إبراهيم كالن - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

خلال  الأسابيع الأخيرة تصدرت سوريا اهتمام العالم من جديد، بيد أن هذا الاهتمام لا يرجع إلى أسباب صائبة. وإذا كانت الجماهير الغربية قد سئمت وملت من الحرب الأهلية السورية التي دخلت عامها السابع، فإن هناك كثيرا من المخاطر التي لا يمكن لأي طرف أن يتجاهلها، ذلك أن نظام بشار الأسد الدموي الذي شرد ملايين مواطنين السوريين، وقتل مئات الآلاف من الأبرياء وعذب المعارضين، يسعى اليوم إلى جلب الموت والدمار إلى إدلب. وتعد هذه المنطقة ذات أهمية خاصة لا لأنها  تقع على الحدود السورية مع تركيا، ومن ثم على حدود الناتو فحسب، بل بسبب المخاطر الإنسانية المحتملة. وإذا نجح النظام في استهداف المنطقة بحجة محاربة الجماعات الإرهابية التي تعمل هناك، فإن ما يصل إلى ثلاثة ملايين شخص، من بينهم كثيرون ممن لجؤوا إلى إدلب بعد إجبارهم على الفرار من مناطق أخرى من سوريا، سيصبحون مشردين.

وفي سياق النقاش حول إدلب، تعمل الجماعات الإرهابية، بما فيها داعش والقاعدة، على إعادة تنظيم نفسها في شكل خلية تمرد في سوريا والعراق. وعلى الرغم من أن المسؤولين الغربيين سارعوا إلى إعلان النصر على الإرهابيين في منطقة النزاع، فليس سرا أن هؤلاء المسلحين ما يزالون يشكلون تهديدا خطيرا للسلام والاستقرار الإقليميين. ومما زاد الطين بلة أن الأزمة المتفاقمة في إدلب يمكن أن تتسبب في تحديات إضافية لجهود مكافحة الإرهاب على الأرض.

في السنوات الأخيرة، كانت تركيا من بين البلدان القليلة في جميع أنحاء العالم التي اتخذت خطوات حقيقية وموجهة نحو تحقيق نتائج ضد إرهاب داعش. وعلى الرغم من أن بلادنا أصبحت هدفاً لانتقادات جائرة واتهامات باطلة روجت لها بعض الحكومات الأجنبية بهدف إيكال أمر الحرب على الإرهاب إلى القوات التركية، فقد كنا عضوًا نشطًا في التحالف العالمي في الحرب على التنظيم، والرئيس المشارك لمجموعة عمل مكافحة داعش. ومنذ عام 2015 نفذت قوات الأمن التركية مئات العمليات ضد مقاتلي داعش والخلايا النائمة والمقرات الآمنة، مع التركيز على الحدود البرية التركية مع سوريا والعراق. ونحن مصممون على اتخاذ الخطوات اللازمة لمنع داعش من إعادة بناء نفسها.

تمثل جهودنا الدبلوماسية لوقف سفك الدماء الوشيك في إدلب والتوسط إلى اتفاق لوقف إطلاق النار من أجل تسهيل التعرف على المقاتلين الخطرين وإبعادهم من المنطقة، خطوة مهمة نحو تحقيق هذا الهدف. وقد أكد الرئيس، رجب طيب أردوغان، بنجاح على هذه النقطة، خلال مناقشة صريحة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني حسن روحاني في طهران الأسبوع الماضي. كما حث الرئيس في مقالة نشرتها صحيفة وول ستريت جورنال، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على دعم جهوده لمنع الأزمة الإنسانية القادمة في سوريا. وفي إطار مساعيه الدبلوماسية لإيجاد حل ملموس لأزمة إدلب، سيلتقي الرئيس أردوغان الرئيس بوتين يوم الاثنين.

على أنه يجب على الغرب أيضاً أن يأخذ في الحسبان أن الإبادة المقصودة للمعارضة المعتدلة بجانب المقاتلين الإرهابيين، ستزيد من تطرف الجماعات المحلية في النهاية. نعرف جميع إلى أين يقود هذا الطريق، فمثلما مهدت الجهود البائسة التي بذلتها واشنطن للقضاء على  تنظيم القاعدة، إلى صعود داعش والجماعات المتطرفة الأخرى في سوريا والعراق، يمكن للخطوات الخاطئة التي تبذل اليوم أن تلهم الجيل القادم من الإرهابيين. ومن الأهمية بمكان أن نلاحظ أن الجماعات المتطرفة سوف تركز بشكل أكبر على التطرف عبر الإنترنت وهجمات الذئاب المنفردة. وحتى نتجنب دفع ثمن باهظ في المستقبل، يجب على المجتمع الدولي أن يدعم حلا سياسيا شاملا وجامعا للحرب الأهلية السورية، يعالج الأسباب الجذرية للإرهاب ويقيم المؤسسات الضرورية لبناء ودعم نظام ديمقراطي وتمثيلي.

ستزيد موجة كبيرة أخرى من الهجرة من تعقيد الحالة الإنسانية. وليس من الصواب أو العدل وضع العبء ككل على أكتاف تركيا، بل يجب على العالم مساعدة تركيا بطرق ملموسة لمنع وقوع كارثة إنسانية أخرى. وهذا يتطلب مشاركة سياسية جادة مع جميع أصحاب المصلحة.

عن الكاتب

إبراهيم كالن

الناطق الرسمي باسم الرئاسة التركية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس