علي الصاوي - خاص ترك برس

في ظل وجود نظام دولي تتحدد سياساته بما يخدم مصالح الأغنياء والدول الكبرى، لا بما يُصلح من حال الفقراء وتحسين أحوالهم ،يعيش العالم أزمة ضمير إنساني، وكوارث ومجاعات يعاني منها كثير من الشعوب، خاصة في منطقة الشرق الأوسط ، تلك البقعة الملتهبة بالحروب التي أطلّت برأسها علينا، منذ أن تم زرع الكيان الصهيوني فيها بأيادي استعمارية خبيثة، ليكون حائط صد بينها وبين الأمن والسلام، وفي وسط هذا التوسّع الوحشي من العداء والكراهية والصراعات الحضارية، لم نعدم أن نرى وميض نور قادما من مكان بعيد، مكان كان يوما قائدا لهذا العالم، وملاذ آمن للضعفاء، ودرع تحطمت عليه كثير من رايات الصليب، مكان ذات جذور طيبه، عاد مجددًا لوجهته الإسلامية ومكانته الإقليمية، بعد أن حاولوا تقّذيمه وتغيير هويته على مدار قرن من الزمان، إنها تركيا، ذلك البلد الطيب المبارك بقيادة الرئيس "أردوغان " الذي فتح بلاده لكثير من المضطهدين واللاجئين من كل حدب وصوب، بعد أن هربوا من الظلم والملاحقات الأمنية وشظف العيش، ليندمجوا في المجتمع التركي، ويُثروه بثقافات متعددة، ووفرة في الموارد البشرية، ذات خلفيات فكرية وثقافية متنوعة.

ففي إحدى جولاته الانتخابية قال الرئيس "أردوغان": "إن السياحة في تركيا هي سبيل لإظهار الكرم الإسلامي، فهؤلاء ضيوفنا وإكرامنا لهم من أخلاقنا " معبراً عن أصالة تلك البلد وحقها علي كل مسلم، وضاربا بذلك المثل في الكرم والأخلاق مع إخوانه من العرب والمسلمين؟ فقد فتح بلاده لملايين السوريين الذين ضاقت عليهم أرض إخوانهم العرب، فكان لتركيا النصيب الأكبر من اللاجئين على مستوى العالم ، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك ،إلى أقسي شرق أسيا، حيث الإبادة الجماعية لمسلمي الروهينجا ،بتقديم كافة المنح الإنسانية لهم وإدانة ما يتعرضون له من قتل وتهجير، في حين لم نر دولة عربية واحدة شجبت أو قدمت لهم شيء، وفي فلسطين فحدّث ولا حرج ،فقد كانت حاضرة دوما بالمساعدات الإغاثية والمواقف السياسية تجاه العدوان الإسرائيلي خاصة على قطاع غزه، وكلّفها ذلك فقدان عشرة من أبنائها كانوا على أسطول الحرية الذي ذهب لكسر الحصار عام 2010، وعندما أعلن ترامب عن تهويد القدس، أسرعت بعقد جلسة طارئة لمنظمة التعاون الإسلامي لرفض القرار وإدانته، وصرح الرئيس أردوغان بقوله " من يبيع القدس سيهون عليه بيع إخوانها، فالمقدسات لا تتجزأ ،والبيع سيكون سهلا ما دامت الفكرة جاهزة ولها دعاتها، فإن لم نستطع حماية القدس فلا يمكننا النظر بثقة إلي مستقبل مكة " هكذا قال ولله دره، ففي الوقت الذي تدنس فيه بعض البلاد العربية نفسها بالتطبيع العلني مع الكيان الصهيوني، نرى تركيا تحاول أن تغسل نفسها من إثم الماضي، بخلع رداء التطبيع مع إسرائيل بالتدرج، لاسيما وأن ورائها رأي عام كاره لذلك الكيان المجرم.

نراه دائماً يتقدم الصفوف في الدفاع عن الاسلام والمسلمين، فحين اجتمعت بعض الشخصيات الفرنسية وطالبت بحذف آيات من القرآن، هاجمهم بكل شجاعة، قائلاً : من أنتم حتى تطالبون بحذف آيات من القرآن؟ نحن نعرفكم فأنتم حقيرون، ثم قال لهم :"هل سبق لكم أن قرأتم كتب الإنجيل والتوراة؟ إذا قرأتموها فربما ترغبون في حظر الإنجيل".

وفي النمسا، حين أغلقت بعض المساجد وطردت عدد من الأئمة، ندد بذلك، وقال: أخشى أن تتسبب النمسا في حرب بين الهلال والصليب، ثم قال : هل تعتقدون أننا سنقف مكتوفين حيال ذلك؟ هذا يعني أنه سيتوجب علينا القيام بشيء ما" وفي خطاباته في الأمم المتحدة، دائماً ما تضج القاعة بكلماته النارية، التي عجز الكثيرون عن النطق بها، حين طالب بأن يكون هناك مقعد دائم لدولة مسلمة بين الدول الخمسة في مجلس الأمن، وقوله إن العالم أكبر من خمسة، في إشارة منه أنه لا يحق لخمس دول فقط أن تتحكم في مصائر الشعوب، وتتلاعب بقضاياها وفقاً لتصورتها وأجندتها الخاصة، عهدناه شجاعا في تصريحاته غير هيّاب، خبرته السياسية فضحت الدور المشبوه لكثير من الأنظمة العربية، عزز مكانة تركيا بإنجازاته ويطمح بعد نجاحه في الانتخابات أن تكون من أقوى دول العالم عسكريا واقتصاديا.  

 قد يراني البعض متحيّزا له حين أصفه بنجاشي العصر ويتهمني بالتعصب الشخصي، لكن الواقع أكثر نطقا من الكلمات المنمقة أو المدح المبالغ فيه، وليس من المرؤة أن نبخس الناس أقدارهم ونُنزلهم ما دون منزلتهم، وهذا ما تحتمه علينا ضمائر وأقلامنا، أن ننطق بالحق حتى وإن لم يروق ذلك للبعض، ونضع كل شخص في مكانه الذي يستحق، فلست أكثر فهما ودراية من السياسي الماليزي الكبير أنور ابراهيم حين قال " إن الرئيس أردوغان من أكثر زعماء العالم الإسلامي فاعلية وتأثيراً، حيث يبذل جهودا حثيثة لإحلال الحرية والسلام في الشرق الأوسط "   

إن تركيا على أعتاب حدث تاريخي، وخطوة من ميلاد جديد، وهذا ما يجعل المتربصون بها علي أهبة الاستعداد، لتقويض تلك الولادة العسرة التي سوف تخلق دولة بملامح جديدة وسياسات مختلفة، لا تعرف تبعيّة ولا وصاية، بل هيبة وسيادة تحن إلى ماضي المجد والانتصارات، فيوم الأحد القادم سيخرج الشعب التركي، يلبي نداء جذوره الطيبة.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس