عمر كراسابان - معهد بروكينغز - ترجمة وتحرير ترك برس

في مارس / آذار 2016، كان في تركيا نحو 4000 شركة رسمية أنشأها السوريون، بينما يبلغ عددها اليوم 6 آلاف شركة، منها 760 شركة أسست في الأشهر السبعة الأولى من عام 2017، وألفا شركة ستؤسس بحلول نهاية العام. وتتراوح تقديرات إجمالي الشركات (أو المصانع) السورية، بما في ذلك الشركات غير الرسمية، من 10.000 إلى أكثر من 20.000. واعتبارا من عام 2013، استحوذت الشركات السورية على ارتفاع بنسبة 25 في المئة من الشركات الأجنبية المسجلة في تركيا، حيث شكلت الشركات السورية حوالي 10 في المئة من بين أكثر من 60 ألف شركة أنشئت سنويا في تركيا. ويظهر وجود هذه الشركات بوضوح في المناطق التركية المتاخمة للحدود السورية، حيث تبرز أهميتها.

وتشير هذه الأرقام إلى قصة ريادة الأعمال وتنامي الاندماج، حتى في وجود تصور أن السوريين ينافسون الأتراك على الوظائف المحلية، ويتسببون في ارتفاع الإيجارات، ويسهمون في زيادة معدلات الجرائم. هذه التصورات ليست مفاجئة نظرا لأن تركيا تضيف أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري، أي ما يمثل 3.6 في المئة من السكان. وقد فضحت بيانات الشرطة عن الجرائم زيف تصور أن السوريين يرفعون معدل الجريمة، ولكن السوريين، وخاصة في المقاطعات الحدودية، يتنافسون مع الأتراك في وظائف غير رسمية لا تتطلب مهارات ويحركون الإيجارات. على أن تدفق اللاجئين أدى أيضا إلى زيادة النمو الإجمالي مع زيادة الأجور في بعض القطاعات. ما هو واضح هو أن اللاجئين سيبقون في تركيا لفترة طويلة، فالعودة إلى سوريا في ظل القتال الدائر هناك ليست خيارا قريبا، وقد أغلقت الصفقة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا الطريق إلى أوروبا.

وكلما ازدادت البيانات والتحليلات التي تعرض للشركات السورية في تركيا، أصبح تأثيرها الإيجابي على اللاجئين والمجتمعات المضيفة أكثر وضوحا. وهناك جانب آخر للمسألة، حيث يشير تقييم سوقي للمؤسسات السورية الصغيرة والمتوسطة في تركيا أجرته مؤسسة بناء الأسواق (Building Markets) وشريكها المنتدى الاقتصادي السوري (Syria Economic Forum) إلى أن الشركات السورية تستخدم في المتوسط ​​9.4 شخصا - من الأتراك والسوريين - وأن 55 في المئة منها تخطط لاستئجار ثمانية أشخاص في المتوسط ​​خلال العام المقبل. كما أن أصحاب الأعمال السوريين يتلقون تعليما جيدا، و67٪ منهم يتلقون تعليما عاليا ويلتزمون بخطة تركيا بنسبة 39٪ لبدء نشاط تجاري آخر، وهناك 76٪ يعتزمون مواصلة أعمالهم بعد الحرب مع التوسع في سوريا وخارجها، بينما يرى 39 في المئة أن التجارة الإقليمية هي الفرصة الأساسية في تركيا تليها 23 في المئة لكل من  خدمة اللاجئين السوريين أو السوق التركية.

بدأ النقاش يتجاوز مسألة استيعاب السوريين بوصفهم ضيوفا مؤقتين إلى الاعتراف بوجودهم على المدى الطويل وفتح الفرص لكسب الرزق، والحيلولة دون نمو طبقة دنيا من السكان المعرضين للإجرام والتطرف. هناك عناصر تثير القلق عن ظهور أحياء مغلقة أو غيتوات تذكرنا بأوروبا وبعض مجتمعات المهاجرين فيها. وتشكل التوترات الطائفية، مع وقوع حوادث معزولة، مصدرا آخر للقلق. ولهذا  يدعو إرول يايبوك من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إلى "التحول من الدعم الإنساني على المدى القصير إلى جهود التنسيق على المدى الطويل". وبالمثل، دعا تيمور كايماز وعمر كاديكوي من مؤسسة أبحاث السياسات الاقتصادية في تركيا (TEPAV) إلى "سياسات تهدف إلى تحقيق التكامل المستدام والدائم... والتحول من إطار سياسة تركيا التي تضيف السوريين إلى سياسة أخرى يكسب فيها السوريون رزقهم".

لن تكون هذه السياسة سهلة في ظل الاستقطاب الذي تشهده السياسة التركية حول قضية اللاجئين... وفي حين أن الأتراك رحبوا عموما باللاجئين، فإن الدراسات الاستقصائية لا تظهر إلا القليل من منح الجنسية. إن تدابير دعم الأعمال التجارية السوریة والمجتمعات المضيفة ھي بالتحديد التدابير التي ستولد الوظائف والخدمات لإثبات أن الوجود السوري یمکن أن یکون مفيدا بدلا من أن یکون مسؤولية.

ويتطلب ذلك تقديم حوافز لإنشاء الشركات وإضفاء الصبغة الرسمية عليها، فضلا عن توجيه الدعم، وإقامة روابط مع الجامعات وغيرها من مصادر الخبرة. وستكون هناك حاجة أيضا إلى تدابير لتيسير الحصول على التمويل، وإلى بذل مزيد من الجهود لتعليم اللغة التركية. وهذا يعني أيضا اتخاذ  تدابير لتخفيف متطلبات الإقامة، إذا تعرض أصحاب المشاريع للخطر على عملهم ورأس مالهم بالبدء في سداد الضرائب.

وتقدمت مؤسسة أبحاث السياسات الاقتصادية في تركيا (TEPAV) مع اتحاد الغرف والتبادلات السلعية في تركيا (TOBB) باقتراح بعنوان "العيش والعمل معا: إدماج السوريين في الاقتصاد التركي من خلال الدوائر المحلية" ويستهدف 12 ولاية مع أكبر عدد من السكان السوريين. ويتضمن المقترح تحليلا اقتصاديا وقطاعيا، وبناء قدرات الغرف المحلية، واختبار المهارات والتأهيل للسوريين، والتوفيق مع الشركات، ودورات اللغة التركية. ولدى الدوائر المحلية في المقاطعات الحدودية أيضا برامج للسوريين، بما في ذلك غرفة غازي عنتاب التي تشترك مع البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير في برنامج مساعدة أصحاب المشاريع المحليين والسوريين. ولدى المنظمة الدولية للهجرة برنامج لدعم المشاريع الصغيرة السورية في المحافظات الحدودية. هناك آخرون، بما في ذلك جمعية رجال الأعمال السوريين والمنتدى الاقتصادي السوري الذي درب 2500 من منظمي المشاريع السوريين. وقد وسع بنك الاستثمار الأوروبي برنامجا لضمانات قروض المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والضمانات المضادة لرواد الأعمال السوريين.

إن دعم الأعداد المتزايدة من منظمي المشاريع السوريين سيعزز إدماج اللاجئين بوصفهم أعضاء مساهمين في المجتمع ويساعد على تقليل التوترات. ويتعين على المانحين الأجانب إيلاء مزيد من الاهتمام لهذا الأمر، وسيحتاجون إلى جهود متضافرة مستمرة من جانب صانعي القرار في الحكومة التركية والقطاع الخاص. وقال جونيش أشيك من جامعة  الاقتصاد والتكنولوجيا التركية إن "السياسات الجديدة يمكن أن يكون لها تأثير خاص في جيل الشباب من اللاجئين، ومعظمهم ثنائي اللغة ولديهم مصلحة قوية في خلق حياة جديدة لأنفسهم في تركيا".

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس