حليمة غوكتشة – صحيفة ستار – ترجمة وتحرير ترك برس

إن تحول الثورة السورية إلى حرب قد تسبب في فشل الربيع العربي بأكمله، وذلك فضلاً عن تأثيراتها السلبية تجاه تركيا نفسها، كما أن وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر قد دفع السعودية للقلق تجاه المسألة ورؤية الأخوان المسلمين كخطر يهدد مصالحها القومية، وبالتالي السياسة السعودية لعبت دورا في تغيير مجرى الأحداث في بعض الدول العربية.

أما في تونس فقد اضطرت حركة النهضة لتسليم السلطة إلى بقايا النظام السابق، وذلك كي لا يتم إبعادها عن السياسة وإعلانها كجهة غير رسمية مرة أخرى، وجاءت بعدها الاغتيالات السياسية والتي عُرفت بأنّها وقعت بتدبير بعض الدول العربية، ما أدى إلى حصار حركة النهضة من الداخل، كما بادرت تلك الدول العربية في استغلال المجموعات السلفية المتطرفة لدفعها إلى القيام بأعمال أثّرت سلباً على المشروعية السياسية للأخوان المسلمين.

وخلال هذه الفترة فقد أصبحت سوريا مركزاً لتجمّع التنظيمات الإرهابية بجميع أشكالها، وساهمت الدول في دعم التنظيمات التي تخدم مصالحها الشخصية، إضافةً إلى أن أنشطة داعش وبي كي كي والحشد الشعبي وحزب الله في المنطقة قد أدت إلى تجزئة الأراضي السورية، في حين تم إضعاف المعارضة المشروعة من قبل الجهات التي تشعر بالقلق تجاه زيادة قوة المعارضة السورية.

وبالنسبة إلى تركيا يمكن القول إنها ساهمت في دعم المعارضة السورية منذ بداية الأزمة، في حين أدى انشغال تركيا بقضايا داعش وبي كي كي وتنظيم الكيان الموازي إلى ضعف المعارضة السورية.

ولاحقاً ازداد الحصار ضد تركيا مع حادثة إسقاط الطائرة الروسية التي توضّح أنها تدبير تنيظم الكيان الموازي، إضافةً إلى الحصار الذي تشكّل في الحدود الجنوبية لتركيا نتيجة الهجمات الإرهابية المنفذة من قبل بي كي كي وداعش، واستمرت هذه الهجمات لمدة طويلة بسبب تسرّب عناصر تنظيم الكيان الموازي إلى القوات المتواجدة في الحدود الجنوبية.

وبذلك تحوّل الإرهاب الموجود في المناطق السورية المجاورة للحدود التركية إلى خطر يهدد الأمن القومي للدولة التركية، ولو أنّ محاولة انقلاب 15 تموز/يوليو نجحت، لكان ذلك كفيلا لإعاقة تركيا عن تنفيذ عمليات درع الفرات وغصن الزيون في سوريا، وكانت بذلك تركيا ستضطر إلى قبول السيادة السياسة التي ستُمنح لبي كي كي، وذلك كان سيزيد من احتمال مطالبة بي كي كي ببعض المناطق التي تقع ضمن الحدود التركية.

ما الموقف الذي اتخذته الحكومة التركية في سوريا عندما أصبحت جميع الجهات تعمل ضد مصالحها؟ بغض النظر عن روسيا وإيران ونظام الأسد يمكن القول إن تركيا هي الجهة الوحيدة التي لم تتخلّ عن الموقف الذي اتخذته منذ بداية الحرب السورية، لكن ذلك لا يغيّر حقيقة تضارب مصالح الدولتين الإيرانية والروسية في سوريا، ويمكن توقّع ازدياد التوتر بين الدولتين مع الاقتراب من نهاية مرحلة الصراع في الساحة السورية.

وعند النظر إلى اجتماع اسطنبول الأخير بين أردوغان وبوتين وروحاني نستطيع رؤية ثبات تركيا على موقفها الأول بشكل أوضح، لكن لا يمكن اعتبار هذ الثبات أمراً صائباً، لأن السياسة الحقيقية والمصالح القومية قد تدعو إلى تغيير المواقف والآراء في بعض الأحيان.

أدى عدم انسجام تركيا بالسياسة الحقيقية وثباتها على مواقفها إلى مرور الدولة التركيا بمرحلة ضيق بين أعوام 2014-2016، لكن استطاعت تركيا تخطّي هذه المرحلة وزيادة قوتها من خلال إبراز قدراتها العسكرية أمام الجهات التي تخطّط ضدها.

كما أصبحت الجهات التي حاولت توريط تركيا بالأزمة السورية تسعى إلى الاتفاق مع تركيا بشتى الوسائل، ورأينا ذلك بوضوح خلال الاجتماعات المعقودة مع رؤساء مفوضية ومجلس الأمم المتحدة في ولاية "فرانا" البلغارية، وكذلك من خلال التصريحات الأخيرة للحكومة الأمريكية، ويمكن القول إن الحكومة التركية قد تمكنت من تخطي هذه الأزمات من خلال ثبات الرئيس رجب طيب أرودغان أمام الدول العظمى واكتسابه لثقة الشعب التركي.

عن الكاتب

حليمة غوكتشة

كاتبة في صحيفة ستار


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس