جو حمّورة - خاص ترك برس

مع إعلانه ترؤس جلسة مجلس الوزراء التركي في التاسع عشر من كانون الثاني، سيعيد رجب طيب أردوغان لموقع رئاسة الدولة صلاحيات كانت قد افتقدتها منذ عقود. كما أنّه سيحيي، بالفعل ذاته، ثنائية رئيس الجمهورية – رئيس الحكومة في النظام السياسي التركي.

لم يأتِ هذا الاعلان من عدم، إنما بسبب سلسلة من الإنجازات حققها حزب "العدالة والتنمية" بقيادة رئيسيه، السابق والحالي، منذ 12 عاماً. كما بسبب الانتصارات الانتخابية التي حققها أردوغان خلال العام 2014، والتي مكنته وحزبه السابق من الإمساك بزمام السلطة بشكل أكبر، أكان في رئاسة الدولة أو في الحكومة والسلطات البلدية. هذا في العام السابق، أما العام الحالي، فلا يبدو أنه سيشهد تطورات أقل إثارة، وهي تطورات لخّصها أردوغان في خطاب العام الجديد عندما أعلن عن أولويات سياسة دولته للعام 2015، وهما قضيتا "الكيان الموازي" ومحادثات السلام مع حزب "العمال الكردستاني".

ومع أفول العام 2014، يبدو أن الدولة التركية قد باتت أكثر تصميماً على إنهاء حالة "الكيان الموازي" وتأثير جماعة الداعية فتح الله غولن في الإدارة والشرطة والإعلام التركي. وعلى الرغم من أنه يقطن في ولاية بنسلفانيا الأميركية، راكم غولن نفوذه في الإعلام والإدارة والشرطة وبين تجمعات رجال الأعمال مستفيداً مع تراجع نفوذ الجيش التركي والقوى العلمانية في مفاصل الدولة والحياة السياسية في تركيا. إلا أن "تحالف" غولن مع حزب "العدالة والتنمية" لـ"قصقصة" أجنحة العسكر والحد من قدرته على التدخل في الحياة السياسية إنتهى نهاية العام 2013، مع إنفراط تحالفهما بعد تسريب وفبركة جماعة غولن لقضايا فساد بحق أعضاء من الحكومة ومقربين من أردوغان، في عمل وصفه الأخير بـ"المحاولة الإنقلابية".

غير أن التطوران اللافتان في قضية "الكيان الموازي" يعودان إلى الإرادة وحرية الحركة التي يظهرها الحكم التركي في الانقضاض على الجماعة بكافة الوسائل، كما إضعاف نفوذها في تركيا وخارجها. بالإضافة إلى عدم الاكتفاء بمحاربة نفوذ غولن فقط إنما ملاحقته شخصياً مع إصدار القضاء التركي مذكرة توقيف بحقّه تجعل من الولايات المتحدة الأميركية مضطرة قانوناً إلى تسليمه للسلطات التركية. غير أن المصالح السياسية لأميركا مع غولن تبقى أقوى من قوانين وبروتوكولات التعاون بين كل من تركيا وأميركا، فيما يبدو أن عودة غولن إلى تركيا، إن تمّت يوماً، لن تكون إلا إلى إحدى زنزاناتها.

من ناحية أخرى، أخذت مسألة محادثات السلام بين الحكومة التركية وحزب "العمال الكردستاني" الكثير من اهتمامات تركيا في العام الماضي، ويبدو أنها ستتصدر اهتماماتها في العام الحالي كذلك. فالتسوية النهائية المفترضة بين الطرفين لم تتم بعد، إنما أدّت المحادثات إلى بعض التقدم على أكثر من جبهة بين الطرفين. فمن وقفٍ لإطلاق النار، إلى دعوة لانسحاب مقاتلي "الكردستاني" من تركيا، مروراً ببعض الإصلاحات الحكومية التي تطال الأكراد، كلها إجراءات ساهمت في تسهيل التواصل بين الطرفين وخلق جو من الارتياح في تركيا بشكل عام.

في المقابل، لا يمكن إنكار أن بعض العوائق شابت التوصل إلى التسوية، ومنها قضية مدينة كوباني / عين عرب السورية، كما رفض بعض تجمعات اليمين التركي للتسوية مع حزب يوصف بالإرهابي في القانون التركي. إلا أن سعي الطرفان، التركي والكردي، يبدو جدياً وأكثر عزماً للتوصل إلى تسوية نهائية لإنهاء النزاع المستمر منذ العام 1984. وفي حين يبدو السعي الحكومي مفهوماً وهدفه تعزيز الاستقرار في تركيا، يبدو اللّهاث "الكردستاني" للتسوية مرتبطاً بوضع زعيمه المسجون عبدالله اوجلان، والتي بدأت حالته الصحية بالتراجع ويملك فرصة واحدة فقط للخروج من السجن وهو أمل لا يمكنه تحقيقه إلا بإدراجه كبند في التسوية المفترضة.

قد لا يحصل أوجلان على مراده، أكان بسبب رفض الحكومة التركية لمثل هذا الطرح أو بسبب القانون التركي المانع للإفراج عن محكومٍ بالسجن المؤبد. غير أن الأكيد هو أن هذا الطرح لن يفارق الاقتراحات التي سيقدّمها أوجلان على طاولة التسوية النهائية، فيما يبقى للحكومة التركية هامش الحرية في الرفض المطلق أو القبول، إنما بشروط قاسية يلتزم فيها أوجلان وحزبه.

عن الكاتب

جو حمّورة

باحث في الشؤون التركية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس