برهان الدين دوران - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس 

كان مؤتمر برلين الذي طال انتظاره خطوة نحو السلام الدائم. وصفت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، البيان الختامي المكون من 55 نقطة بأنه "اتفاق على خطة شاملة لدعم وقف إطلاق النار في ليبيا". إن التزام جميع أصحاب المصلحة باحترام حظر الأسلحة وتقديم ذلك الاتفاق إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة هي خطوات مرحب بها. ومن المتوقع أن يوافق عليها الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن الذين كانوا على طاولة المفاوضات في برلين.

 خطوة أخرى كانت محل ترحيب هي قرار الانقلابي الليبي، خليفة حفتر، إرسال ممثلين إلى لجنة عسكرية 5 + 5 ستجتمع في مدينة جنيف. وأخيرا من الأخبار الجيدة أن الأحزاب شكلت لجنة سياسية تضم أربع لجان فرعية فنية.

وكما أشار الرئيس رجب طيب أردوغان، فإن حفتر لم يوقع رسميا على اتفاق وقف إطلاق النار. وعلى ذلك إذا حكمنا من خلال شخصية أمير الحرب الليبي والسجل الحافل لرعاة دولته، الإمارات العربية المتحدة ومصر وفرنسا، فإن هناك فرصة لا بأس بها لأن يتجاهل حفتر وقف إطلاق النار.

قد يجد حفتر صعوبة في سحب الاعتراف الدولي من حكومة الوفاق الوطني بصفته صاحب السلطة الشرعية في ليبيا، لأن ذلك لم يكن ممكنا إلا عندما كان النصر في متناول يده. إذا واصل الجيش الوطني الليبي الذي يقوده حفتر أعمال العنف، فإن رد فعل جميع الجهات الفاعلة الأخرى التي كانت في برلين يوم الأحد ستكون حاسمة للغاية.

لنتذكر أن حفتر كان مسؤولاً عن جر ليبيا إلى حرب أهلية دموية في عام 2014، وإذا لم يعاقب على أعمال العدوان في المستقبل، فسيكون مؤتمر برلين محاولة ميتة للسلام. إن القول بأن "لا يوجد حل عسكري في ليبيا" لا يكفي، بل يجب أن يكون المجتمع الدولي في وضع يسمح له بإملاء هذه الشروط على الجيش الوطني الليبي؛ لأن الفشل في تطبيق وقف إطلاق النار سيشعل حربًا بالوكالة، الأمر الذي يحول ليبيا إلى سوريا أخرى.

سيكون الطريق إلى "سلام دائم" طويلًا وصعبًا. لقد حدد جدول العمل في ليبيا، لكن سيكون هناك أصحاب مصلحة يرغبون في الانقلاب عليه أو جعله حبرا على ورق. وبعبارة أخرى، ستكون هناك محاولة لتحويل مائدة المفاوضات في برلين إلى عملية جنيف المشؤومة بالنسبة لسوريا. بيد أن مصدر الأمل الوحيد في الوقت الحالي هو الاعتقاد بأن أطراف مؤتمر برلين تعلمت دروس سوريا.

تدرك ألمانيا وإيطاليا بالفعل أن الحرب الأهلية المتفاقمة في ليبيا ستضر بمصالحهما بشدة؛ ذلك أن الإرهاب وتدفق أعداد كبيرة من اللاجئين قد يعرض استقرار أوروبا للخطر. ومما قد يزيد الطين بلة، أن الأوروبيين لن يكون لهم مقعد على الطاولة ما لم يقبلوا المبادرة التركية الروسية المشتركة في ليبيا. صحيح أن الأوروبيين دعوا إلى إنشاء قوة تابعة للاتحاد الأوروبي لهذا الغرض، لكن المشاركين أرادوا أن تشرف الأمم المتحدة على العملية.

ومن المفارقات أن تركيا وروسيا جعلتا مؤتمر برلين ممكنا، حيث ألقيتا بثقليهما وراء المحادثات الدبلوماسية. شجعت الدولتان  اللتان تعلمتا دروس سوريا أفضل من أي طرف آخر وطوّرتا نوعًا جديدًا من التعاون، ألمانيا على مزيد من العمل وإضعاف يد فرنسا. عبر الإيطاليون عن قلقهم من روسيا في محاولة لإدخال الولايات المتحدة إلى الصورة.

على أن موقف فرنسا المؤيد لحفتر يُبقي الاتحاد الأوروبي منقسمًا بشدة. وأخيرًا، لا يوجد سبب للاعتقاد بأن الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية اللتين تقفان وراء الكثير من أعمال العنف في الشرق الأوسط، ستتخليان بكل بساطة.

دفعت الخطوات التي اتخذتها تركيا كثيرا من الممثلين رفيعي المستوى إلى الاجتماع بسرعة حول طاولة المفاوضات في برلين. وقعت أنقرة اتفاقيتين مع حكومة الوفاق الوطني في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر لبدء عملية جديدة. دعا أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 8 يناير/ كانون الثاني إلى وقف لإطلاق النار، كما أن اجتماعهما اللاحق في موسكو زاد من أهمية مؤتمر برلين.

وفي الوقت نفسه، عززت الخطوات الأخيرة التي اتخذتها تركيا من مكانتها في شرق البحر المتوسط، حيث تمكن الأتراك من حرمان اليونان من مقعد على الطاولة، بعد أن رفضت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل اقتراحًا بتجاهل الاتفاقات التركية مع ليبيا. وفي الوقت نفسه، عارض الإيطاليون مشروع خط أنابيب شرق المتوسط "إيست ميد"، قائلين إنه غير ممكن من الناحية المالية. ولذلك خلصت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أن تركيا كانت أكبر فائز في ليبيا.

سيعتمد المجتمع الدولي أيضًا اعتمادًا كبيرًا على تركيا وروسيا لتطبيق اتفاقية وقف إطلاق النار في برلين. وإذا انتهى الأمر بتهميش قمة برلين، فقد تكون هناك عملية جديدة، على غرار محادثات أستانا، لإنهاء العنف في ليبيا.

عن الكاتب

برهان الدين دوران

مدير مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا" في أنقرة


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس