د. علي حسين باكير وجيورجيو كافييرو - ترجمة وتحرير ترك برس

 ربما تكون تركيا قد حدّدت أولوياتها بعيدًا عن اليمن، ولكن لا يزال بإمكانها لعب دورٍ إيجابي في محاولة التخفيف من بعض المعاناة الإنسانية التي لا يبدو أن نهايتها تلوح في الأفق.

طوال السنوات التي سبقت الربيع العربي في 2011، كان إسقاط تركيا للقوة الناعمة دعامة أساسية لسياسة أنقرة الخارجية في القرن الحادي والعشرين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقد ناشدت أيديولوجية حزب العدالة والتنمية العديد من الدول العربية للسعي في إصلاحات ديمقراطية ملموسة.

اكتسبت تلك الأيديولوجية جماهيرية في اليمن، حيث نال الرئيس رجب طيب أردوغان شعبيةً كبيرة كما فعل في البلدان العربية الأخرى في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين.

لكن مما لا شك فيه أن جهود أنقرة لتوسيع القوة الناعمة التركية في اليمن واجهت انتكاساتٍ كبيرة بسبب استيلاء الحوثيين على صنعاء سنة 2014، ودخول التحالف العسكري بقيادة السعودية في الحرب الأهلية في البلاد، حيث لم تكن أنقرة لاعبًا رئيسيًّا. ومع ذلك، تبقى اليمن في موقعٍ مهمٍّ بالنسبة للقيادة التركية.

واستنادًا إلى مصالح أنقرة الجيوستراتيجية في البحر الأحمر وباب المندب إلى جانب الروابط التاريخية بين الأتراك واليمنيين والمتأصلة في العهد العثماني، فإن لتركيا حصصٌ كبيرةٌ في مستقبل البيئة السياسية اليمنية بالإضافة إلى الكارثة الإنسانية التي نشأت منذ مدةٍ ليست بالطويلة لكنها في تعاظمٍ وازدياد.

عندما أطلق التحالف العربي بقيادة السعودية عملية عاصفة الحزم في اليمكن في آذار/ مارس 2015، كشفت أنقرة عن أنه قد تم إبلاغُها مسبقًا بالعملية، مشيرةً إلى التعاون والتنسيق الوثيقين بين أنقرة والرياض في تلك المرحلة.

دعمت تركيا العملية لسببين رئيسيين، أولًا، من وجهة نظر تركيا فإن رفض الحوثيين لقرار مجلس الأمن رقم 2201 ورفضهم الانسحاب من المؤسسات الحكومية في صنعاء يعني أن المتمردين المتحالفين مع إيران كانوا مسؤولين عن تدهور الوضع في اليمن. قدمت تركيا الدعم لحكومة عبد ربه منصور هادي المعترف بها دوليًّا. وقد أبرزت الزيارات التي قام بها هادي إلى تركيا والوفود التي تمثل حكومته دعم أنقرة لهادي.

علاوةً على ذلك، عارضت أنقرة التدخل الإيراني في الشؤون اليمنية من خلال الرعاية الإيرانية للتمرد الحوثي. بل وذهب أردوغان إلى أبعد من ذلك متهمًا إيران بمحاولة السيطرة على المنطقة من خلال أجنداتٍ طائفية، مضيفًا أنه "يجب على إيران سحب أي قوات مهما كانت من اليمن، وكذلك سوريا والعراق، واحترام سلامتهم الإقليمية".

ثانيًا، خلال السنوات القليلة الأخيرة من حكم الملك عبد الله، حولت الرياض أولوياتها الإقليمية من التركيز فقط على إيران إلى التركيز على كل من التهديدات المتصورة التي تشكلها الجمهورية الإسلامية بالإضافة إلى حركاتٍ مثل جماعة الإخوان المسلمين في الدول العربية، وفي مصر على وجه الخصوص، الأمر الذي عطّل الجهود الجماعية في المنطقة لمواجهة طهران.

كما أن أجندة آل سعود المناهضة للإسلاميين خلقت شرخًا في الكتلة السنية مما سمح لإيران بزيادة نفوذها في الدول العربية بما فيها اليمن. لكن وعندما تولى الملك سلمان السلطة في كانون الثاني/ يناير 2015، ركزت الرياض على تحسين العلاقات مع الدوحة وأنقرة لمجابهة إيران، مع قلقٍ أقل من جماعة الإخوان المسلمين. وكان دور ولي العهد السعودي محمد بن نايف آنذاك أمرًا حاسمًا في هذا الصدد.

وبالتالي، كان دعم أنقرة لعملية عاصفة الحزم أمرًا منطقيًّا لأنه، على الأقل من منظور الحكومة التركية، ساهمت الحملةُ التي قادتها السعودية في بذل جهدٍ أوسع لحل نزاع اليمن واستعادة السلطة الشرعية للدولة فيها.

علاوةً على ذلك، تعهّدت أنقرة بتزويد السعوديين بالمعلومات الاستخباراتية والدعم اللوجستي في اليمن من غير دعمٍ عسكريٍّ مباشر. في نهاية المطاف، نتج قرار تركيا عن مسؤولين في أنقرة اعتقدوا بأن الرياض تفتقر إلى أي رؤية واضحة فيما يتعلق بلعبة نهاية التحالف الذي تقوده السعودية.

ومنذ ذلك الوقت، تباين الدور التركي في الأزمة اليمنية من حيث النطاق والنوع والأمن والسياسة والدبلوماسية والحياة الإنسانية اعتمادًا على الوضع على الأرض وموقف الرياض تجاه تركيا.

خلال الشهر الأول من العملية، حاولت أنقرة تحويل الدفع العسكري السعودي إلى حلٍّ سياسي، في هذا الصدد، أطلقت تركيا جهودًا دبلوماسيةً مستقيمة، ضمت أيضًا باكستان.

وبعد مناقشة الرياض، حاولت أنقرة إقناع إيران بدعم اتفاقٍ تضمن مطالبة الحوثيين بالانسحاب من العاصمة إلى صعدة شمال غرب اليمن، والسماح للمساعدات الإنسانية بالدخول بحرًا إلى اليمن، وتشكيل حكومة وحدةٍ وطنية. الأمر الذي رفضته إيران رفضًا قاطعًا.

أثبت اختلافُ المملكة العربية السعودية مع الأجندة الإماراتية في اليمن أن التقييم الأولي لتركيا فيما يتعلق بآفاق الجهد العسكري كان واقعيًّا للغاية. وقد تحولت الحملة العسكرية إلى عملٍ فوضوي وعشوائي، والذي أدى حتى الآن إلى مقتل ما لا يقل عن 10 آلاف مدني، وتعريض 17 مليون شخص لخطر المجاعة.

في أحد رسائل البريد الإلكتروني المسربة، اعترف سفير دولة الإمارات العربية المتحدة، يوسف العتيبة، إلى واشنطن بأن التحالف استهدف المدنيين وبأن القوات الجوية السعودية قامت بشنّ "ضرباتٍ خاطئة". علاوة على ذلك، اعترفت أنقرة بأن دور أبو ظبي المتنامي وخاصة في جنوب اليمن، يتناقض مع الرياض ويشكل تهديدًا حقيقيًّا للوحدة الوطنية في اليمن.

تسبب المشهد الأمني في تركيا في نهاية عام 2015 وخلال عام 2016، بالإضافة إلى تأثيرات الأوضاع الأمنية التي تعيشها دول الجوار، في إبعاد أنقرة عن الأزمة اليمنية والنظر لها كأولويةٍ أقل.

ومع ذلك، عمدت أنقرة باستمرار للتأكيد على أهمية الحفاظ على وحدة الأراضي اليمنية وأمنها وسلامتها. في نفس الوقت، سعت القيادة التركية للتخفيف من المعاناة الإنسانية في اليمن وتعزيز التسوية السياسية للحرب الأهلية.

لم تفقد تركيا وأيديولوجية الحزب الحاكم الشعبية في اليمن، لكن ومن وجهة نظر أنقرة فإن إسقاط القوة العسكرية التركية في البلد الذي مزقته الحرب لم يكن واقعيًّا في ظل هذه الظروف.

اعتقد صانعو القرار أن الاستثمار في الجهود الإنسانية والدبلوماسية من شأنه أن يعزز مصالح تركيا على أفضل وجه. ولا يزال من شأن مثل هذا الجهد ان يضمن لتركيا مكانةً مستقبلية في قلوب وعقول اليمنيين، في حين أن الجهات الأكثر فاعليةً في اليمن، إيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، تواصل القتال وخلق أعداء جدد في البلاد.

ولأجل هذا، استخدمت تركيا مركزها كعضو في منظمة التعاون الإسلامية وعلى وجه التحديد كأحد الأعضاء الـ 18 في مجموعة الاتصال التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي، من أجل اليمن. في شهر حزيران/ يونيو 2015، حضر وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو اجتماع مجموعة الاتصال التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي حول اليمن في جدة، والذي كان الأول من أصل أربعة اجتماعاتٍ عقدتها المجموعة حتى الآن.

كما قدم الأتراك مساعدة طارئة لليمن مع تفاقم الأزمة الإنسانية فيه، وقدمت الإغاثة الإنسانية لليمنيين عبر ميناء عدن. كما استضافت وعالجت العديد من اليمنيين الذين عانوا من إصابات بسبب النزاع المسلح المستمر. وبالإضافة للمساعدة الطارئة التي قدمتها في 2015 و2016 وتعهدها بمبلغ مليون دولار تم الإعلان عنه في أبريل سنة 2017 في (حدث إعلان التبرعات رفيع المستوى بخصوص الأزمة الإنسانية في اليمن)، أرسلت أنقرة مؤخرًا حوالي سفينة تحمل 11 ألف طن من المساعدات الإنسانية التي بلغت قيمتها 9 ملايين دولار، إلى اليمن.

تأثير قطر

غيرت أزمة قطر الحالية المشهد الجيوسياسي منذ عام 2013 - 2014 إلى الأسوأ فقط. وقد أدى الخلاف الدبلوماسي في دول مجلس التعاون الخليجي إلى مزيدٍ من الانقسامات في اليمن الممزقة أصلًا. بالإضافة إلى الانشقاقات مع الشركاء، بما في ذلك حزب الإصلاح وقطر، التي طُردت من التحالف العسكري بقيادة السعودية في أعقاب الأزمة.

لم يكن حزب الإصلاح وجهود قطر مهمين من حيث محاربة الحوثيين ومكافحة نفوذ إيران في اليمن فحسب، ولكن كان كلٌّ منهما حليفًا لتركيا أيضًا. ونتيجةً لذلك، زادت أزمة دول مجلس التعاون الخليجي من تعقيد دور أنقرة في اليمن.

تم تأجيل اجتماع منظمة المؤتمر الإسلامي بخصوص اليمن، والذي كان من المفترض أن يعقد في اسطنبول، إلى أجلٍ غير مسمّى. كما حاولت الكتلة بقيادة السعودية عرقلة الجهود الإنسانية التركية في تموز/ يوليو الماضي من خلال اعتراضها لفترة وجيزة على سفينتها الإنسانية إلى عدن بسبب دور أنقرة في دعم الدوحة.

على الرغم من أن أنقرة تُدين باستمرار هجمات الحوثيين بالصواريخ على المملكة العربية السعودية، إلا أن سياسة تركيا الخارجية تجاه اليمن تجاوزت مجرد إدانةٍ لإيران أو تشجيعٍ للسعودية.

تشغل تركيا الآن دورًا ضئيلًا إلى حدٍّ ما في الأزمة اليمنية، مع تأكيدها الدائم على الضرورة الملحة لحل الأزمة الإنسانية هناك. في الواقع، فإن أي حلٍّ سياسي يمكن أن تلعب فيه أنقرة دورًا أساسيًّا في إعداد نهايةٍ للحرب الأهلية في اليمن سيكون مفيدًا. وبمجرد أن يُزاح الغبار عن الحرب الأهلية، قد تعود تركيا إلى كونها جهةً أكثر فاعلية بكثير في البلاد من خلال قوتها الناعمة.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!