د. محمد عزيز عبد الحسن - خاص ترك برس

الأهمية الجيوستراتيجية لمعبر فيشخابور

يقع معبر فيشخابور على نهر دجلة، نحو 50كم غرب مدينة دهوك، ضمن حدود إقليم شمال العراق. أنشئ في العام 1991 وكان يربط طرفي الحدود العراقية السورية بواسطة الزوارق، وهو المنفذ الوحيد الذي يربط إقليم شمال العراق بسوريا.

ومعبر فيشخابور الحدودي مع سوريا غير معتمد رسميًا من الحكومة  العراقية ونظام بشار الاسد، ويقع في محافظة دهوك شمالي العراق على نهر دجلة، قرب المثلث الحدودي  العراقي التركي السوري.

ويستخدم المعبر لتنقل الأشخاص بدرجة أساسية بين العراق وسوريا، فضلا عن نقل بضائع محدودة، وتسيطر عليه حاليًا من الجانب العراقي البيشمركة ومن الجانب السوري حزب الاتحاد الديمقراطي الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني. وبعد العام 2003 تراجع العمل في المعبر بسبب تنشيط  معبر ربيعة.

وحدات حماية الشعب الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي تنشئ جسرا عسكريا على معبر فيشخابور يربط بين الجانبين العراقي والسوري

أعلن المتحدث باسم  المجلس الوطني الكردي السوري شلال كدو  الثلاثاء 5 شباط/ فبراير 2013 عن افتتاح معبر فيشخابور الحدودي بين سوريا وإقليم شمال العراق لتنشيط الحركة الاقتصادية للمناطق الكردية السورية، عن طريق وضع جسر عسكري مؤقت لربط طرفي نهر دجلة لتسهيل عمليات نقل البضائع بين الجانبين، وجعل النقطة الحدودية (بيشخابور ــ سيمالكا) معبراً تجاريا بين سوريا وإقليم شمال العراق، وأن الموارد المالية للمعبر ستحول إلى حساب الهيئة الكردية العليا التي تقود الحراك الكردي في المدن السورية وهي الجهة الشرعية والمسؤولة عن المعبر في الجانب السوري.

معبر فيشخابور أحد البدائل الاستراتيجية لنقل نفط دير الزور

على الرغم من سيطرة الأكراد على ثلث النفط في سوريا، إلا أن العقبات اللوجستية والدبلوماسية الحالية تمنعهم من تصديره عبر تركيا ، لذلك وضعت قسد عدة بدائل استراتيجية لنقل وبيع النفط السوري في دير الزور وخاصة من حقول العمر والسويدية وكونوكو.

من هذه البدائل بانياس إذا أعيد فتح خط الأنابيب الرئيس إلى المحطة الساحلية السورية بانياس، قد تتمكن  الإدارة الذاتية الكردية السورية من بيع النفط الذي استولت عليه في حقول العمر والسويدية وكونوكو لنظام بشار الأسد. ودمشق سترضى بالتأكيد بدفع ثمن النفط لقسد. مثلما فعلت مع داعش سابقا. 

ولذلك لاعتبارين:

- الحصول على الغاز بأي ثمن من حقول سوريا الشرقية، من أجل تخفيف النقص الحاد في الطاقة.

- وجود محطة تي 2  السورية سيسهم في تسهيل نقل نفط دير الزور إلى ميناء طرطوس. والبديل الاستراتيجي الامثل  لنقل نفط قسد سيكون عبر خط الأنبوب الكردستاني الجديد في إقليم شمال العراق مع وجود أنبوب نفطي قرب معبر فيشخابور قرب المثلث الحدودي العراقي السوري التركي.

قسد: معبر فيشخابور أتاح لنا بديلا استراتيجيا لربط حقول رميلان وكراتشوك بالأراضي السورية مع حقول الصية العراقية وتصديره للخارج

تكمن أهمية معبر فيشخابور بوجود خط لنقل نفط قسد من سوريا إلى العراق عبر ميناء جيهان التركي. إذ بعد سيطرت قوات البيشمركة في إقليم شمال العراق على خط أنابيب النفط الممتد من محافظة كركوك مرورا بالموصل  في محافظة نينوى شمال العراق  في أعقاب الفوضى التي تبعت الهجوم لتنظيم داعش في عام 2014، ونهاية عام 2013  أقدمت حكومة الإقليم على مد خط مواز إلى نقطة الالتقاء في منطقة فيشخابور مرورا بأربيل ودهوك قطعت بموجبه الأنبوب الممتد  من كركوك منذ الثمانينيات وربطت الخط الجديد بالأنبوب العراقي الذي تمر عبره جميع  الصادرات العراقية النفطية الشمالية إلى ميناء جيهان التركي.

وهذه الحقيقة الميدانية ربما تفسر الأسباب الحقيقية لإصرار البيشمركة وقسد وحزب العمال الكردستاني بالدفاع عن مناطق  شمال زمار  وربيعة، لوجود أنبوب نفط تم إنشاؤه بعد ضرب الطائرات الروسية لصهاريج تهريب النفط من سوريا والعراق، ويربط حقول  رميلان وكراتشوك بالأراضي السورية مع حقول الصية العراقية التي يتم من خلالها نقل النفط الخام من تلك الحقول  إلى حقل الصية العراقي وتصديره كجزء  من النفط العراقي بعد شرائه من قسد وحزب العمال الكردستاني.  

عشرة مليون دولار شهريا عائدات تصدير نفط الادارة الذاتية الكردية السورية عبر ربط حقول  رميلان وكراتشوك بالأراضي السورية مع حقول الصية العراقية

تصدر الإدارة الذاتية الكردية السورية نفطها من مصفى رميلان منذ مدة عام 2013، باستخدام أنبوب نفطي بناه سابقا نظام بشار الأسد، لينقله إلى مصفى عليوكا قرب قرية المحمودية التابعة لناحية ربيعة في (جنوبي إقليم شمال العراق)، وإلى زمار، ومنها إلى فيشخابور، ثم إلى ميناء جيهان التركي، وإن عائدات تصدير ذلك النفط تتجاوز عشرة ملايين دولار
وفتحت عملية استعادة قوات البيشمركة السيطرة على منطقتي زمار وربيعة الواقعتين على حدود سوريا بابا واسعا أمام حزب الاتحاد الديمقراطي PYD المتواجد في شمال سوريا، مما فسح له المجال بتصدير النفط الخاضع لنفوذه إلى الخارج.

قسد والسباق على حقول النفط السورية

سيطرت قوات حزب "الاتحاد الديمقراطي" تحت مظلة "قوات سوريا الديمقراطية" على حقل "العمر" النفطي بعد مواجهات مع تنظيم داعش في ريف دير الزور الشرقي.

ضمن السباق العسكري بين التحالف الدولي والحلف الروسي للسيطرة على حقول النفط شرق سوريا و"قوات سوريا الديمقراطية" دخلت حقل "العمر" النفطي قادمة من جهة معمل غاز "كونوكو" بحقل "الطابية" وحقل "الجفرة" غرب نهر "الخابور".

وسيطرة قسد على حقل "العمر" النفطي بعد سيطرتها على قرية "ذيبان" المقابلة لمدينة "الميادين" على الضفة الشرقية لنهر الفرات، إذ يوجد حقل "صبان" أحد حقول العمر. وحقل "العمر" النفطي أكبر حقول النفط في سوريا مساحة وإنتاجا ويقع على الضفة الشرقية لنهر الفرات على بعد حوالي 10 كم شرق مدينة "الميادين".

وفي السابق سيطر الجيش الحر على الحقل في تشرين الثاني/ نوفمبر 2013 ثم سيطر تنظيم داعش على الحقل عام 2014 
واليوم تسيطر قوات "سوريا الديمقراطية" على الحقل بعد سباق مع قوات نظام بشار الأسد  والفصائل الشيعية الموالية له وفي مقدمتها حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني .

وتشهد دير الزور سباقاً عسكريا بين التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة وبين الحلف الروسي للسيطرة مناطق سيطرة تنظيم داعش على اعتبار أن المحافظة تحوي حقول نفطية عدة أهمها "العمر" "الجفرة" و"الطابية" و"التيم" و"الورد" و"الخراطة.

حزب الاتحاد الديمقراطي يبحث عن بدائل لتهريب نفطه؟
   
من تهريب النفط بواسطة الصهاريج الى البحث عن بدائل لنقله عبر معبر فيشخابور 
وكانت آلية نقله تتم عبر أنبوب نفطي بقطر 10 إنش وطوله تسع كيلومترات من مصفى رميلان في سوريا إلى مصفى صوفية (عليوكا)، علما أن الحكومة العراقية وحتى عام 2003 كانت تصدر عبر ذلك الأنبوب يوميا 17 ألف برميل نفط من مصفاة صوفية وعين زالة إلى سوريا، لكي تقوم الحكومة السورية بتوفير الكهرباء في تلك المناطق الحدودية، لكن عملية التصدير توقفت بعد 2003.

وكانت عملية تصدير النفط تتم بواسطة وسطاء ومستثمرين أجانب ولذلك حرص حزب الاتحاد الديمقراطي على عدم توقيع أي اتفاق باسمهم، بل تولى هؤلاء الوسطاء تسليم هذا الحزب  شهريا المبالغ بشكل نقدي. وتبلغ كمية النفط المصدر من شرق سوريا، "حوالي 20 ألف برميل نفطي يتم تصديرها إلى حقل صوفية، ومنه تنقل بواسطة صهاريج 
إلى مصافي إقليم شمال العراق.

وإن "نفط سوريا" يباع بسعر أقل من الأسواق العالمية لأنهم لا بديل آخر لديهم لبيع النفط اليه، بحيث أن سعر البرميل الواحد من النفط يتراوح بين 10 – 15 دولارا أمريكا.

ووفقا لتقارير خبراء الطاقة الأمريكيين ، فإن حزب الاتحاد الديمقراطي يحصل شهريا على 10 ملايين دولار من عائدات بيع ذلك النفط عبر انبوب النفط في فيشخابور.

 وهذا أكبر عائد يدخل لحزب الاتحاد الديمقراطي شهريا مما ساعده في تأمين رواتب مقاتليه في سوريا.

قسد تضغط على واشنطن لمنع تسليم معبر فيشخابور الحدودي للحكومة المركزية العراقية، وإذا أخفقت واشنطن فإن قسد مستعدة للقتال وتقديم التضحيات لمنع تسليمه.

كشف تقرير لمجلة فورن بوليسي في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 بأن سيطرة الحكومة المركزية العراقية على معبر فيشخابور سوف يؤدي إلى التداعيات الاتية :

أولا: الإضرار بالعلاقات الأمريكية مع قسد. لأن معبر فيشخابور يمثل الرئة الاقتصادية والمالية لقسد باعتباره يمثل البديل الأمثل لتصدير نفط قسد من حقول دير الزور عبر الأنبوب النفطي المتواجد به.

ثانيا: سيطرة الحكومة المركزية العراقية على معبر فيشخابور تعني عمليا وليس افتراضيا استهداف خط الإمدادت البري لحركة تنقل مقاتلي قسد بين سوريا والعراق من جهة 
وقطع إيرادات مالية ناجمة عن إيقاف تصدير قسد نفطها عبر هذا المعبر غير المعترف به لا من الجانبين السوري والعراقي من جهة أخرى.

ثالثا: سيطرة الحكومة المركزية العراقية على معبر حدودي رئيسي مثل فيشخابور يؤكد على عزم الحكومة الاتحادية لعودة الإقليم إلى حدود عام 1991.

رابعا: إن السيطرة العراقية على معبر فيشخابور وخط أنابيب النفط هناك تشكل تهديدا خطيرا للحكم الذاتي الكردي السوري والعراقي، فبدون المليارات من الدولارات الناتجة عن تصدير النفط  السوري والعراقي (المهرب من الحقول السورية والعراقية.

من خلال هذا الخط، فإن الإدارة الذاتية الكردية السورية والعراقية  لا يمكن أن تقف على قدميها. الأمر الذي جعل حكومة إقليم شمال العراق ترفض الانسحاب من هذه المناطق وكالآتي : 

قرى شمال ربيعة حتى النهر وتشمل المحمودية ومنطقة السعودية واصفية وكافة حقول النفط والوليد وأم الربيعين واسحيلة وماسكة وكلهى                                              
وكافة القرى والقصبات والوحدات الإدارية من الجزرونية والبردية وحتى النهر ولغاية جسر سحيلة.

- الطريق الحدودي من مخفر النهر حتى منفذ ربيعة الحدودي
قاطع مسؤولية فق 16 قضاء مخمور بإتجاه فلكة ديبكه.

- من فلكة ديبكه بإتجاه جسر الكوير ثم المناطث التالية (الحاصودية - شنف - صفية - تل اللبن - وحتى جسر الخازر).
 ثم من جسر الخازر الى سيطرة الإقامة الحالية على مشارف تلول مدينة كلك ومن منطقة الكوير إلى قرى (الهوبرة - تل بعرور(.

- بعشيقة جبل مقلوب إلى سيطرة بردرش (المدينة خارج
. تلكيف ومناطقها بطانيا - تل اسقف - القوش.

-  الشيخان إلى التلول الواقعة شمال المدينة.

- طريق دهوك - الموصل من معمل الأدوية إلى سد الموصل بإتجاه البدرية - دوميز- ناحية فايدة.

وإذا استطاعت الحكومة المركزية العراقية فرض سيطرتها على معبر فيشخابور وهذه المناطق أعلاه، والتي يرفض إقليم شمال العراق التنازل عنها  
فإنها تكون قد حققت منفعة مزدوجة لكل من سوريا وتركيا وإيران بإنهاء ملف الانفصال والقضاء نهائيا على فكرة إقامة كيان كردي على حدود هذه الدول .

بمعنى أدق إن "الحكومة المركزية العراقية تحاول من خلال إصرارها على السيطرة على معبر فيشخابور تحقيق عدة اهداف استراتيجية أبرزها الآتي :

أولا : إضعاف الركائز العسكرية والاقتصادية للحكم الذاتي الكردي لقسد ولإقليم شمال العراق عبر حرمانهما من عائدات مالية تقدر بملايين الدولارات شهريا والناجمة عن بيع النفط خارج صلاحية الحكومة الاتحادية العراقية.

ثانيا: إحكام سيطرة الحكومة المركزية على مسألة تصدير النفط العراقي للخارج.

ثالثا: التقارب التركي العراقي الأخير سوف يجعل من تركيا تفضل التعاون مع حكومة العبادي على حكومة إقليم شمال العراق لأنها تبحث عن أمنها القومي وضمان مصالحها التجارية والاقتصادية مع العراق
 لذلك يؤكد خبراء أن تركيا استثمرت تداعيات الاستفتاء الأخيرة في إقليم شمال العراق  للتقارب مع العراق وأنها تخلت رسميا عن حليف استراتيجي يتمثل بالسيد مسعود البرزاني، وأن عقارب الساعة في العلاقات التركية مع الإقليم لن تعود إلى ما قبل الاستفتاء والذي جرى في 25 / 9 / 2017 لأنه مع سيطرة الحكومة المركزية  العراقية على  معبر فيشخابور وجميع البنية التحتية النفطية هناك،  يعطي لحكومة العبادي القدرة على إغلاق الصادرات من الحقول النفطية  الكردية في الشمال الامر الذي يمنح الحکومة نفوذا ھاما في مفاوضات الموازنة المستقبلیة مع الاقليم والتي ربما تصل لنسبة 12% بدل 17%  وقد یسمح لھا بإجبار حکومة إقلیم شمال العراق علی العودة ليس  إلی اتفاقیة جدیدة لتقاسم الإیرادات مثلما كان في السابق بل الى اخذ موازنة مالية من الحكومة الاتحادية تشمل ثلاثة محافظات (اربيل ودهوك والسليمانية).

 وأن سيطرة  الحكومة الاتحادية العراقية على  معبر فيشخابور وبقية المنافذ والمعابر الحدودية سوف يكون في صالح تقدم العلاقات العراقية التركية 
خاصة وان رجل الدولة الرئيس التركي  رجب طيب اردوغان قد اخذ تعهدا من حكومة العبادي بضرورة انهاء ملف تواجد قوات حزب العمال الكردستاني على الاراضي العراقية.

خاصة طريق امدادات حزب العمال الكردستاني  البري الذي يمتد من شنكال سنجار سليمانية رانيا قنديل  والاكثر من ذلك التقارب التركي العراقي الاخير سوف يعطي للقوات المسلحة  التركية ميزتين :

اولا: عدم انسحاب القوات التركية المتواجدة في بعشيقة.

ثانيا : الحق بقيام بعمليات عسكرية داخل الاراضي العراقية لمقاتلة حزب العمال الكردستاني  او استهداف مقراته بضربات جوية محددة في حالة تاخر الحكومة العراقية بانهاء هذا الملف.

وهذا التقارب سيجعل تركيا تتراجع عن كل اتفاقياتها النفطية السابقة مع اقليم شمال العراق من خلال تشديدها على ان يكون ملف تصدير النفط الكردي عبر ميناء جيهان مرهون بقرار الحكومة المركزية العراقية حصرا وليس بقرار الاقليم مثلما كان سابقا.

عن الكاتب

د. محمد عزيز البياتي

أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي في كلية العلوم السياسية بجامعة بغداد


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس