران «اقتراحًا مفاجئًا» لأنقرة

حول ادلب وتلعفر وسنجاروقنديل ودير الزور وكانت المفاجاة الابرز تتمثل في  اطلاق تعاون مشترك ضد المسلحين الأكراد في منطقتي قنديل وسنجار في شمال العراق

وربما هذا الاقتراح سيساعد على تنسيق المواقف السياسية والعسكرية التركية الايرانية ازاء سوريا والعراق

لان هناك مصلحة مشتركة للبلدين (التركي والايراني ) في محاربة  حزبي العمال الكردستاني وبيجاك الايراني؟

 واستهداف  بنيتهما المالية وأنشطته السياسية وطرق امداداتهما البرية وخاصة الطريق البري لامدادات حزب العمال الكردستاني شنكال # سنجار # سليمانية # رانيا # قنديل ؟

وان  فهم دوافع ومبررات ربط الرئيس التركي اردوغان لمعركة تل ابيض المرتقبة من ان هناك متغيرات جيو استراتيجية سوف تطرا ما بعد تحرير الرقة على يد قوات سوريا الديمقراطية تلزم تركيا بالتحرك تكتيكيا لتحقيق الاهداف الاتية

اثنان منهما يمكن تحقيقهما في المنظور القريب وهما :

الاول : أمن اعزاز و مارع و الباب، و حتى إدلب  مرتبط بتطهير تركيا لتل ابيض  وعفرين من قوات سوريا الديمقراطية ؟

الثاني : منع إقامة ادارة ذاتية كردية سورية تخضع لسيطرة «حزب الاتحاد الديمقراطي» متاخمة لتركيا ؟

والهدف الثالث : الإطاحة بنظام الأسد؟

وهو هدف مرهون بعاملين :

الوقت والمتغيرات العسكرية على الساحة السورية والعراقية بعد التقارب التركي الايراني الاخير؟

وربما حدثت تطورات على الساحة السورية دفعت تركيا لاتخاذ مواقف حازمة لحماية امنها القومي ...

اذ نقلت وسائل إعلام روسية عن الرئيس التركي السيد أردوغان قوله لصحيفة إزفيستيا:

 إن سوريا تشهد في الوقت الراهن عمليات سلبية، وإذا تمخّض عن هذه العمليات أيّ خطر يتهدّد أمن حدودنا، فسنردّ كما فعلنا خلال عملية (درع الفرات)

ويضيف سيادته....

استعداد بلاده لعمل جديد في شمال سوريا وإلحاق الرقة ومنبج بمنطقة مسؤوليتها ضماناً لأمن الحدود التركية....                                        

واعرب الرئيس التركي  اردوغان ...

((        عن أسفه حيال "تواطؤ شركاء استراتيجيين ( يقصد الولايات المتحدة الامريكية ) لأنقرة مع الإرهابيين من تنظيمي "حزب العمال الكردستاني"، وجناحه العسكري المتمثل في فصائل الحماية الشعبية الكردية" الناشطة شمال سوريا      ))

ويبقى السؤال الاهم :

ماهي ردود فعل قوات سوريا الديمقراطية من الولايات المتحدة الامريكية في حالة تخلت عنها عبر السماح لتركيا بمهاجمة تل ابيض وعفرين ؟

افضل سيناريو امام حزب الاتحاد الديمقراطي اذا شعر فعليا  وليس افتراضيا بان الامريكان تخلوا عنه لصالح حليفتهم الاستراتيجية تركيا ؟

هو الاتي :

 هناك احتمال قائم لإبرام «حزب الاتحاد الديمقراطي» اتفاقاً سرياً، إذا لزم الأمر، مع النظام السوري وروسيا وإيران.

وفي ظل هذا السيناريو،

 قد ترفض «قوّات سوريا الديمقراطية» مساعدة المتمردين العرب على احتلال مقاطعة دير الزور - مقابل اعتراف مزعوم بسلطتها على شمال سوريا

وهو احتمال ربما يتحقق في المدى المنظور القريب وليس المتوسط ؟

وهذه ليست فرضية عسكرية او سياسية ربما تقبل التحقق او التشكيك؟

 ولكنها تعكس ذاكرة التاريخ التي عادة لا تخطى ودليل ذلك ان عقلية البراغماتية  لقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي السياسية والعسكرية ادركت وربما سوف تدرك مستقبلا الواقع الاتي :

# اتفاق القيادة السياسية والعسكرية  لحزب الاتحاد الديمقراطي بأن الوجود الروسي في سوريا سيدوم أكثر من الوجود الأمريكي.

 # ان الولايات المتحدة الامريكية على المدى المنظور القريب والمتوسط اذا وضعت بين خيارين :

 اما حزب الاتحاد الديمقراطي وقواته (قوات سوريا والديمقراطية )

 او تركيا  ؟

 فسيختار تركيا  الحليفة في "منظمة حلف شمال الأطلسي"   

# بتطبيق واقع الفرص التكتيكية

فان الواقع الميداني يجعل من حزب الاتحاد الديمقراطي الشراكة مع روسيا كأفضل طريقة للحفاظ على مكاسبهم الإقليمية على المدى البعيد.

وربما من غير المرجح

أن تركّز تركيا على الرقة بل سوف تجعل منها ذريعة لمهاجمة تل ابيض وعفرين وتل رفعت ؟

وكذلك  «حزب الاتحاد الديمقراطي» سيحاول السيطرة على الرقة ولكنه لم يقوم  بتحديد موعد لتحريرها من داعش

وتبقى الرقة لكلا الطرفين منطقة لها حسابات خاصة  تتعلق بمصالحه ووجوده ؟.

 كما أن مصالح الولايات المتحدة ستتضرّر إذا استنزف الجانبان معظم طاقاتهما على محاربة بعضهما البعض بدلاً من محاربة تنظيم «داعش».

ويبقى السيناريو الأسوأ بالنسبة إلى الولايات المتحدة فيتمثّل بهجوم تنفذه تركيا تستحوذ من خلاله على تل الأبيض وعفرين ونل رفعت  ومن نتائجه :

اولا : الابقاء على تنظيم داعش بالرقة

 ثانيا : المواجهة العسكرية بين تركيا وقوات سوريا الديمقراطية امر واقع في المدى المنظور القريب

لان تركيا ستمنع  لاعتبارات تخص امنها القومي

سؤاء رضى الامريكان ام لا؟

قيام كيان  كردي موحدة في سوريا على حدودها ؟؟؟

عن الكاتب

د. محمد عزيز البياتي

أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي في كلية العلوم السياسية بجامعة بغداد


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس