محمود حج علي - خاص ترك برس 

بعد الضربة الأخيرة التي شنتها القوات الأمريكية ومعها الفرنسية والبريطانية على مواقع تابعة للجيش السوري في دمشق وحمص، بات واضحاً للمتابع أن الحرب في سوريا أخذت منحاً جديداً ذو صبغة أكثر تعقيد، ويتضح أكثر من خلال قرارات الولايات المتحدة والقوى الغربية الدخول الحذر والخجول أكثر فأكثر في الملف السوري، وهذا يحتم على "الثورة السورية" بكل مكوناتها تحديد موقعها تماماً في ظل هذا الصراع. وهذا الصراع منه ما هو خفي ومنه ما هو ظاهر للعيان، ولا ننسى أن هذه الصراعات ليست صراعات مستقلة إنما هي صراعات مركبة، لذلك علينا أن نحدد أطراف الصراع والقوى في سوريا لتفكيك المشهد رويداً رويداً وذلك بهدف توصيف الواقع وإدارته إن أتيحت الفرصة.

الصراع الأمريكي الروسي:

ليس جديداً أن الصراع الأمريكي الروسي هو ما أطال عمر الحرب في سوريا، حين تعتبر روسيا أن سوريا هي آخر موطئ قدم على البحر المتوسط ومن المستحيل أن يسمح الغرب بقاعدة عسكرية كسوريا مواجهة ومقابلة للسواحل الأوروبية، وتحاول الولايات المتحدة استنذاف القوة الروسية فيها وذلك بإعادة السيناريو الأفغاني عن طريق دعم "لاحق" لبعض القوى التي يمكن فيها إطالة الحرب في سوريا دون الحاجة للتدخل العسكري والمباشر، وتكون النتيجة كما كانت نتيجتها تفكك الإتحاد السوفيتي في تسعينيات القرن الماضي، وإن افترضنا أن روسيا تعي هذا الفخ فهذا يدفعها إلى تثبيت نقاط أسياسية ومهمة في سوريا وعدم انجرارها للسيطرة على كامل الأرض السورية -عدا عن استحالتها- والبقاء في نقاط استارتيجية قوية ساحلية وفي دمشق وحمص، وباعتقادي أن روسيا لا تمانع أبداً من الوجود الأمريكي على مساحة كبيرة في مناطق الجزيرة السورية، لأن ذلك سيشرعن وجودها في سوريا أمميّاً. وعلى الطرف المقابل تتوزع أكثر من 20 قاعدة عسكرية أمريكية لحفظ التوازن العسكري والسياسي في سوريا، والمحصلة أن الصراع الروسي الأمريكي هو صراع نفوذ وكسر عظم ولا أفق إلى الآن في حله سياسياً أو عسكرياً، وبالتالي اللعب بين القوتين العظيمتين يعتمد على اللعب بين مصالحهما.

الصراع الإسرائيلي الإيراني:

كل المعطيات الحاصلة على الأرض تدل على أن هناك صراعاً متواضعاً بين اسرائيل وإيران على الأرض السورية، تبدأ محدداته من سعة النفوذ الإيراني على الأرض وتنتهي بخوف اسرائيل من أن تصبح إيران قوة كبيرة تخرج عن السيطرة، ولا تتحكم عليها السيطرة إلا بحرب شاملة، لكن احتمال الحرب الشاملة باعتقادي غير مطروح على الطاولة وذلك لترجيحهم أن القضاء على إيران يتطلب وقتاً ونفساً طويلاً، لأن الحرب المفتوحة في سوريا وقريبة من الحدود الإسرائيلية يفترض ادخال "الجغرافية الإسرائيلية" ضمن الحرب، وهذا باعتقادي هو خيار مستبعد لأن اسرائيل محاطة بأذرع عسكرية على حدودها تتمثل بحزب الله وحركة حماس اللواتي لن يترددن في الدخول بحرب -عدا عن أنهم يتمنونها- دفاعاً عن إيران، ليس لشيئ إنما لأنها الحلفاء الوحيدين في المنطقة، لذلك تسعى اسرائيل على تقليم الأظافر الإيرانية الطويلة التي تمتد نحو الجنوب، لكن في المقابل فإن إيران بقواتها البشرية في سوريا تحارب ما تسميهم "المنظمات الإسلامية الإرهابية" والتي هي بطبيعة الحال مطلب مُجمَعٌ عليه دولياً، وربما ينتهي شهر العسل هذا بانتهاء مهمة هذه المهمات في سوريا، ناهيك عن المبرر الديني لها في سوريا الذي يكسبها شرعيةً في الداخل الإيراني. لذلك فإن إدارة الصراع تجاه إيران المحتل وإسرائيل المحتل بتطلب تقديم ضمانات حقيقة وملموسة على الأرض ودعم إقليميّ لها لاحتواء إيران وتقطيع أوصالها -إذا توافرت النيّة لديهم- والعمل السياسي في المحافل الدولية جنباً إلى جنب مع المعارضة الإيرانية الموجودة في الخارج للضغط على إيران على الأقل في سوريا.

الصراع الأمريكي التركي:

أحد أهم الصراعات الموجودة في سوريا هو الصراع الأمريكي التركي والذي يتمثل في دعم الولايات المتحد الأمريكية لفصائل عسكرية كردية تعتبرها أنقرة إرهابية تحاول بدعم أمريكي فرض طوق يمتد على طول الحدود مع العراق وسوريا، ناهيك عن الملفات الكبيرة العالقة بين الدولتين إلا أن التغييرات على الأرض في سوريا كان هو الملف الأول الذي تحركت تجاهه أنقرة واعتبرته تجاوزاً لأهم الخطوط الحمراء واستدعى عملاً عسكرياً في سوريا، يحمي حدودها ويجعله أداة ضغط يقوّي موقفها على طاولة المفاوضات، وتركيا بطبيعة الحال تدرك أن دعم مليشيات انفصالية على الأرض السورية يعني حصار تركيا وهذا ما تعتبره أنقرة أهم ملف لديها، وحتى أنه أهم من ملف فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية.

الصراع العربي التركي:

في الواقع يمكن لنا اعتبار الصراع العربي التركي متمثلاً في السعودية والإمارات من جهة وتركيا، هو صورة تطبيقية للصراع الأمريكي التركي، حيث أن كلّاً من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة سلّمتا الملف التركي للولايات المتحدة وتعهدتا بدعمه مالياً وحتى أنها قدمته على حربها - المفترضة- مع إيران، ويتمنّون -تمنّي العاجز- أن يكون المال المدفوع ثمناً لدفع الخطر التركي والإيراني في المنطقة، لكن الواقع يقول بأن تركيا أصبحت تحمي حدودها بريّاً، وإيران أصحبت تسيطر على أربع عواصم عربية، فأصبحوا ضمن حصار شبه مطبق من الشمال والجنوب ولا زالوا غارقين في المستنقع اليمني.

الصراع العربي العربي:

بات واضحاً فيما لا يدعو للشك بأن الخلاف الخليجي الخليجي أظل بظلاله على الحرب في سوريا، ولا يخفى أن كلّاً من السعودية وقطر تدعم فصائل عسكرية على الأرض بأموال طائلة في مواجهة -المد الإيراني- الخطر الإيراني الذي أصبح الآن متمركزاً ويسيطر بمساعدة حلفائه على أهم مواقع الجيش الحر المدعوم خليجيّاً، وبفضل هذه الصراعات العربية العربية استطاع الروس والنظام السيطرة على أهم مواقع الجيش السوري الحر على الإطلاق بالقرب من العاصمة، ناهيك عن أن الدعم المصري للنظام المصري سرّاً وعلانية -كرد على تركيا وقطر- أطال عمر النظام السوري وربما دعمه عسكريّاً في بعض المحطات السابقة.

الصراع السوري السوري "المعارضة العسكرية":

يمكن تلخيص الصراع بين الفصائل العسكرية الثورية امتداداً للصراع بين تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" وبين باقي الفصائل الأخرى، وفي حين أن التنظيات الإسلامية -المدفوعة دوليّاً لأسباب كثيرة- بدأت شيطنتها لإخراج كل من يعارض النظام ويهدد الإستقرار الإقليمي، تجذّرت هذه الحالة بين المقاتلين على الأرض وأصبح من الصعب جمعهم تحت مظلة واحدة وطنية، ونتيجة لذلك خرج الصراع الأهم والمسبب الرئيس للحرب وهو النظام السوري وتحول الصراع إلى صراع حرب لصالح القوى الدولية والإقليمية، وتطور فيما بعد لدخول القوى الكبيرة بحرب أصالة بدل الوكالة لترسم الحرب شكل "الحرب الهيكلية"، وهو ما ينذر بحجم الصراعات الدولية التي ستنتهي بسقوط دول وارتفاع دول أخرى، ولكن حتى الآن لا أستطيع تخيّل شكل نهاية الصراع الحالي غير السلم المؤقت أو الحرب المفتوحة.

المعارضة السورية ... أين؟

حتى تستطيع المعارضة السورية أن تكون جزءاً من الصراع -وحتى تكون فاعلة- عليها الدخول ضمن التحالفات السياسية أو الدخول ضمن التحالفات العسكرية على الأرض، فهو بحاجة لتحديد موقعه ضمن هذا الصراع الدائر وتحديد عناصر القوة والضعف لديه على الأرض وعلى الطاولة، وأن يدرك بأن "الثورة مستمرة" بالعمل والعمل الجاد أيضاً وليست بالشعارات فقط وتعليق العمل السياسي على العمل الإعلامي والتحليل والسياسي، وأن لديه فرصة الإنتقال لمنطقة أكثر قرباً من الواقع، وما أقصده هو الدخول إلى الأرض السورية وبناء القدرات الجديدة والفعالة على الأرض في منطقة درع الفرات حتى يكون جزءاً من خارطة الصراع المعقدة، ويبدأ بإنشاء بنية سياسية وإدارية وبناء شبكة معلومات والإنطلاق بعدها لبناء جسم سياسي يكتسب شرعية من الأرض والأرض فقط، لأن المعارضة السورية لا تذكر في حرب الأصالة.

خاتمة:

هذه الصراعات لا تنفي صارعات مزدوجة بين القوى نفسها في ملفات أخرى تتفق فيها وتختلف، لكن ما يهمنا هو الملف السوري والصراعات التي تشملها الجغرافية السورية. على ممثلي الثورة السورية إدارة الصراع بأن بكون جزءاً منه في المرحلة الأولى ثم اللعب على المصالح واختلاف التوازنات على الأرض.

عن الكاتب

محمود حج علي

كاتب سوري ومدرب موارد بشرية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس