حسين يايمان – صحيفة وطن – ترجمة وتحرير ترك برس

لم يسألوا أنفسهم ولو لمرة واحدة لماذا يحصل ذلك معهم، فهم لا يرون ولا يسمعون ولا يفكرون، ربما رُبط على قلوبهم وعقولهم. يستغرب المرء عند النظر إلى الأحداث التي جرت في العام الأخير، فأنا كنت دائما ما أتحدث إلى نفسي، وأسال نفسي وأناقشها، وأحاول أنْ أفهم، لكنني لم استطع حل اللغز.

كتبت فيما قبل، كنت قد حضرت حشدا من الناس في محافظة "أوردو" يتابعون اردوغان، قبل أن تحدث 25 ديسمبر، كان التاريخ 17 ديسمبر، وبرغم أنّ خطاب اردوغان كان في المساء، إلا أنّ الحضور تجاوز 20 ألف، والكل هناك، المهنيون والحرفيون والمتعلمون والتجار وعامة الشعب، كانوا ينظرون إلى اردوغان وإلى خطابه بدهشة، محاولين فهم ما يحصل.

كانت الجموع مزدحمة والشوارع مكتظة، وكانت المشاعر العاطفية تغطي الأجواء كلها، فمن جهة يفكرون بغولن الذي وهبوه أموالهم وأطفالهم وآمالهم ومحبتهم، ومن جهة أخرى يتابعون اردوغان الذي يشاركهم آمالاهم وآلامهم وتطلعاتهم، وعندما تحدثت مع الناس هناك كانوا يتمنون أنْ يكون الذي يجري عبارة عن كابوس، متمنين أنْ يستيقظوا منه حتى ينتهي.

سُممت ثقة الناس بأنفسهم

أثناء جولة اردوغان على محافظات البحر الأسود، "أوردو" و"سامسون" و"غيراسون"، خرج فتح الله غولن بالدعاء عليه وعلى حزبه، وحينها بدأ الناس بالسؤال :"هل الفيديو الذي شاهدناه حقيقيا؟ هل فتح الله غولن مَن يدعو بهذه الطريقة؟"، وكنا جميعا مصابون بالدهشة والحيرة ولا نستطيع أنْ نجيب على هذه الأسئلة، وبالأمس لخص القصة كلها الكاتب "إحسان كالقافان" عندما كتب مقالة بعنوان "أصبحت بين نارين، أخي الكبير وأخي الصغير".

 تسميم الثقة بجماعة فتح الله غولن، أدى إلى اعتقاد الجماعة بأنها ستكسب صراعها مع اردوغان على السلطة، لدرجة أنهم وصلوا في اعتقاداتهم وتوقعاتهم أنّ اردوغان سيخسر الانتخابات المحلية، ولن يفوز بانتخابات رئاسة الجمهورية، وذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك ليتوقع مغادرة اردوغان للبلاد بعد تلك الهزائم.

ثم تصرفوا بردود فعل قاسية وتصرفات غير ملائمة تجاه كل التحذيرات التي كانت تصلهم عن حُسن نية، لكنهم أداروا ظهورهم لها وتوقعوا انقسام حزب العدالة والتنمية وبعدها سيتم تصفية اردوغان، ولكي يكسبوا صراعهم مع اردوغان قاموا بالتصويت لحزب الشعب الجمهوري المعارض.

ركزوا على هدفهم ونظروا بنظرة استهزاء على كل التحذيرات التي خالفت توقعاتهم، فلم يعيروا التحليل الذي أجراه "روتشن تشاكر" الذي لا ينتمي لهذا ولا لذلك، والذي عنون تحليله بعنوان "حرق السفن في منتصف البحر"، كما أداروا ظهورهم للكتاب المحايدين والديمقراطيين أمثال "أحمد تاشقتيران" و"علي بيرام أوغلو"، حتى إنهم لم يستمعوا لأحد كتابهم عندما توقع غير ذلك، وهو الكاتب "حسين غولرجه".

ماذا حصل في النهاية؟

كل مشاريعهم المتعلقة باردوغان وبالسياسة كانت خاطئة، حيث لم يمر أكثر من عام على محاولة الانقلااب، إلا أنّ الجماعة تعرضت لجرح غائر وعميق، لأن الشعب الذي عاش حالة من الحيرة والقلق الذي وصفته في الأعلى، هو من أصدر القرار، ليفقد غولن وجماعته ثقة سكان الأناضول الذين كانوا هم السند الأساسي له ولفكره، وأما الخسائر المادية للجماعة فلا داعي للحديث عنها وليست هامة لأنه بالإمكان تلافيها.

في نهاية العام أصبحت الجماعة أمام مرحلة ستفقد فيها كل شيء، فلتفكروا معي قليلا، كل هذه الضربات والجروح العميقة التي تعرضت لها الجماعة كان خلال عام فقط، فكيف ستكون أمورهم على المدى المتوسط والبعيد؟ ودعوني أعيد كتابة ما قلته في أول أيام الخلاف، المسألة خرجت عن كونها صراع اردوغان-غولن، فجماعة غولن اليوم هي عنصر تهديد للأمن القومي التركي، لهذا الجمهورية التركية هي من قررت في النهاية.

فشلت جماعة غولن في تحقيق الانقلاب، وفشلت في إسقاط اردوغان، وفشل تمسكها بالانقلاب حتى بعد فشل محاولتهم الأولى، لهذا ستكون نهاية جماعة غولن كنهاية الانقلابيين الفاشلين، وليتفكر فتح الله غولن الذي يحب العمل الاستخباراتي،  من الذي خدعه وضلله؟

نهاية محاولة الانقلاب وصلنا إليها بتاريخ 20 ديسمبر عندما نزل اردوغان إلى الميدان، لكنهم لم يريدوا رؤية ذلك، وحتى لو إنهم بقوا متمسكين بتقديم مشاريع وخطط جديدة من أجل المحافظة على قاعدتهم من الانفلات منهم، إلا أنهم فعليا خسروا صراعهم مع اردوغان.

عن الكاتب

حسين يايمان

كاتب في صحيفة وطن


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس