ترك برس - الأناضول

العبور على جسر "غالاطة" الشهير بمدينة إسطنبول التركية، أشبه بالغوص في أعماق لوحة معلقة بين السماء والأرض.

فمشهد الغروب حين تبدأ الشمس بالانغماس خلف الأبنية القديمة، يصنع مع مشهد الصيادين وهم يصطفون على طول الجسر، يمدّون صناراتهم إلى البحر، مملكة للعشاق والذكريات.

يقع الجسر على خليج "القرن الذهبي" بإسطنبول، وهو أول جسر يمر عبر الخليج، ويربط جزئي المدينة الأوروبية، عند نقطة تلاقي مضيق البوسفور مع الخليج، ما يمنحه موقعا استراتيجيا، وأروع إطلالة في المدينة.

الجسر الذي يربط منطقتي "قره كوي" و"أمينونو" بإسطنبول، يصنف على أنه من أبرز معالم المدينة، وهذا ما يجعله قبلة لأي زائر يود استكشاف المدينة والتمتع بسحرها الذي لا ينضب.

فمن فوق الجسر، يتم العبور فوق خليج القرن الذهبي، والاستمتاع بالإطلالة الخلابة للبوسفور والجانب الآسيوي للمدينة.

ونظرا لحيويتها، تستقطب المنطقة التي يقع فيها الجسر، يوميا، مئات الآلاف من الأشخاص، بين زائر وسائح ومسافر، ممن يجذبهم سحر المكان، وحركة المراكب التي لا تهدأ، وهي تنقل المواطنين بين موانئ المدينة، وتجول بالسائحين في عرض المياه الزرقا الصافية.

ويتميز جسر "غالاطة" أيضًا بكونه معبر للذكريات، ففوقه، لا يمكن للزائر تفويت فرصة توثيق اللحظة بصور أو فيديوهات يتقاسمها مع أصدقائه. صور توثق لإطلالة فريدة من نوعها على برج غالاطة، وجسر "شهداء 15 تموز"، والتلال المحيطة، فضلا عن المساجد الكبيرة، والقصور الفخمة التاريخية.

وفي الوقت الذي تنتشر فيه مطاعم السمك على طول الطابق السفلي من الجسر، يصطف الصيادون بانتظار ما يجود به البحر عليهم من سمك يستمتعون بتناوله أو تقديمه في وجبات شهية لزوار المكان.

ومن الجانب الروحي إلى اللوجستي، يمثل الجسر أيضا ممرا هاما لمن يود الانتقال من إسطنبول القديمة وخاصة منطقة "الفاتح"، باتجاه أحياء "تقسيم" ومنطقة "بيه أوغلو" و"بشيكطاش"، حيث تمر السيارات جنبا إلى جنب مع المشاة وعربات الترام الحديثة.

ولعل الإطلالة المميزة والجهات التي تربطها، ومنظر الأسماك التي تلتقطها الصنارات، وتقدمها صحون المطاعم، وسندويتشات البائعين، تظل من أهم مميزات الجسر، وأبرز سماته التي تدعو زائري المنطقة لتخليد تلك اللحظات السعيدة.

بني الجسر للمرة الأولى عام 1845، على شكل جسر خشبي، لكنه انهار بسرعة، ليتم تجديده بشكل متتابع، وصولا إلى وضعه الحالي، ولأنه خشبي كان يمنع التدخين عليه سابقا، قبل تحوله لجسر إسمنتي.

ويبقى الجسر معلما من أبرز سمات إسطنبول المخضرمة، تلك المدينة التاريخية والمعاصرة في آن واحد، والتي تنصهر فيها جميع الحقبات وتمتزج لتشكل صفحات كتاب ثري، يشكل جسر "غالاطة" أهم فصوله.

فصل ينبض على إيقاع الذاكرة الجماعية المخضبة بالتفاصيل الساحرة والمعطيات المثيرة للفضول، تجعل من الصعب على المرء تجاهل زيارة الجسر المعلق في الفضاء، وإن فعلها مرة، فالمؤكد أن سحر المكان سيدفعه لتكرارها مرارا.

 

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!