سعيد الحاج - عربي 21

تصريح الرئيس الفرنسي عن "النجاح في التفريق بين روسيا وتركيا" مع الضربة التي وجهتها كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا لمواقع النظام السوري مؤخراً لافت في دلالاته المتعددة.

ولئن كان استهداف تركيا من هذه الضربة - كما يرى البعض - ليس مؤكداً، فإنه من الثابت أن روسيا كانت هدفاً رئيساً في هذه الضربة (وبدرجة أقل إيران) قبل الأسد ربما، إضافة لقلق حلف شمال الاطلسي (الناتو) من قدرة موسكو على احتواء عضو مهم فيه مثل تركيا والتقارب معها حتى الآن.

لم تقف أنقرة على الحياد، بل أيدت الضربة الغربية على سوريا ورأت أنها غير كافية، من زاوية ضمان عدم استخدام الأسلحة الكيميائية مرة أخرى ومن زاوية عدم التفريق بين الأسلحة المحرمة والأسلحة التقليدية على حد سواء.

هنا، كان الموقف التركي من الضربة متناغماً مع:

أولاً، موقفها الواضح في إدانة هجوم دوما واستخدام الأسلحة الكيميائية.
ثانياً، موقفها المصرّ على رحيل الأسد وألا مكان له في مستقبل سوريا.
ثالثاً، عضويتها في حلف الناتو.

رابعاً، محدودية الضربة وعدم توسعها لمواجهة بين روسيا والناتو، بل ثمة قرائن عديدة على التنسيق بينهما قبلها.

فهل استطاعت الضربة فعلاً التفريق أو المباعدة بين أنقرة وموسكو؟ تصريحات الجانبين التركي والروسي، الرئيس اردوغان ووزير خارجيته مولود تشاووش أوغلو والكرملين، تنفي ذلك.

أعتقد أن المشكلة تكمن في افتراض وجود "تحالف" بين تركيا وروسيا وما ينبني على ذلك من مواقف وسياسات منتظرة أو متوقعة من تركيا. إذ على العكس من ذلك، تتوجس تركيا من  روسيا أكثر مما تثق فيها. ليس فقط بسبب التاريخ الطويل من الحروب، ولكن أيضاً لحالة التنافس وتناقض المصالح في البحر الأسود والقرم وآسيا الوسطى والقوقاز، و"حصار" روسيا لتركيا من الجنوب إضافة للشمال بعد التدخل في سوريا.

الأهم، أن التعاون والتنسيق بين البلدين في سوريا بشكل ثنائي أو ضمن الإطار الثلاثي مع إيران لا يندرج تحت بند التحالف أو تشكيل المحاور، وإنما هو مؤسَّس في الأصل على التناقض في الرؤى والمصالح ودعم هذه الدول لطرفين متواجهين في المعادلة السورية الداخلية.

بهذا المعنى فالتنسيق بين أنقرة وموسكو في سوريا هو تنسيق المختلفين لا المتحالفين. كما أن أهم سببين دفعا الأولى للتقارب مع الثانية كانا تجاهل الولايات المتحدة والناتو لمصالحها وأمنها في الملف السوري وانفراد روسيا في السيطرة الميدانية في سوريا بعد تدخلها، وهما سببان "أطلسيان" بالدرجة الأولى. وقد يعني ذلك فيما يعني أن درجة التقارب أو التباعد بين أنقرة وموسكو تحددها سياسات الولايات المتحدة والناتو وخياراتهما ربما بنفس الدرجة التي تححدها سياسات طرفي المعادلة الروسية - التركية وخياراتهما.

لكن ذلك لا يعني أن أنقرة اليوم مخيّرة بين الطرفين أو أنها ستكون كذلك يوماً ما. كانت تلك شروط الحرب الباردة التي لم تعد قائمة. اليوم، ومنذ تولي حزب العدالة والتنمية الحكم في تركيا عام 2002، ثمة نزوع واضح نحو تعديد وتنويع محاور سياسة تركيا الخارجية بما يمنحها شيئاً من التوازن والمرونة والاستقلالية، وما زالت قادرة على فعل ذلك حتى الآن.

وميدانياً، إذا ما كانت تركيا قد نسقت مع روسيا في عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون وما زالت تتحدث معها حول مصير تل رفعت ومطار منغ، فإنها تحتاج للتنسيق والحوار مع الولايات المتحدة بخصوص منبج ومناطق شرق الفرات. كما أنها تدرك أكثر من أي طرف آخر أن الجانبين الأمريكي والروسي سيتواجدان في سوريا على المدى القريب وسيقرران أكثر من أي طرف آخر - وقبله - شكل سوريا المستقبلية وخريطة الطريق نحوها. الأمر الذي لا يتيح لأنقرة رفاهية الاختيار بين الجانبين أو الاصطفاف الكامل مع أحدهما ضد الآخر، وإنما الاستمرار في الحوار والتنسيق مع كليهما والاستفادة قدر الإمكان من خلافاتهما واختلافاتهما وما تتركانه من مساحات رمادية للمناورة.

وإذا كان وزير الخارجية التركي قد صرح خلال مؤتمره الصحافي المشترك مع الأمين العام لحلف الناتو بأن علاقات بلاده مع مختلف الأطراف ليست بديلة عن بعضها البعض، فقد سبقه الرئيس التركي قبل ذلك بأيام بتوصيف تلك العلاقات بشيء من الدقة الموحية حين قال ما معناه إن بلاده ملتزمة بـ"تحالفها" مع الولايات المتحدة و"شراكتها" مع روسيا و"تعاونها" مع إيران.

عن الكاتب

سعيد الحاج

باحث في الشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس