جيم كوتشوك – صحيفة يني شفق – ترجمة وتحرير ترك برس

يوم أمس حدث هجوم مسلح على صحيفة "شارلي إيبدو" في مركز مدينة باريس، مما أسفر عن مقتل 12 شخصا، ومثل هذا الهجوم الإرهابي لا يمكننا قبوله مهما كان فاعله، فالدفاع عن منفذيه سواء أكانوا "داعش"، أو القاعدة أو غلاديو أوروبا أمر غير عقلاني.

هناك عدة تساؤلات يثيرها الهجوم الإرهابي الذي حصل في باريس، فمن جهة، نلاحظ أنّ من نفّذ الهجوم هم شخصان محترفان، ولم يكونا على عجل، حتى إنهم تصرفوا ببرودة دم عجيبة.

وحسب الأخبار، فإن المنفذان عند الاقتحام هتفوا "الله أكبر"، وعند خروجهم كان يصرخون ويقولون "انتقمنا لرسولنا"، وحسب الخبر الوارد من قناة سكاي نيوز، فإنّ المرأة التي فتحت الباب لهم، أفادت بأنّهم يتحدثون الفرنسية بطلاقة، وقد تركوا مكان الحادثة بهدوء، وبعد مدة ليست طويلة، أعلنوا عن هوية المنفذين، يا له من أمر غريب.

وفور حدوث الهجوم، بدأت الصحافة الأوروبية تتناقل الخبر بصوت واحد، لتدعي كلا من الجارديان وسكاي نيوز وتايمز والاندبندت أنّ هذا الهجوم حصل بسبب نشر الصحيفة رسوما كاريكاتورية مسيئة لرسولنا الكريم، والغريب أنّ آخر هجمة الرسوم الكاريكاتورية ضد الرسول حصلت في عام 2012، فلماذا انتظروا 3 سنوات؟ غير معروف.

ترى كلا من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، أنّ المتهم الأول هو تنظيم "داعش"، فيما لو كانت هذه الحادثة حصلت قبل 4 سنوات لكان المتهم الأول تنظيم القاعدة، لكن السؤال لماذا حصل هذا الهجوم؟ هذا هو السؤال الأهم.

قبل يومين وفي ميدان السلطان أحمد في اسطنبول جرّ شرطي امرأة أرادت تفجير نفسها إلى مركز الشرطة، ليمنع حدوث كارثة، فلو أنّ المرأة فجرت نفسها في مكان مفتوح لسقط مئات من القتلى، لكن ذلك لم يحدث لحسن الحظ، وبعد يوم وقع الهجوم الإرهابي في باريس.

ووضع فرنسا ضمن هذه الخانة أمر هام أيضا، لأنّ السياسة الخارجية لفرنسا في الفترة الأخيرة اتخذت وضعية تشبه السياسة التركية، فهولاند قد صرّح بوضوح بضرورة إنهاء حُكم الأسد، وأيضا لم يرسل طائرات لمحاربة داعش في سوريا، وذكر أنّ فرنسا ستشارك في محاربة  الأهداف التي تقع في العراق فقط، معللا ذلك بأنّ ضرب الأراضي السورية سيفيد داعش، وعلينا الآن متابعة كيف ستتصرف فرنسا تجاه هذه الحادثة متابعة حثيثة.

من جهة أخرى، تحتل مسألة الإسلاموفوبيا جزء من هذا الهجوم، فهناك عدة دول على رأسها ألمانيا، بمحاولة ترسيخ وتشريع العداء ضد الإسلام، فحركة "بيغيدا PEGIDA" ازداد أعداد المنتسبين إليها من 500 شخص إلى 17 ألف، وقد قاموا بأعمال احتجاجية ضد الإسلام في كل مدن ألمانيا تقريبا، لكن الإعلام الألماني المركزي حاول التخفيف من أهمية تلك الاحتجاجات، مشيرا إلى أنّ موضوع الإسلاموفوبيا هو شيء خاطئ، وعندما اقتربت نهاية واحتجاجات حركة "بيغيدا" الألمانية، حدث هذا الهجوم الإرهابي في باريس، لتتراكم الآن عداوة الإسلام أكثر وأكثر في المجتمع الأوروبي، وكأنّ حال حركة "بيغيدا" الآن يقول :"هل رأيتم؟ كنتم تقولون أنّ الإسلاموفوبيا ليس بالأمر الجيّد، وها هم يقتلونكم واحدا تلك الآخر في عُقر أوروبا".

لا شك أنّ السياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي ستتغير بعد هذا الهجوم، وقد تتخذ خطوات جديدة بخصوص موضوع اللاجئين، ربما تتمثل بتدابير أكثر صرامة متعلقة بموضوع المهاجرين إلى أوروبا، وربما تطبق أوروبا سياسة أمنية كتلك التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.

هناك عدة تساؤلات لا نملك الإجابة عليها، فكيف من الممكن أنْ يحصل هجوم لمنفذين محترفين في وسط أوروبا؟ وأيضا المنفذون كانوا يحملون أسلحة ثقيلة معهم، فكيف وصلت تلك الأسلحة إلى باريس، وحتى كتابة هذه الكلمات لم يتم حتى الآن القبض على المنفذين.

مرّ عامان على مقتل 3 من نساء حزب العمال الكردستاني، وحينها وصلت الفرضيات إلى أنْ يدعي البعض أنّ عملية الاغتيال تلك نفذتها الاستخبارات التركية، فيما إلى الآن لم يُعرف من نفذ تلك العملية، لكن كيف لباريس ذات الأمن المستتب والمليئة بالكاميرات، أن لا تكشف عن الفاعلين وتقبض عليهم حتى الآن؟ غريب فعلا.

ربما أرادوا أنْ تكون باريس مدينة للتجارب، أو أنّ الأمور الأخيرة حدثت تصادفيا، وقد تكون داعش من قامت بهذه الهجمات، لكن المؤكد هو وقوف منظمة استخباراتية خلفها، فداعش هو الجواب الأسهل، والتبرير الأقرب.

لكن عملية اغتيال نسوة حزب العمال الكردستاني، تنبعث منه رائحة غلاديو أوروبا، وخلال الأيام القادمة سنعرف إجابة الكثير من الأمور، لكن ماذا يمكننا القول لأولائك الذين يكتفون بقول أنّ المسلمين من فعلوا ذلك لزيادة العداوة ضد الإسلام؟ ولنفترض أننا نتفهم  من يقول ذلك في أوروبا، لكن ماذا نقول لمن هم في تركيا؟ نعم، هناك إسلاموفوبيا في أوروبا، لكن تلك التي في تركيا لا تقل عنها أبدا.

عن الكاتب

جيم كوتشوك

كاتب في صحيفة يني شفق


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس