حسن بصري يالتشين – صحيفة صباح – ترجمة وتحرير ترك برس

لا توجد قوة غير محدودة في مجال السياسة العالمية، إذ يوجد بديل لكل جهة وكل اختيار، تحدد الدول اختياراتها وأولوياتها الاستراتيجية في جميع الخطوات التي تتخذها، وصبّ التركيز بأكمله على مجال معيّن سيؤدي إلى فقدان المجالات الأخرى، ولذلك إن الضغط على دولة ما يعني فتح المجال أمام دولة أخرى، وقد تضطر الدول للتخلي عن هدف من أجل الوصول إلى هدف آخر.

أمريكا هي العامل الأقوى في إطار السياسة الدولية ولكنها ليست غير محدودة، وتضطر لتحديد اختياراتها وأولوياتها في كل خطوة تتخذها، وتنعكس نتائج هذه الاختيارات على واشنطن بشكل مباشر، وتضطر للتخلي عن هدف من أجل الوصول إلى هدف آخر، والأمر يجري في هذا المنوال سواء كانت أمريكا تشعر أو لا تشعر بذلك، وإذا كانت الأخيرة لا تشعر بالواقع المذكور أو تتجه نحو أهداف عديدة في وقت واحد فذلك سيزيد من احتمال خسارة أمريكا لأغلب أهدافها.

على سبيل المثال لا يمكن لأمريكا الدخول في نزاع ضد روسيا والصين وإيران وأوروبا وتركيا في آن واحد، وكذلك لا يمكن لأمريكا الضغط على العراق وإيران وتركيا والسعودية في آن واحد، ربما تعتقد أمريكا أنها تفعل ذلك، ولكن نظراً إلى أنها ستضطر للتركيز على جهة واحدة في نهاية اليوم فإنها ستعجز عن الضغط على باقي الجهات، وإذا استمرت أمريكا في هذا الموقف اللامبالي ستجد نفسها وحيدة ومعزولة عن العالم في نهاية المطاف.

لا يمكن ألا يتغيّر موقف أمريكا تجاه تركيا نظراً إلى الحصار الأمريكي لإيران، إذ تحاول أمريكا الضغط على تركيا منذ مدة طويلة، ويمكن لها أن تجرح تركيا ولكنها لن تستطيع إخضاعها، وفي جميع الأحوال يمكننا رؤية أن واشنطن تتخذ بعض الخطوات من أجل خفض مستوى التوتر الذي ارتفع بلا داع، وبالتالي يمكن القول إن أمريكا تبادر بالبحث عن طريقة لإعادة العلاقات إلى مجراها الطبيعي، وهناك بعض الشكوك حول المدة التي تحتاجها واشنطن لتطبيق المبادرة المذكورة، لكن من المؤكد أن هذه المدة تتعلّق بمسألة إيران بشكل مباشر.

إن فرض عقوبات اقتصادية على إيران يحتاج إقناع باقي الدول بنسبة كبيرة، ولذلك إن أمريكا ستضطر لإقناع الدول الشريكة لإيران في مجال التجارة، ولفعل ذلك هناك طريقتان أمام واشنطن، الطريقة الأولى هي التشجيع والثانية هي التهديد، وفي جميع الأحوال من المعروف أن أمريكا تلجأ لأسلوب التهديد منذ مدة طويلة، بل ويمكن القول إن أمريكا استعملت هذا الأسلوب لدرجة كبيرة أدت إلى انقلاب السفينة على الملّاح، إذ أدركت واشنطن أنها لا تستطيع إقناع تركيا بالتهديد، ولهذا السبب بدأت بالبحث عن طريقة لإعادة الأمور إلى طبيعتها.

تُعتبر مصادر الطاقة المسألة الأهم بالنسبة إلى تركيا في إطار الحصار المطبّق على إيران، إذ تستورد أنقرة كميات كبيرة جداً من مصادر الطاقة من إيران، ولذلك لا يمكنها الموافقة على منع علاقاتها التجارية مع إيران، وبناء على ذلك تتخذ أمريكا خطوة جديدة في الصدد المذكور، إذ سيتم إعادة تأهيل خط النفط الذي يصل بين مدينة كركوك العراقية وميناء جيهان التركي ليعود للعمل مرة أخرى بعد انقطاع سنة كاملة، وبذلك ستُرسل الحكومة المركزية العراقية النفط إلى تركيا بشكل مباشر.

لقد توقّف برزاني منذ خسارته لمدينة كركوك إلى الآن، وتحاول أمريكا إقناع بغداد وتركيا معاً من خلال تفعيل خط النفط، وبذلك ستكسب بغداد من جهة، وستحصل تركيا على موارد طاقة بديلة من جهة أخرى، بل وضغطت أمريكا على برزاني في سبيل إقناع تركيا وبغداد، أي إن برزاني سيكتفي بالجلوس والمشاهدة بينما سيتم نقل نفط كركوك إلى تركيا.

حصلت تركيا على هذه النتائج من دون أن تتخذ أي خطوة في هذا الصدد، وتعدّدت مصادر النفط الوارد إلى تركيا، وبذلك انتهى الأمر بخسارة إيران وبرزاني، وفازت تركيا وبغداد، ومع ارتفاع مستوى جدّية أمريكا فيما يخص مسألة إيران لا بد من أن محاولات التشجيع التي تبادر بها واشنطن ستجد زيادة ملموسة أيضاً، حتى وإن قامت تركيا بتحويل الأمر لصالحها فلن تلبّي توقعات أمريكا بشكل تلقائي، إذ ستستمر المفاوضات بين تركيا وأمريكا مهما حاولت إيران الوقوف في وجه ذلك. وبذلك ستزداد قوة يد تركيا في الساحة الدولية، ويجدر بالذكر أن زيادة الضغط على إيران ستؤدي إلى انخفاض التوتر القائم في إطار العلاقات التركية-الأمريكية.

عن الكاتب

حسن بصري يالتشين

كاتب في صحيفة تقويم


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس