وداد بلغين – صحيفة وطن – ترجمة وتحرير ترك برس

هل من الممكن أنْ يكون الإرهاب أحد العناصر السياسية؟ هذا سؤال هام يجب طرحه بكل قوة، وهذا الموضوع كان مثار جدل، كلما استخدمت بعض المجموعات أو بعض الدول الأسلوب الإرهابي من أجل تحقيق أهداف سياسية، وفي الماضي البعيد وتحديدا في العالم الإسلامي، قام "حشاشو حسن الصباح" بأعمال إرهابية مرعبة من أجل تحقيق أهداف سياسية.

وفي الوقت الراهن، أصبح استخدام بعض أجهزة الاستخبارات "لخطط وأعمال إرهابية من أجل تحقيق أهداف سياسية" أمرا معروفا للجميع، وتنوعت أهداف استخدام مثل هذه الأعمال، فمنها ما كان لإجبار الدولة الهدف، بالتصرف بما يتلاءم مع الدولة المعتدية، ومنها ما كان من أجل ثني الدولة المستهدفة عن سياستها، ومنها ما كان لإنهاء تأثير الدولة المستهدفة. وقد عشنا العديد من الأعمال الإرهابية الدموية والقذرة والتي كانت كجزء لا يتجزأ من السياسة الدولية.

ولهذا فإنّ تقييم مثل هذه الأعمال على أنها ناتجة بسبب عقيدة الإرهابيين، أو خطابهم المتشدد أو لأنها تستهدف هويات معينة وفئة معينة، سيصبح أمرا غير كافيا لمعرفة الأسباب الحقيقية، بل بالعكس، سيعيق ذلك فهمنا للقوة التي تقف خلف أو داخل هذه الأعمال الإرهابية.

***

لا بدّ في البداية من ربط الأعمال الإرهابية في المنطقة بالأحداث الجارية في الشرق الأوسط، فهناك ارتباط وثيق بين الغرب وما يجري في المنطقة، وعلينا النظر اليوم إلى المشاكل التي يعاني منها النظام الغربي في المنطقة الخاضعة لهيمنته منذ 200 عام.

إذا أردنا الحديث باختصار عن تلك المشاكل، فأولا،: تعيش العلاقات التي أنشأها النظام الغربي مع الشرق الأوسط، حالة من التغيير الكبير. ثانيا، كلما زادت حدة التناقض في العلاقة بين شعوب المنطقة وبين دولها، فإن الاتفاق الحاصل بين الغرب وأنظمة الشرق الأوسط، الاتفاق القائم على "علاقة الهيمنة والوصاية"، سيدخل مرحلة التحلل.

ثالثا، النموذج التركي المثالي، من خلال الثورة المجتمعية، وتحقيق الديمقراطية، والنمو الاقتصادي، والتحضر المدني والحضاري، كل ذلك جعل من تركيا "نموذجا جذابا"، ومعنى ذلك واضح، وهو أنّ هناك نموذج "حضاري وديمقراطي" للمجتمعات المسلمة، وهذا النموذج ناجح، ورأت فيه المجتمعات الإسلامية ضالتها المفقودة.

***

أما بالنسبة للغرب، فقد شكّلت هذه المعطيات اختبارا حقيقيا للنظام الغربي، وجعلته يقف أمام مسألتين، الأولى، كيف سيواجه النظام الغربي فقد سيطرته وهيمنته على المنطقة، وهل سيستطيع الانتقال إلى سياسة واستراتيجية جديدة تمدد فترة سيطرته؟ أما المسألة الثانية، فلا شك أنها تتمثل بالرد المنتظر من الغرب على المشاكل التي أحدثتها إسرائيل على علاقاتها في المنطقة وخصوصا مع فلسطين.

عندما يريد النظام الغربي تعزيز علاقاته مع الأنظمة التي تقف ضد الديمقراطية في المنطقة، وعندما تمد الاستخبارات الغربية أياديها داعمة لأنظمة الحُكم وإسنادا لها لتعزيز سيطرتها، وكلما ازدادت معارضة الغرب للحاجة المجتمعية للتغيير في المنطقة، وكلما ازدادت النزاعات والتناقضات، وكلما تعمّق عدم الاستقرار أكثر فأكثر، فإنك ستُحدث في دول المنطقة من أفغانستان إلى سوريا، ومن العراق مرورا باليمن وصولا إلى مصر، حالة من الاضطراب الذي لا يتوقف.

***

تعيش الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا وانجلترا، حالة من التناقض الشديد ما بين سعي تلك الدول إلى اتخاذ سياسات جديدة تجاه القضية السورية، واعترافها بفلسطين، وبإزالتها حماس عن قائمة المنظمات الإرهابية، وسعيها إلى إرجاع الشرق الأوسط لوضعه الطبيعي، وما بين أن تخرج منظمة "الحركة المناهضة للعنصرية الإسلامية" وتنتشر في أنحاء أوروبا، تلك المنظمة التي تعارض الإسلام والمسلمين.

ارتفع مستوى مناهضة الإسلام في أوروبا إلى مرحلة خطيرة، وقد يستخدم اولئك كل العناصر الإرهابية الممكنة من أجل تعزيز هذا الحقد والكراهية، لكي تمنع احتمال تأسيس إستراتيجية فرنسية "مبنية على السلام".

لا شك أن الإرهاب سيقوي ويغذي العناصر المناهضة للإسلام، ونستطيع القول إنّ المجزرة التي ارتكبت في باريس سيزيد مثل هذه المشاعر العدائية على المدى البعيد.

عن الكاتب

وداد بيلغين

كاتب في صحيفة أكشام


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس