سالم بن مبارك آل شافي - صباح

في العامين الماضيين، خضعت العلاقة بين قطر وتركيا الى اختبارَيْن جَدِّيَيْن وحقيقيّين، الأوّل يتعلق بالمحاولة الانقلابية الفاشلة التي جرت في تركيا في يوليو من عام 2016، والثاني بعد أقل من عام واحد فقط، ويتمثّل في الأزمة الخليجية المفتعلة مع قطر، والحصار الغاشم الذي تمّ فرضه علينا من قبل دول الحصار الأربع. لكن وبسبب علاقاتنا المتينة المبنية على أسس صلبة، استطعنا في قطر وتركيا تجاوز الصعوبات والتحديات، ومواصلة مسارنا المشترك بنجاح.

خلال السنوات القليلة الماضية، شهدت العلاقات الأخوية بين قطر وتركيا تطوراً ملحوظاً وسريعاً في مختلف المجالات. وقد ساهم التوافق في الرؤى والتناغم في السياسات الإقليمية بين البلدين في تحقيق قفزة نوعيّة في العلاقة الثنائية لاسيما على المستوى السياسي.

وبفضل رؤية كل من حضرة صاحب السمو، أمير البلاد المفدى (حفظه الله)، وفخامة رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان، تمّ في عام 2014 وضع الأسس اللازمة لإنشاء علاقات إستراتيجية ومستدامة من خلال تأسيس اللجنة الإستراتيجية العليا.

ونتيجة للجهود المشتركة لمسؤولي بلدينا، وقّعنا خلال السنوات الثلاث الماضية على ما يزيد عن 40 إتفاقية ومذكرة تفاهم في السياسة والاقتصاد والأمن والثقافة والسياحة والتعليم والصحّة والإعلام وعدد آخر من القطاعات، وذلك بما يخدم مصلحة شعبي البلدين الشقيقين.

في العامين الماضيين، خضعت العلاقة بين قطر وتركيا الى اختبارَيْن جَدِّيَيْن وحقيقيّين، الأوّل يتعلق بالمحاولة الانقلابية الفاشلة التي جرت في تركيا في يوليو من عام 2016، والثاني بعد أقل من عام واحد فقط، ويتمثّل في الأزمة الخليجية المفتعلة مع قطر، والحصار الغاشم الذي تمّ فرضه علينا من قبل دول الحصار الأربعة. لكن وبسبب علاقاتنا المتينة المبنية على أسس صلبة، استطعنا في قطر وتركيا تجاوز الصعوبات والتحديات، ومواصلة مسارنا المشترك بنجاح.

الاقتصاد يعتبر من الملفات الهامّة والأساسية بالنسبة الى بلدينا. قبل حوالي 13 عاماً تقريباً، كان حجم التبادل التجاري بين قطر وتركيا يساوي حوالي 26 مليون دولار فقط لا غير، بينما وصل في عام 2016 الى حوالي 835 مليون دولار. هذا يعني أنّنا ضاعفنا حجم التبادل التجاري حوالي 35 مرّة خلال أقل من عقدين فقط.

وبالرغم من هذا الإنجاز الذي حقّقناه خلال فترة وجيزة نسبياً، إلاّ أنّنا نسعى بجهد الى الارتقاء بالعلاقات الاقتصادية بما يعكس التميّز في العلاقات الثنائية بين البلدين. نطمح الى أن نرفع حجم التبادل التجاري بين قطر وتركيا مستقبلاً الى 3 مليارات دولار في المرحلة الأولى، ومن ثمّ الى 5 مليارات دولار لاحقاً. ندرك ان مثل هذا الهدف طموح، لكنّه ليس مستحيلاً إذا ما عمل الطرفان بجهد أكبر، خاصّة انّ هناك فرصة متاحة الآن لتحقيق هذا الأمر.

نعتقد أنّ الازمة الخليجية الأخيرة ساعدت على تسريع العمل بهذا الاتجاه، إذ ارتفعت الصادرات التركيّة الى قطر في شهر أغسطس الماضي بنسبة 51%، بينما بلغ حجم التبادل التجاري خلال النصف الأول من عام 2017 حوالي 600 مليون دولار. هذا يعني انّ حجم التبادل التجاري النهائي بين بلدينا لعام 2017 سيشهد ارتفاعاً إضافياً مقارنة بأرقام العام 2016.

لقد ساعد التدفّق السريع للسلع والبضائع التركية الى قطر خلال الأشهر الثمانية الماضية على كسر الحصار الذي فرضته بضع دول علينا، وقد استطعنا من خلال التعاون القطري-التركي الوثيق تحويل هذا التحدّي الى فرصةٍ ثمينة. نُؤمِنْ بأنّه من الضروري البناء على ما تقدّم من أجل ترسيخ شراكات واتفاقات طويلة الاجل، لاسيما أنّ بلدينا يتمتّعان بقدرات اقتصادية كامنة تؤهّلها لتحقيق تكامل اقتصادي عالي المستوى.

فيما يتعلق بالجانب الاستثماري، فقد قفزت الاستثمارات المتبادلة بيننا بشكل كبير خلال العقد الماضي، وبلغ حجم استثمارنا المباشر في تركيا منذ يوليو 2002 وحتى يوليو 2017 حوالي 1.5 مليار دولار. لدينا اليوم حوالي 121 شركة قطرية تعمل في تركيا في قطاعات مختلفة كالبنية التحتية والصناعة والمصارف وتكنولوجيا الاتصالات والإعلام.

في المقابل هناك حوالي 186 شركة تركية-قطرية تعمل في الدوحة، وتتركّز أنشطتها في قطاعات البنية التحتية والمقاولات والإنشاءات والاستشارات الهندسية والتجارة، كما يزيد حجم المشروعات التي تقوم شركات تركية بتنفيذها في قطر على 11.6 مليار دولار.

بعد ان قمنا بإلغاء التأشيرات، أصبحت حريّة الحركة بالنسبة الى المستثمرين الأتراك والقطريين في القطاعين العام والخاص أكبر، وأصبح بالإمكان تشخيص الفرص المناسبة ومعاينتها بشكل مباشر وكذلك متابعة الاستثمارات الخاصة بشكل سهل ودون أي عقبات.

وبالرغم من ذلك، نؤمن أنّ هناك حاجة أيضاً الى دفع القطاع الخاص في البلدين لتوسيع نطاق مبادراته الذاتية وشراكاته مع القطاع العام، ولذلك نعمل على مساعدته من خلال تحريره من القيود البيروقراطيّة التي قد تحد او تعرقل من نشاطه، ومنفتحون دوماً على الاستماع الى ما لدى القطاع الخاص من مقترحات قد تساعد على تحقيق الهدف النهائي للبلدين.

في هذا السياق، يمكن القول أنّ مبادرة السوق الإلكتروني التي تمّ إطلاقها مؤخراً بالتعاون بين الشركة القطرية للخدمات البريدية ومؤسسة البريد التركية PTT، من المبادرات المبتكرة التي تساهم في المحصّلة في تحقيق الرؤية بعيدة المدى التي نتحدث عنها.

ستتيح السوق الإلكترونية الكثير من المنتجات التركية للمستهلك القطري بأقل كلفة وأسرع وقت ممكن، كما ستشجّع المنتجين على اعتماد وسائل حديثة ومتطورة لتسويق سلعهم وزيادة إنتاجهم من خلال التجارة الإلكترونية.

هناك حاجة أيضاً الى تسهيل ودعم اللقاءات الدورية بين رجال الأعمال من البلدين بما يساعد على تعزيز الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية القطرية-التركية. ولعلّ معرض إكسبو تركيا في الدوحة يشكّل أحد المبادرات الهامة في هذا المجال، ونأمل أن يشكّل حافزاً لخلق المزيد من الفرص الاقتصادية مستقبلاً.

أختم بالقول إنّنا متفائلون جداً بمستقبل العلاقات الاقتصادية بين البلدين ونعمل بجهد وإخلاص من اجل ان تتوافق نتائج جهودنا مع تطلعات وآمال شعبي البلدين.

عن الكاتب

سالم بن مبارك آل شافي

السفير القطري لدى تركيا


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس