د. زهير حنيضل - خاص ترك برس

مصارحة لا بد منها:

لا مجال إلا للصراحة والمصارحة، فالمنطقة توشك تقع في أتون حرب لن يسلم منها أحد، حرب يشعلها الأمريكي بذات عود الثقاب الذي يشعل به سيجاره الفاخر ثم يرميه استعداداً للفرجة المثيرة .

أساس العلة:

أثبتت الفئة المتفردة بالقرار الثوري السوري أنها فئة سلطوية لا تملك مشروع سياسي، وأنها عبارة عن بائع جوال يدور على الدول ويعرض عليها بضاعته، والبضاعة مسلوبة لا أحقية لهذه الفئة فيها، ألا وهي الوطن سورية وهي غير مخصصة للبيع.

إن مسؤولية أنقرة تكمن في أنها - نتيجة للظروف ومقتضى الحال - لم تصغ للسوريين أهل الثورة الشرفاء، بل اعتمدت - مضطرة - على حفنة من الشخصيات التي تخرجت - بمرتبة امتياز - من مدرسة الابتزاز السياسي، فرأينا مسميات "مجلس وطني" ثم "ائتلاف" ثم "هيئة التفاوض"، وجميعها مسميات لا قيمة لها، مفرغة من المضمون الثوري، عبارة عن ستائر لتمرير بيع سورية - بالتقسيط المريح -  لمن يدفع، ولاحقاً؛ لطعن تركيا في الظهر عبر التحالفات - المعلنة منها وغير المعلنة - مع دحلان وأزلامه، وقد رأينا تصريحات "المحاميد" المرحبة بسيطرة عصابة الأسد على كامل سورية!

المأخذ على تركيا، هو إطلاق اليد لتلك الفئة في الثورة السورية، لذا؛ فإن سحب تلك اليد المطلقة يعني - بالضرورة - سحب الحجة والذريعة من الطرف المعادي الذي يتربص بتركيا ويستغل أدنى خطأ لتحويله إلى حجة ودليل، ذاهباً بذلك بعيداً لما هو أبعد من تصيد الأخطاء إلى البناء عليها ككرة ثلج تستعد لإعلان ساعة الصفر للهجوم، والمتتبع لمجريات الأمور يلاحظ تهافت أعداء الأمس - ظاهرياً - على إعادة افتتاح سفاراتهم في دمشق المحتلة، والوفود الأمنية الاستخباراتية التي باتت علنية، من وإلى دمشق!

الشعب مصدر الشرعية:

الثورة السورية هي أكبر من حزب أو جماعة، وقد عبرت الثورة السورية عن رفضها للمتسلطين عليها، وكذلك رفضها لمؤساتهم الصورية الفاشلة، التي كانت مهمتها التفرد بالقرار الثوري، فظهرت كالبائع الجوال الذي يجوب البلدان عرضاً لبضاعته، غير أن البضاعة مسلوبة لا أحقية لها في عرضها ألا وهي الثورة السورية.

ذاتها الحشود التي رفعت - يوماً ذات أمل - شعار "الائتلاف يمثلنا" عادت بعد خيبة الأمل وضياع المدينة تلو المدينة تهجيراً قسرياً وتغييراً ديموغرافياً لترفع شعار "يسقط الائتلاف وهيئة التفاوض".

الثورة السورية ليست ملكاً لفئة بعينها، تلك الفئة التي لا تملك مشروعاً إلا مشروع التشبث بالكرسي ولو في خيمة نائية، نتيجة عطشها للسلطة، وكأن الشعب السوري قد قام بثورته لتتسلط عليه تلك الفئة وتجعل من ثورته مطية لها لتحقيق أحلامها السلطوية وإشباع رغبتها الجامحة في التجوال على العواصم العالمية عبر قاعات "في آي بي" في المطارات الدولية!

التاريخ مدون، والحقائق لا تموت بالتقادم بل توثّق تأصيلاً لمصداقيتها، ومن يعود للحقائق يجد أن تلك الفئة لم تقدم عبر ما تزعمه من "معارضة" أية مشروع ثوري حقيقي، بل إنها أوغلت في التفريط بثوابت الثورة السورية لدرجة الارتزاق.

منبج وشرق الفرات ومؤامرة دحلان:

منذ أكثر من سنة ونحن نحذر من الفساد والمفسدين في الشمال السوري المحرر، وما يجره هذا الفساد من توليد رأي شعبي رافض لتلك الفئات المفسدة التي أعطت صورة مشوهة عن الثورة، والثورة منها براء.

إن منبج وشرق الفرات تحت مجهر يظهر أدق التفاصيل، فالحواضن الشعبية فيها لا تريد أن تكون كالمستجير من الرمضاء بالنار، فقد دفع أهل تلك المناطق الثمن الباهظ عبر الاحتلالين الداعشي الأسود والآبوجي الأصفر، لذا وبعد ما عانته من ويلات ؛ فإن منبج وشرق الفرات بحاجة لمن يطمئن أهلها بأن القادم أجمل، عدالة وأمان واستقرار وخدمات، لا تسلط  لعصابات سطو مسلح ومفسدين.

تخوض - اليوم - عصابات الهاغانا الآبوجية ماراثون مفاوضات في منبج والقامشلي، مع عصابات الأسد من جهة ومع عصابات دحلان من جهة أخرى، وتستقبل الوفود الأمنية والاستخباراتية، وهي جاهزة للبيع الفوري لمن يؤمن لها المكسب الأكبر، فلا هي صاحبة للأرض ولا هي من صلب شعب هذه المناطق، فلا حرج لديها من البيع بأي ثمن كان، شريطة أن يكون عنوانه "نكاية بتركيا" واستجلاباً لعدو جديد يشكل تهديداً أكبر على أمن تركيا القومي في بقعة جغرافية بالغة الأهمية بالنسبة لأنقرة.

 قامت أنقرة - في الآونة الأخيرة - بحملة كبيرة ضد الفساد في المنطقة الممتدة من جرابلس حتى عفرين، حملة أفضت لاعتقال عدد كبير من المفسدين الذين لم يكونوا ليفسدوا في الأرض لولا أنهم يرتكزون في فسادهم على أولياء أمر لهم يرتدون بزات رسمية وربطات عنق ويقفون بجوار علم الثورة في مؤتمراتهم الصحفية، لا يهمهم مصير البلاد والعباد، جل همهم مصالحهم ومنافعهم الشخصية ولو على حساب ثورة شعب بأكمله.

نداء الفرصة الأخيرة قبل فوات الأوان:

من هنا، أوجه النداء لأنقرة - باعتباري ابن منبج أباً عن جد - بالأصالة عن نفسي، ولعلي أقولها بلسان حال أهل الثورة في منبج وشرق الفرات بأكمله:

أتمنى على أنقرة استدراك الأمر قبل فوات الأوان، ونحن جاهزون للتعاون بما فيه خدمة للثورة السورية وللمصالح المشتركة مع تركيا الجارة والحليف، و إلا فهي نذر حرب بغيضة على أهلنا وأنقرة سواء، لن تبقي ولن تذر ولن يسلم منها أحد، لا ناقة فيها ولا جمل؛ لا للشعب السوري المسكين الثائر لا لأنقرة التي تجد نفسها - اليوم - محاطة بالأعداء من كل حدب وصوب.

عن الكاتب

د. زهير حنيضل

طبيب و أديب و معارض سوري مستقل


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس