محمد قدو أفندي أوغلو - خاص ترك برس

يبدو أن تطويرالعلاقات التركية العراقية هو أحد أهم الاهتمامات الحالية للمسؤولين في الدولتين وعلى أعلى المستويات لما له من أهمية مرحلية واستراتيجية للبلدين وخصوصا في ظل المستجدات الدائمة الدولية وخصوصا في منطقة الشرق الأوسط.

تميزت العلاقات الثنائية بين البلدين منذ نشأتها في بدايات القرن الماضي بالحميمية في أكثر مراحل تلك السنين مع وجود تفاهمات مشتركة حول معظم القضايا التي تهم البلدين مع ظهور بعض الإخفاقات الآنية التي لم تكن تؤثر بصورة مباشرة على مسيرتها.

وأهم ما في تلك المسيرة من العلاقات وبالإضافة إلى كونها علاقات حميمية وعلاقة حسن جوار ووجود علاقات أسرية كثيرة، هي سمو صيغة البراغماتية والتي نستطيع وصفها بالبرغماتية الإيجابية التي تعبر عن شعور حقيقي من الطرفين بالاهتمام بتطوير بلديهما معا وخلق شكل من أشكال التعاون المشترك الاستراتيجي والذي يساير احتياجات البلدين.

بالنسبة للعراق يبدو أنه مهتم ومتفائل جدا بتطوير علاقاته مع تركيا وما الزيارة التي قام بها الرئيس العراقي برهم صالح إلى العاصمة التركية أنقرة إلا تعبير حقيقي عن تلك الرغبة.

ففي ظل العقوبات الاقتصادية الأميركية ضد إيران وضد مؤسساتها الاقتصادية المالية أصبح لزاما على الحكومة العراقية التوجه نحو الجارة تركيا، والتي تمتلك إمكانات هائلة تتنوع بين الصناعات المختلفة ووجود شركات كبيرة تتولى عمليات إعادة البناء وتأهيل المنظومات الاقتصادية والمعامل وإعادة إعمار البنى التحتية الخدمية والإنشائية والصناعية والزراعية والإروائية وغيرها التي هي بأمس الحاجة إلى تأهيلها لدفع عجلة التقدم والبناء في العراق.

وكذا الأمر بالنسبة إلى تركيا فهي تسعى إلى البحث عن مزيد من الاستثمارات الاقتصادية خارج تركيا سواء كانت عن طريق قيام الشركات التركية بالدخول في عملية إعادة الإعمار وتطوير المنشآت الاقتصادية والإنمائية وبناء المعامل وإنشاء المجمعات السكنية والطرق والجسور وسكك الحديد والمشاريع الإروائية والسدود وشبكات الري المختلفة.

هذه بالمحصلة تعني الحاجة الماسة والسريعة لتطوير تلك العلاقات بين البلدين مع التأكيد على عدم وجود أية معضلة من الطرفين تتسبب في منع تطويرها أيدولوجيا وسياسيا واجتماعيا.

المباحثات التي أجريت بين البلدين في زيارة الرئيس العراقي الأخيرة إلى أنقرة أفرزت نتائج إيجابية بدليل أن الطرفين اتفقا على عقد اجتماع اللجنة العليا المشتركة في أقرب فرصة، وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيسان بعد انتهاء مباحثاتهما أشارا إلى ذلك، كما أشار الطرفان إلى وجود مسألتين مهمتين لا زالتا عالقتين في مباحثاتهما ويسعيان بكل جدية إلى إنهائهما بصورة عاجلة لأنهما أخذتا وقتا إضافيا دون إيجاد حلٍ مُرضٍ للطرفين.

الطرف العراقي والذي يبدو بأنه غير راضٍ عن تأجيل مسألة تحديد كمية المياه التي تطلق من الجانب التركي لنهر دجلة بالذات باعتبار أن البلدين هما فقط اللذين يستفيدان منها وهذه المسألة عادة تكون موجودة كورقة بحث في كل اللقاءات التي تحصل على مستوى الوزراء ولكن الجانب التركي يحاول تأجيل النقاش حولها وبدلا من تحديدها تلبي تركيا كل طلبات الجانب العراقي في تأجيل أو زيادة الحصة المائية تبعا لاحتياجات الجانب العراقي، وكما حدث ذلك لعدة مرات.

في هذه الناحية يؤكد الجانب التركي بأن الكمية أو كمية الحصة التي يحصل عليها الجانب العراقي كافية وربما تزيد عن احتياجاته في ما لو اتبع العراق سياسة مائية وإروائية حديثة كالري بالتنقيط والرش وعدم الاستمرار بالطرق القديمة في السقي والرّي والتي تهدر كثيرا  من المياه إضافة إلى السيطرة على البحيرات الاصطناعية لتربية الأسماك المنتشرة بصورة واسعة ووضع ضوابط وسياسة مائية لتلك المشاريع خوفا من الهدر غير الأمثل والمجدي وتأثير ذلك المباشر على مستوى نقاوة المياه وكميتها وخصوصا لمناطق وسط وجنوب العراق.

وبأعتقادي فإن تلك المشكلة ستكون أقرب إلى الحل فيما لو قامت الدولتان بإنشاء مشاريع ريّ مشتركة ومن ضمنها إنشاء السدود وكذلك بإنشاء شبكات السقي الحديث المشتركة أيضا، لأن الجانب التركي سيضطر إلى تلبية متطلبات شركاته من المياه وخصوصا لو أقيمت مشاريع لتربية الأسماك ومزارع كبيرة مشتركة في حال تأجل النظر مرة أخرى في تحديد كمية المياه المطلقة، أي على الأقل سيضمن الجانب العراقي وصول كميات كافية من المياه لأراضيه، والجدير بالذكر أن الجانب التركي يدعي دوما أن الكمية المطلقة تكفي في الظرف الحالي وبالصيغة المعمول بها في السقي الآن.

المسألة الأخرى التي تحاول تركيا إنهاءها هي مسألة وجود معسكرات ومقرات لحزب العمال الكردستاني داخل الأراضي العراقية:

أ- توجد بعض مقراته ومعسكرته في جبال قنديل الخاضعة لسلطة إقليم شمال العراق.

ب- يتواجد بعضها الآخر في مناطق سنجار ومخمور وهي تقع تحت سيطرة الحكومة المركزية.

من الطبيعي أن العراق أيضا وعلى لسان أكثر مسؤليه يندّد بتواجد تلك الفصائل داخل الأراضي العراقية مثلما يستنكرون قيام تلك العصابات بمهاجمة الأهداف داخل الأراضي التركية انطلاقا من أراضيها.

إن مكافحة وتحجيم تلك المنظمة الإرهابية سيكون تبعا لوضعها وموقعها حيث سيكون للسلطة المركزية دور مباشر في مناطق مخمور وسنجار دون تدخل خارجي حفاظا على الاستقرار في الشأن الداخلي، أو ستكون بصورة تعاون مشترك للقوات العراقية والتركية داخل منطقة قنديل وحسب ما طرحه أحد الباحثين في تحليله لوضع حزب العمال الكردستاني في الأراضي العراقية.

إن التعاون الحقيقي والمخلص وارد جدا في أذهان مسؤولي الطرفين وهذه هي أهم متطلبات المرحلة القادمة في علاقات البلدين الجارين لتطوير مسيرة البناء والتطور الاقتصادي بينهما.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس