مؤمن النمر - خاص ترك برس

انخفاض قيمة الليرة التركية، وتعطّل السياحة بشكل شبه كامل.. هل دفعت هذه الأسباب المستثمر إلى صرف النظر عن الاستثمار في تركيا؟ 

من البديهيات التي يعرفها معظم الناس، أنَّ الاقتصاد العالمي يتعّرض لظروف صعبة جدًا، بسبب جائحة كورونا التي اجتاحت العالم، أدت إلى توقف كبرى الشركات، وانهيار بعضها، ورغم ذلك فإنَّ بعض الشركات تقاوم لعلها تستطيع عبور عام 2020  بأقل الخسائر، حيث قامت مجموعة كبيرة من الشركات بطرح حلول كثيرة للتصدّي لهذا الوضع، فقد عمدت كثير منها إلى تسريح  بعض الموظفين، وتقليل نسبة النفقات إلى الحد الأدنى، إضافة إلى الاقتراض من البنوك لتلبية النفقات الضرورية، حيث تنطبق هذه الإجراءات على الشركات التي تكثر فيها اليد العاملة. ومن أكبر الشركات التي أعلنت إفلاسها شركة "هيرتز" الأمريكية العملاقة لتأجير السيارات، والتي تأسست قبل أكثر من مئة عام، حيث وضعت نفسها تحت نظام الإفلاس الأميركي، إضافة إلى إعلانها تسريح 10 آلاف موظف في أميركا الشمالية، أي نحو 26,3 بالمئة من عدد العاملين لديها في العالم.

كذلك فإنَّ شركة "فلاي بي" البريطانية العريقة التي تُعتبر من أهم شركات الطيران في لندن وتعمل منذ قرابة 40  سنة، أعلنت إفلاسها وتسريح ألفي موظف من الخدمة.

أمّا بالنسبة لشركات البناء والإنشاء الكبيرة في تركيا ، فإنها اتّبعت بعض الحلول التي قد تكون فعّالة، كخفض سعر العقار إلى المستوى الذي يغطي تكلفة البناء تقريبًا، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإنّ بعض المشاريع انخفضت فيها الأسعار إلى 11% تقريبًا، مع العلم أنَّ بعض هذه المشاريع أصبحت جاهزةً للسكن منذ وقت ليس بطويل. 

ووفقًا لآراء بعض الذين يُقْدِمون على مثل هذه الخطوات، فإن عودة الحياة إلى كوكب الأرض كما كانت من قبل، ستفتح الباب للتحرّك الاقتصادي، وبذلك سوف تعود أسعار العقارات لما كانت عليه من قبل، لا بل إنَّ الاقتصاد في تركيا بشكل سيتحسّن بشكل  تدريجي لعدّة أسباب ومنها:

لأن الحكومة التركية  واجهت جائحة كورونا بوضع ما يسمى "خطة الدرع الاقتصادي" والتي تضاعفت إلى نحو 30 مليار دولار، مثلاً على صعيد قطاع الأعمال قررت دعم صندوق الائتمان لمنح القروض وتأجيل دفع الضرائب على التجار والصناعيين، فضلاً عن حملة تبرّع لذوي الدخل المحدود، وتوزيع مساعدات على نحو مليوني أسرة، وقد أظهر الشعب التركي تلاحمًا كبيرًا مع حكومته من خلال حملات التبرعات التي قام بها تحت مسمى "نحن نكفي بعضنا" وجمعت ما يقارب 2 مليار ليرة تركية  للتصدي للأزمة.

قوة النظامين الداخلي والصّحي في تركيا، إذ أثبتت تركيا للعالم أنها بلدٌ يقوم على المؤسسات التي تدير شؤون الحياة بكل مسؤولية وجدّية، فعندما كنا نشاهد كبرى دول أوربا تحاول قرصنة شحنات المواد الطبية مثل الكمامات والمطهرات، فإنَّ تركيا أعلنت منذ اليوم الأول مجانية العلاج لمواطنيها ولكل الأشخاص القاطنين على أرضها، إضافة إلى إكمال بناء مدينة "ساكورا" الطبية العملاقة والتي تُعتبر أكبر مدينة طبية في أوروبا، كذلك فقد ألحقتها فيما بعد ببناء مشفىٍ خلال 45 يومًا لاستقبال مرضى كورونا، كما  نجد أنّ الحكومة في تركيا وزعت الكمامات على مواطنيها عبر تطبيق طبي خاص بفيروس كورونا، حيث يمكن لكل مواطن من خلاله طلب الكمامات، لتصله إلى باب بيته في اليوم التالي، فهذا يدفع كثير من الناس للاستقرار في تركيا كدولةٍ فيها نظام صحي متقدّمٌ.

هجرة ملحوظة في الآونة الأخيرة لرجال الأعمال من مختلف بلاد العالم إلى تركيا، وخاصة من الدول الأوروبية، وذلك بسبب ارتفاع نسبة الضرائب في بلدانهم، بينما ما تزال الضرائب على الشركات في تركيا هي ضرائب صغيرة جدًا بالنسبة لبقية دول أوروبا، وأشهر هذه الضرائب هي ضريبة KDV والتي لا تتجاوز 18% علماً أنّ هذه الضريبة يمكن التخلّص منها بشكل قانوني، وذلك من خلال تقديم اثباتات بأنّ الشخص المستثمر هو قادم من خارج تركيا، وأنّ هذا الأموال التي يقوم بنقلها سوف تدخل الى الحسابات البنكية التركية من الخارج، وهذا يعود بالنفع على المستثمر من أجل سهولة تحويل الأموال ويعود، بالنفع على الدولة من أجل جلب العملة الصعبة إلى البنوك التركية.

ومن أسباب نمو الاقتصاد التركي، كثرة اليد العاملة الخبيرة وعدم ارتفاع أجورها، وهذه ايضاً من الأسباب التي جَلَبت الشركات العالمية للاستثمار في شتى مجالات العمل داخل تركيا، والتي قامت ببناء مشاريع عملاقة لافتة للأنظار، مثل "مطار اسطنبول الجديد"، مترو الأنفاق الذي يمر تحت الماء في "مضيق البسفور"، جسر "عثمان غازي" الذي يُعدُّ رابع أطول جسرٍ في العالم، بالإضافة لمشروع سد "إيلسو" العملاق الذي يقع على نهر دجلة والذي قد بلغت تكلفته 2.65 مليار دولار والذي سيساهم سنويًا بضخ قرابة 412 مليون دولار في الاقتصاد التركي وفقًا لقناةTRT عربي.

ولابدّ من الإشارة هنا إلى أنّه يوجد الكثير من المشاريع العملاقة  وخاصة المشاريع الطرقية قد شارفت على الانتهاء، مثل مترو أنفاق (باشاك شهير)، ومترو أنفاق (مطار اسطنبول الجديد)، وهناك مشاريع تم افتتاحها منذ شهر تقريبا مثل مترو أنفاق منطقة (كات هانة)، والجدير بالذكر هنا أن كل منطقة يصل إليها مترو الأنفاق ترتفع أسعار العقارات فيها بشكل ملحوظ، وذلك لأن مترو الأنفاق هو خيار التنقل الأفضل في المدن الكبيرة والمزدحمة مثل مدينة اسطنبول.

وإذا أمعنّا النظر في هذه العوامل كلها على الرغم من جائحة كورونا، فإنَّ الاقتصاد التركي يسير بخطىً ثابتة نحو الاكتفاء الذاتي، وتشجيع كبار المستثمرين لدخول سوق العمل التركي وتفضليها على غيرها من الأسواق.

عن الكاتب

مؤمن النمر

مختص بالشأن العقاري التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس