خير الدين قارامان – صحيفة يني شفق – ترجمة وتحرير ترك برس

يوجد العنف عندما لا يتم إعطاء التعليم اللازم للإنسان الخام، والذي يتمثل بالنفس، فالنفس حينما تولد، تولد على الفطرة، لكن الإسلام هو من يغطيها ويحافظ عليها، لأن النفس أمارة بالسوء، كما قال الله عز وجل على لسان سيدنا يوسف ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ سورة يوسف آية 53.

لهذا فإن النفس البشرية تميل إلى شهواتها (احتياجاتها البدنية والجنسية)، وهكذا يتم تغطية الغضب بالشجاعة، وتغطية الشهوة بالعفة، أو يتم تحويل الغضب إلى عنف، والشهوة إلى عنف ووحشية.

هل العنف وُجد في عصرنا هذا فقط؟ بالتأكيد لا، فقد قتل أحد ابني آدم الآخر بغير حق بسبب الغيرة، كما عبر عن ذلك القرآن الكريم في سورة المائدة، ولهذا فإن العنف موجود على مر تاريخ الإنسان الطويل، فقُتل المدنيون في الحروب، كما قُتل الأطفال والأبرياء وأريقت دمائهم.

وإذا كانت الأديان الحق لم تقض تماما على العنف، إلا أنها كانت تهدف وتسعى إلى تخفيف حدته بشكل كبير، لأن هناك أناسا لا يأبهون لأوامر الدين، ولم يسلموا أنفسهم إلى الله، وأصبح الدين عندهم يتمثل بالشكليات والمراسم والعادات، وتخلوا عن أخلاق الديانات، لهذا كانوا دوما يميلون للعنف.

حتى بعض المسلمين الذين يدينون بدين السلام والرحمة والمرحمة والمحبة والمساعدة، البعض منهم ينتمون لهذا الدين بالاسم والهوية فقط، لهذا كانوا على الدوام يضربون زوجاتهم وأبنائهم والعاملين تحت أيديهم وخدامهم وخادماتهم، وإذا كان يملك قوة كان يضرب الآخرين ما هب منهم ودب.

تذكرت الإنسانية "حقوق الإنسان وحريته" بعد الأحداث الدموية التاريخية، بعد الحربين العالمية الأولى والثانية، ليجتمع المفكرون والزعماء ورجال القانون من أجل إخراج وثيقة حقوق الإنسان، ليتم بذلك التوقيع على وعود بالمحافظة على حقوق الإنسان والحريات.

الأمريكيون بنو دولتهم على أنقاض الهنود الحمر، وكذلك الأستراليون استولوا على بلاد السكان الأصليين، بينما قام البيض بإبادة الشعوب الضعيفة واستعمارها، واليوم تُعتبر الفتنة والفساد أسهل طرقهم وأرخصها من أجل تحقيق مصالحهم، وذلك من خلال تمزيق المجتمعات وتقسيمها، وإذا لم يحصل لهم ما يريدون يدخلون تلك الدولة ويضربونها ويدمرونها، ولا يصل للحُكم فيها من يستحق، وإنما من يُساعد على تحقيق مصالحهم وأهدافهم.

ثروة أغنى رجل في العالم اليوم، والذي عمره 85 عاما، تضاهي كل ما يملك 3.5 مليار إنسان محروم على هذه الأرض، فوجدان هؤلاء الناس الذي لا يملأه ولن يملأ عيونهم سوى التراب، محرومون من إحساس الإنصاف والعدل، ولهذا أصبح توزيع الدخل في هذا النظام العالمي أمرا صعبا، مما أدى إلى ظهور المحرومين الذين يموتون جوعا، في مقابل أشخاص لهم مرتبات قادرة على إطعام الآلاف وربما عشرات الآلاف منهم.

اليوم تطورت وسائل التواصل والاتصال، وأصبحنا نرى الأجهزة الذكية في أيادي أطفالنا الذين لم يصلوا سن المدرسة بعد، ونحن جميعا ندرك أنّ مشاهد العنف والظلم والحروب والقتل والذبح، كما الأمور السيئة الأخرى من فيديوهات وأخبار وألعاب سيئة تصل إلى أيادي أطفالنا بسهولة، فمشهد في أقصى شرق الأرض، لا يحتاج سوى لثانية واحدة حتى يصل إلى أقصى غربها.

أما مجالسنا فحدث ولا حرج، تشاهد فيها كل أشكال العنف اللفظي، الذي أصبح عادة عند البعض أنْ يتفوه بسباب تشمئز منه الألسنة، كما تحتوي مجالسنا على العنف الجسدي والنفسي وغيرها.

ماذا ننتظر من أطفال نشئوا في وسط كهذا، في محيط كهذا، في دولة كهذه، نمو وسط الظلم، ووسط ظروف سيئة يملؤها العنف وقلة الأدب، ماذا ننتظر من أطفال نشئوا هكذا؟

يرى بعض الكتاب بأنّ العقوبة ليست الحل الوحيد، فهناك طلبات من أجل تحقيق إصلاح وتغيير ذهني وفكري، وهذا لا اعتراض عليه ولا شك فيه، لكن هذا الإصلاح وهذا التغيير متى وكيف يجب أنْ يكون؟ وما هي النتائج التي سنحصل عليها من المصلحين؟

يجب أخذ كل التدابير اللازمة من أجل حماية الأعضاء التي لم تصلها الغرغرينا، هذا أمر هام بلا شك، لكن إذا لم تقطعوا الجزء المصاب بالغرغرينا فلن تستطيعوا حماية بقية الأعضاء.

في المحصلة، حل مشكلة العنف يتمثل بصورة أساسية بالإصلاح والتعليم، ومن ضمن الإصلاح والتعليم توجد العقوبة أيضا. 

عن الكاتب

خير الدين قرمان

كاتب في صحيفة يني شفق


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس