فاروق كايماكجي - موقع بوليتيكو - ترجمة وتحرير ترك برس 

أصبحت الكارثة الإنسانية التي اجتاحت أوروبا في صيف عام 2015، عندما هرب مئات الآلاف من الحرب في سوريا والصراعات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الآن تحت السيطرة، وذلك بفضل تضامن تركيا. ولكن ما يزال الاتحاد الأوروبي وتركيا يواجهان ضغوطا كبيرة، فقد أدى النزاع السوري وحده إلى تشريد ما يقرب من 5 ملايين شخص. وفي أوروبا، طغت الأزمة على بلدانها الواقعة في أقصى الجنوب، وهددت أحد مبادئها الأساسية: حرية التنقل.

وقد غطت تقارير وسائل الإعلام المصاعب التي يواجهها السوريون الذين لجؤوا إلى البلدان المجاورة بما في ذلك تركيا. لكن العبء الهائل الذي تتحمله تركيا عن الجناح الجنوبي لأوروبا لا يجب أن يمر دون أن يلاحظه أحد.

تركت تركيا حدودها مفتوحة أمام الفارين من حمامات الدم والاضطرابات. واستقبلت 3.2 مليون سوري و300 ألف عراقي وأفغاني، دون تمييز على أساس دينهم أو طائفتهم أو جنسهم أو أصلهم العرقي، مما جعلها واحدة من أكبر البلدان المستضيفة للاجئين في العالم. وقد أنفقت تركيا حتى الآن ما يقرب من 30 مليار دولار - 3.5 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي - لدعم اللاجئين الذين يعيشون داخل حدودها ومساعدتهم على الاندماج اجتماعيا واقتصاديا. يخضع معظم اللاجئين في تركيا المقدر عددهم بـ3.5 مليون شخصًا للحماية المؤقتة ويعيشون في مراكز الحماية المؤقتة بسلام جنبا إلى جنب مع السكان الأتراك.

وتشمل سياسة الحماية الإنسانية المؤقتة التي تتبناها تركيا تجاه السوريين دورات لغوية، والتعليم والتدريب المهني. كما أنها تضمن دخولهم سوق العمل التركية ومنحهم خدمات صحية مجانية. ومنذ كانون الثاني/ يناير 2016، أصدرت الحكومة التركية تصاريح عمل لـ22 ألفًا و600 سوري. ومن بين الأطفال السوريين الذين يعيشون في تركيا والبالغ عددهم قرابة 835 ألف طفل، هناك نحو 508 آلاف طفل مسجلين حاليا في التعليم الابتدائي والثانوي.

ومن الإنصاف القول إنه، بالمقارنة مع الجهود الكبيرة التي تبذلها تركيا، كان المجتمع الدولي أكثر عزوفا عن تقاسم العبء، إذ تبلغ مساهمة المجتمع الدولي - فيما عدا الاتحاد الأوروبي - للسوريين في تركيا منذ بداية الصراع السوري 526 مليون دولار. وفي الوقت نفسه، لم ينفق الاتحاد الأوروبي حتى الآن سوى 838 مليون يورو من 3 مليارات يورو تعهد بها في البداية لتركيا. ويمثل هذا المبلغ 0.02 في المائة فقط من إجمالي الناتج المحلي للاتحاد الأوروبي. والأهم من ذلك أن هذه الأموال لا تمنح للحكومة التركية، بل تمنح مباشرة إلى السوريين المحتاجين، ويتم ذلك تحت رعاية المنظمات غير الحكومية الأوروبية ووكالات المعونة.

وفي مارس/ آذار أكد الاتحاد الأوروبي وتركيا من جديد التزامهما بالتعاون على إدارة أزمة الهجرة التي كانت أحد الأهداف الرئيسية في علاقاتنا الثنائية. وكما قال الرئيس رجب طيب أردوغان، إن تركيا مصممة على الوفاء بالتزاماتها.

إن التعاون بين الاتحاد الأوروبي وتركيا تعاون فعال، وكما أشار رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، في خطابه عن حالة الاتحاد، انخفض عدد الوافدين الجدد القادمين إلى أوروبا عبر تركيا بنسبة 97 في المئة خلال العام الماضي. ولولا تركيا لشهد الاتحاد الأوروبي وصول حوالي 1.5 مليون مهاجر هذا العام. وقد ثبت أن هذا النموذج يتسم بالكفاءة بحيث تناقش الكتلة الأوروبية كيفية تكراره مع بلدان أخرى للحد من تدفقات الهجرة غير النظامية في وسط البحر المتوسط.

على أن العلاقة لا يمكن أن تكون في اتجاه واحد. وتتوقع تركيا من الاتحاد الأوروبي أن يفي في النهاية بالتزاماته في اتفاقية اللاجئين. ونتوقع أن يسرع الاتحاد الأوروبي في تخصيص وإنفاق المبلغ المتبقي المتعهد به كجزء من الحزمة الأولية البالغة ثلاثة مليارات يورو. كما يجب على الاتحاد الأوروبي ألا ينسى التزامه بوضع خطة طوعية للقبول الإنساني لإعطاء اللاجئين السوريين طريقا قانونية وكريمة إلى أوروبا ويسمح للكتلة الأوروبية بتحسين إدارة الهجرة.

لقد بذلت تركيا جهودا كبيرة لمساعدة أوروبا على إدارة تدفقات الهجرة، على الرغم من أن محاولة الانقلاب في العام الماضي عطلت بشكل جزئي آلية عمل دولتنا. ولا يمكن للكتلة الأوروبية أن تظل غير مبالية بالأعباء التي تحملتها تركيا.

إن تركيا ملتزمة بنهجها الإنساني تجاه الأزمة السورية، وإن استعدادنا للمشاركة في العبء الثقيل دليل على أننا، بوصفنا بلدا مرشحا لعضوية الاتحاد الأوروبي، نعتمد حقا القيم العالمية التي تجعلنا أوروبيين. وبمساعدتها على وقف تدفقات الهجرة، أثبتت تركيا أنها شريك موثوق به في أوقات الأزمات في أوروبا. كما يجب على الاتحاد الأوروبي أن يؤدي نصيبه في الاتفاقية.

عن الكاتب

فاروق كايماكجي

السفير التركي لدى الاتحاد الأوروبي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس