سمير صالحة  - خاص ترك برس

رحّب وزير الخارجية التركي مولود شاووش أوغلو بالاتفاق الذي تمّ التّوصّل إليه بشأن برنامج إيران النّووية مع دول 5 + 1 المتمثّل بـ "الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإنكلترا وروسيا والصّين" بالإضافة إلى ألمانيا.

وقالت وسائل الاعلام التركية المقربة من حكومة العدالة والتنمية ان الاتفاقية الموقعة في لوزان أعدت أسسها في انقرة بوساطة تركية قبل 5 سنوات لكن تركيا فشلت في اقناع الاطراف بما تقترحه يومها الى ان عاد الجميع ليقبل بالاقتراحات التركية والبرازيلية المقدمة عام 2010 بين إيران والدول الأعضاء في مجلس الأمن .

لكن الحقيقة التي لا بد ان تاخذ تركيا بها بعين الاعتبار تتضمن جملة من المعطيات والتطورات والعوامل التي ستحدد موقفها من مسالة ابعد من ان تكون " تفاهم " مؤجل لقبول ايران في النادي النووي  :

- احتفال الشعب الايراني بالتوقيع على اتفاقية لوزان 2015 وان تجعل منه ايران انتصارا وطنيا يدفع الاتراك لتذكر معاهدة لوزان التي تم توقيعها في تموز 1923 وكانت معاهدة سلام وقعت مع الغرب ايضا ليعقبها تسوية وضع الأناضول وتراقيا الشرقية (القسم الأوروبي من تركيا حاليا) في الدولة العثمانية وذلك بابطال معاهدة سيفر التي وقعتها الدولة العثمانية كنتيجة لحرب الاستقلال التركية بين قوات حلفاء الحرب العالمية الأولى و الحركة القومية التركية بقيادة مصطفى كمال أتاتورك وقادت المعاهدة إلى اعتراف دولي بجمهورية تركيا التي ورثت محل الإمبراطورية العثمانية.

- نزول الشعب الايراني الى الشوارع سببه الاول قد يكون التفاهم والاتفاق مع الغرب بعد سنوات من القطيعة والحصار بعد اعلان الخميني الحرب على " الشيطانين الأكبر والأصغر " و " الموت لاميركا والموت لإسرائيل " لكن سببه الثاني قد يكون تخلي الملالي في ايران عن شعارات ونظريات الحرب على الغرب وترجيح الجلوس معه والتفاهم بواقعية وبراغماتية وعملية على حل ازمة معضلة مضى عليها اكثر من عشرين عاما بين الجانبين وكلفتها خسائر وأضرار مادية ومعنوية كبيرة . ام هو اتفاق رغم الملالي ؟

- فرحة الإيرانيين بالتوقيع لن تعني أبدا تخليهم عن مشروع القنبلة النووية حتى ولو تأخرت لعقد كامل اذا ما دخل الاتفاق حيّز التنفيذ في حزيران المقبل لكنها ستعني قبول الغرب لقنبلة " المد الشيعي " الايراني استراتيجيا في المنطقة وهو ورقة ضغط لن تقل تأثيرا وقوة عن قوة السلاح النووي الذي قد تقبل طهران بإرجاء فرصة امتلاكه بعض الوقت .

- انقرة قد تفرح هي الاخرى لاتفاقية لوزان لانها ستفتح الابواب امام رفع حجم تبادلها التجاري مع ايران  وتذكير طهران دائما انها كانت بين من وقف الى جانبها في المفاوضات النووية مع الغرب وقدم اكثر من عرض وخدمة لكن انقرة تعرف ايضا ان هذا الاتفاق سيفتح الابواب امام تحرر ايران من القيود التجارية والمالية التركية وسيسهل انطلاقها الاقليمي والعالمي بأكثر من اتجاه بعد سنوات من الحصار والقطيعة والعزلة .

- الاتفاق مع الغرب وكما تراه انقرة ايضا سيمنح طهران المزيد من الفرص السياسية والأمنية الاقليمية والدولية لتساهم وتفاوض على ملفات حساسة مع العواصم الغربية بشكل علني وبدون وسطاء هذه المرة وتركيا واحدا منهم . انطلاق ايران سياسيا واقتصاديا سيكون في اكثر من مكان على حساب تركيا اذا لم نقل انه سيتعارض مع حساباتها ونفوذها وتطلعاتها الاقليمية مباشرة .

- التقارب التركي الايراني وحماية الخيوط الرفيعة في مسار العلاقات بسبب التوتر في ازمات سوريا والعراق واليمن اليوم سيكون عرضة للتحول الى مواجهة تهدد بالانفجار خصوصا عندما تبدأ طهران في مساومة العواصم الغربية على مسار ومستقبل هذه الأزمات التي ستكون على حساب تركيا قبل غيرها في المنطقة وهذا ما سيترك انقرة امام خيارات محدودة جدا اما التنسيق مع ايران وعدم الابتعاد كثيرا عنها وأما خوض معركة " علي وعلى اعدائي " وقبول المشاركة في بناء التحالف السني الجديد الذي بدات ملامحه تظهر الى العلن بعد اندلاع المواجهات في اليمن .

- تركيا تدرك تماما ان التفاهم الايراني الاميركي سيتحول بسرعة فائقة الى تفاهم إيراني إسرائيلي يزيد من عزلتها اقليميا خصوصا بعد خروجها عن " بيت الطاعة " الاميركي في سوريا والعراق والقطيعة مع اسرائيل والتحرك على حسابها في شرق المتوسط وأغضابها واشنطن بخيار الصين لتكون شريكها في التسلح الاستراتيجي البعيد المدى واختيار روسيا في شراكة نقل الطاقة الغازية الى أوروبا عبر اراضيها .

- تركيا تعرف ايضا ان اتفاق لوزان الاخير يعني بشكل او باخر تفاهم غربي إيراني على مسار الحل في سوريا والعراق ولبنان والعديد من الأماكن الاخرى في اطار جلسات حوار ونقاش يعقبها عقود استراتيجية جديدة وان " الهاء " انقرة بخطط الحرب على النظام السوري وتدريب المعارضة لم تكن سوى محاولات لكسب المزيد من الفرص والوقت لإنجاز تفاهمها مع ايران الذي سيكون خشبة الخلاص للكثيرين في الشرق الاوسط .

- انقرة ستتابع عن قرب تحولات العلاقات الإيرانية الغربية في المنطقة لانها تدرك ايضا ان التفاهم الايراني الغربي قد يفتح الطريق امام مصالحة إيرانية إسرائيلية يعقبها بناء حلف جديد بشراكة غربية إيرانية على حساب تركيا والعديد من الدول العربية والإسلامية .

- زيارة رئيس الوزراء الباكستاني المفاجئة لانقرة نواز شريف قد تكون في العلن تحمل تفاهما تركيا باكستانيا حول الازمة اليمنية لكنها في العلن ايضا محاولة لوضع أسس التحالف الاستراتيجي المشترك الذي سينسق مع العديد من الدول العربية التي بدات تشعر بخطورة ارتدادات تفاهم لوزان الاخير .

- تركيا ستبدا اعتبارا من اليوم البحث عن الوسائل التي تقود لتحسين العلاقات التركية المصرية امام المشهد الايراني الاقليمي الجديد وما دعم فكرة الجيش العربي والتنسيق الواسع مع دول الخليج في ازمة اليمن والتذكير مجددا ان منطقة الخليج هي العمق الاستراتيجي لتركيا سوى مؤشرات على الخطط والخطوات المحتملة القريبة على رقعة شطرنج التحالفات السريعة في المنطقة .

- تركيا تريد عبر المشاركة في تفعيل الحلف " السني " الذي بات  جاهزا للانطلاق رغم رفضها العلني لفكرة المذهبيات والطائفيات في المنطقة تريد ان تقول للغرب انها لن ترضى ان تكون تحت رحمة القيادة الغربية الإيرانية في الشرق الاوسط وان دول المنطقة قد تكون عاجزة عن توجيه الضربة القاضية لبعضها البعض في المواجهات لكنها قادرة على تدمير اي اتفاق يتجاهل موقعها ودورها ومصالحها الاقليمية .

- تركيا تنتظر سيناريو " الربيع الايراني " الان ليكون وسيلة الاجابة على العديد من التساؤلات والابتعاد عن النوم بين " الكوابيس " . الرهان هو على مواجهة محتملة بين صقور السياسة وحمائمها في ايران بعد اتفاقية لوزان التي ستحمل اكثر من نقاش الى الداخل الايراني . لماذا ابتعدت القيادة الليبرالية التي يحركها روحاني عن مسار الثورة الإيرانية التي انطلقت من اجله قبل  اكثر من 35 عاما  ؟

- انقرة بقدر ما تراهن على الربيع الايراني تراهن على " ربيع شيعي " ربما يعيد خلط اوراق القيادة الإيرانية التي " خذلت " مشروع المقاومين " الشيعة " في اكثر من مكان والذين وعدوا اسرائيل واميركا بالقتال حتى النصر فوجدوا ان حكومة روحاني تساوم على مصالحها هي .. حتى النصر قبل مصالحهم حتى ولو كانت اسرائيل تلعب دورا مميزا في مسرحية " الغضب " مما جرى في لوزان .

- انقرة تدرك ان لوزان أوصد بابا وفتح ابواب اخرى . أوصد باب النزاع الطويل الامد مع ايران عبر قبول المنفتحين والمعتدلين في ايران طرفا في الحوار لكنه فتح أبوابا واسعة امام المزيد من الاصطفاف المذهبي والعرقي الذي سيكون مكلفا اذا ما سقطت القوى الاقليمية في مطبه بعدما نجحت اميركا في حرق اوراق مدرسة احمدي نجاد العنيد المتصلب ولعب ورقة روحاني المنفتح عليها وحدها في اطار صفقة إقليمية وشراكة أميركية إيرانية بعيدة المدى .

- انقرة مثل غيرها من العواصم تتابع التنازلات التي قدمتها ايران في لوزان مستفسرة عن المكاسب والهدايا والجوائز التي ستجمعها مقابل ذلك . حرب الانقضاض على الصقور في ايران قد تكون الخطوة المقبلة . ثم تركيب طاولة المساومة على ازمات سوريا والعراق ولبنان . الاتفاق في العلن هو " نووي " البعد لكنه في السر هو " لغوي " الطرح . الفارسية المعولمة قد تكون بيت القصيد هذه المرة .

- المشهد من تركيا يبدو اليوم وكأن من اسقط نجاد في الانتخابات الاخيرة وابعده عن السلطة ليس روحاني وحده بل المشروع الغربي في ايران والمنطقة . من خاب ظنه في ثورات الربيع العربي المشتعلة منذ 4 سنوات يريد ان يخرج من الورطة الاقليمية بصناعة حل إيراني اقليمي بدا من داخل ايران نفسها عبر " حبس " الصقور و " فتح "  أقفاص الحمائم  ليكون اتفاق لوزان الخطوة الثانية التي سيعقبها مساومة ايران على اخراج العواصم الغربية من مستنقع الرمال المتحركة الذي تعيشه في الشرق الاوسط منذ سنوات حتى ولو كانت تأشيرة العبور . إيرانية .

- في تركيا نتابع منذ يومين حسابات الربح والخسارة لإيران قبل ان نبحث عن اسباب قبول العواصم الغربية لتوقيع الاتفاقية في لوزان . فعشرات المليارات من الدولارات خسائر ايران في العقدين الاخيرين بسبب عزلتها سيكون ثمن التعويض عنها منحها الكرسي الاميركي والطاولة الاوروبية والختم العثماني والقهوة العربية لتجلس على بوابات العبور في المنطقة تدقق في هويات الداخلين والخارجين .

عن الكاتب

د. سمير صالحة

البرفسور الدكتور سمير صالحة هو أكاديمي تركي والعميد المؤسس لكلية القانون في جامعة غازي عنتاب وأستاذ مادتي القانون الدولي العام والعلاقات الدولية في جامعة كوجالي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس