سلجوق ترك يلماز – صحيفة يني شفق – ترجمة وتحرير ترك برس

يتألف اتفاق الجمهور بشكل رئيس من حزب الحركة القومية وحزب العدالة والتنمية، وفي جميع الأحوال تم الوصول إلى هذا الاتفاق بمبادرة من الرئيس التركي أردوغان وزعيم حزب الحركة القومية "دولت باهتشيلي"، وقد بدأ العمل الجماعي في إطار المحور القومي عقب محاولة انقلاب 15 تموز/يوليو، وذلك على الرغم من وجود اختلافات كبيرة بين وجهات نظر أطراف اتفاق الجمهور، ويجدر بالذكر أن اتفاق الجمهور في مراحله الأولى قد تأسس للوقوف في وجه العوامل التي تهدد المصالح القومية للبلاد، لكن توضّح فيما بعد من خلال تصريحات أردوغان وباهتشيلي أن الاتفاق يتضمّن مواقف مشتركة دائمة، وبالتالي يمكن القول إن اتفاق الجمهور عبارة عن مواقف على المدى الطويل، وذلك بدوره يشير إلى نموذج جديد في وجهات النظر، ويُعتبر هذا العمل الجماعي أهم من الالتزامات والمسؤوليات على المدى القصير على الرغم من أن تركيا ليست مُعتادة على مثل هذه التطورات.

تأسست العادات الأيديولوجية التقليدية في تركيا بناء على مفاهيم الصراع والنزاع، وكذلك إن أساليب التصرّف التي طوّرها المثقفون الأتراك استلهاماً من مصادر غربية هو ناتج عن ثقافة الصراع أيضاً، ولذلك نحن لا نتحدث عن مواقف محليّة متعلّقة بالمشاكل التي تواجهها تركيا عقب انهيار التوازن العالمي المؤلّف من قطبين رئيسين فقط، وفي السياق ذاته لم تكن محاولات البحث عن تغييرات جديدة والتي بدأت في تركيا منذ سنة الـ 2000 إلى الآن صادرة عن المثقفين الأتراك، لأن المثقفين الأتراك يعطون الأهمية لمعارضة الحكومة كردة فعل تقليدية، وبالتالي لا يكون معتاداً على تطوير أسلوب تفكير محلي أو خاص به.

لقد تحدّثت مسبقاً حول أسلوب تفكير جديد لم يكن ناتج عن قضية تنظيم الكيان الموازي، وأكدنا على أهمية أسلوب جديد في التفكير يتعلّق بالمنظمات التي لا ترتبط بالدولة التركية، ونظراً إلى أن المثقفين الأتراك معتادون على انتقاد سياسة الدولة التركية فهم لا يبحثون عن طريقة تفكير شخصية متعلّقة بالمنظمات المستقلة عن الدولة، في حين أن هذه المنظمات عبارة عن مشهد نضطر لمواجهته منذ عهد الدولة العثمانية إلى الآن، وفي الواقع تُعتبر المنظمات المذكورة مشكلة بنيوية، وفي هذا المجال فإن وجود اختلافات بين موقف الدولة والموقف الذي يُفترض أن يكون واضحاً على الصعيد الشعبي هو أمر طبيعي جداً، لكن لا يمكن إنكار أننا نواجه مشكلة هامّة جداً في إطار المواقف الشعبية.

بدايةً يجب أن نذكر أنّ المنظمات المستقلة عن الدولة التركية بدأت بالظهور عقب بداية مرحلة تأسيس العلاقات بين تركيا والغرب بناء على محور الارتباط والاعتماد على الأخير، وكذلك إن المؤسسات التي تؤمن بأنها مٌدينة لمصادر غربية بوجودها السياسي والاقتصادي والثقافي والإيديولوجي تدخل ضمن مجال المنظمات المرتبطة بالغرب أيضاً، نحن نتحدث عن شبكة علاقات يقودها الغرب، ولا يمكن للمنظمات المرتبطة بالغرب أن تقوم بأي فعالية بناء على إرادتها الشخصية بسبب وصول تأثير الغرب لدرجة أن هذه المنظمات تعتقد أن الغرب هو السبب في وجودها، وفي الوقت نفسه إن شبكة العلاقات المذكورة تُنتج نفسها بنفسها لأنها ظهرت بقابل لمرحلة جدلية، وكذلك يمكن تسمية سلسلة هذه العلاقات بالدائرة الفاسدة.

وفي سياق آخر إن قيام المنظمات التي تُنتج نفسها بنفسها وبطبيعة الحال المثقفين الأتراك الناتجين عن هذه المنظمات ضمن إطار شبكة العلاقات المذكورة بتوجيه الانتقادات للدولة التركية من أجل الهروب واتخاذ موقف بعيد عن تحمّل المسؤولية فيما يخص تنظيم الكيان الموازي عقب محاولة انقلاب 15 تموز/يوليو هو أمر هام جداً، وهذا المفهوم يشمل جميع المجموعات الأيديولوجية، لأن عدم شعور الشخص بأن الاختيارات الأيديولوجية وبالتالي الانتقادات الموجّهة للدولة التركية تكون موجّهة له أيضاً في إطار المسؤولية الشخصية هي مشكلة رئيسة في وقتنا الحالي، ولذلك إن المواقف الحيادية أو الانتقادية التي ظهرت في إطار اتفاق الجمهور مُلفتة للانتباه إلى درجة كبيرة.

إن العوامل الأبرز في ظهور اتفاق الجمهور على هيئة تضامن إلزامي هو محاولة انقلاب 15 تموز/يوليو المدبّرة من قبل تنظيم الكيان الموازي وأحزاب بي كي كي والاتحاد الديمقراطي الإرهابية التي تُعتبر تهديداً شاملاً بالنسبة إلى وجود الدولة التركية، ويجدر بالذكر أن وجود علاقات وجودية بين مصادر التهديد المذكورة وبعض الدول مثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا تمثّل مسألة أمنية بالنسبة إلى الدولة، لكن من الواضح أن هذه الطريقة ستلد حلاً على المدى القصير فقط، وهذا هو السبب الرئيس في زعزعة اتفاق الجمهور خلال فترة قصيرة، في حين كان من المفروض أن تبدأ مراحل ومبادرات اجتماعية من أجل توضيح ضرورة وأهمية إلزامية اتفاق الجمهور والتضامن معه في هذا الصدد، لأن طبيعة العلاقات المرتبطة بجهة ما تعود بالفائدة لطرف واحد فقط.

لا يمكننا التحدّث عن الوصول إلى مراحل ومبادرات اجتماعية مؤثرة جداً،  وهذا هو السبب الرئيس في ضعف التضامن السياسي، وهذا الضعف ليس ناتجاً عن اختلافات أيديولوجية، بل هو عبارة عن عدم القدرة على الحركة بسبب قوة المنظمات المرتبطة بالغرب، وبالتالي يمكن القول إن نقاط الضعف التي كانت تعاني منها بعض مؤسسات الدولة قبل محاولة انقلاب 15 تموز/يوليو أصبحت موجودة لدى بعض المؤسسات الاجتماعية أيضاً، وبالتالي إن كثرة الجهات التي شعرت بالراحة نتيجة تزعزع اتفاق الجمهور تشير إلى النقص الكبير في فعاليات المراحل الاجتماعية.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس