صوفيا خوجاباشي - خاص ترك برس

عام رابع على محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، ولم تنته بعد فصولها داخلياً أو خارجيا، رغم نجاح المكون التركي بشقيه السياسي والشعبي، في التصدي لأكثر لحظاتها سخونة، مساء الخامس عشر من يوليو/تموز 2016.

"الانقلاب الفاشل"، الذي أتاح استكشاف مدى قوة الرابطة التركية في لحظاته الحاسمة، وكان بالنسبة لعلاقات تركيا الخارجية، حدثاً كاشفاً، عرى نيّة "الأصدقاء"، وكشف غايات "الأعداء"، وصادق على وفاء "الحلفاء".

ولم يكن لأدوات الانقلاب أن تتحرك في اتجاه التنفيذ، لولا المساندة الخارجية، التي تلقتها من دول عربية وغربية، فتحت نار الحرب ضد تركيا. 

وبعد أربعة أعوام، لا بد من طرح سؤال جدي، هل انتهت فعلا محاولة الانقلاب الفاشلة على تركيا؟ أم لا تزال قائمة بأدوات أخرى، بالاستناد إلى الأوضاع السياسية المحمومة في محيط تركيا الخارجي الأكثر اضطراباً منذ أعوام؟

لا يختلف اثنان على أن النظام السياسي الحالي التركي، والرؤية الإستراتيجية التي تتحرك أنقرة وفق خطوطها العريضة، وعلى أساسها تبني التحالفات، وتتخذ المواقف، فضلا عن الإيديولوجيا السياسية التي يتبناها النظام الحاكم، ليست في مصلحة العديد من الدول الإقليمية، وعلى رأسها تلك المتورطة بدعم محاولة الانقلاب الأخيرة. هذا الموقف العدائي تجاه أنقرة، ليس بمعزل عن الأحداث الإقليمية التي تلت التحركات الاحتجاجية عام 2011، وأربكت حسابات العديد من الأنظمة.

لقد كانت لحظة انقلاب 15 تموز، ساعة الصفر، بالنسبة للدول التي أرادت كسر شوكة تركيا، وإعادتها إلى ما قبل عام 2000، منكفئة على ذاتها، بعيدة عن محيطها، مغلقة بابها على صراعاتها الداخلية بين العسكر والمدنيين. 

ولا يقتصر الحديث عن دول إقليم الشرق الأوسط، بل يمتد ليشمل أبرز حلفاء تركيا في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.

 العمق الاستراتيجي لتركيا كدولة محورية، وصلة وصل بين الشرق والغرب، يتناسب طرداً، والحملات السياسية والإعلامية والاقتصادية المبرمجة ضدها، والتي بدأت منذ ليلة الانقلاب، ومستمرة حتى الساعة، لذا فإن قضية إعادة آيا صوفيا من متحف إلى مسجد، أثارت زوبعة على أعلى المستويات السياسية والدبلوماسية والدينية ترجمها إعلام المحور المصري – الخليجي، إضافة للإعلام الغربي، بشكل فج ومفتقد للموضوعية، وهو ما يدلل على طبيعة الأثر الذي تتركه أنقرة من خلال تحركاتها، وإن كانت داخلية.

إن الإشكالية التي تفسر التحرك باتجاه الحرب النفسية والسياسية والاقتصادية ضد تركيا، يفسّرها عدة نقاط، أهمها سياسيا واستراتيجيا، مع التواجد التركي الحاسم في عدة ملفات بالمنطقة، الذي أمّن لها تحركا استراتيجياً مريحاً، إن كان في الملف السوري، بعد أن فرضت أراداتها على الشمال، أو في الملف الليبي حيث كان لمشاركتها أثراً حاسماً في الخسائر المتتالية التي مني بها حفتر والمحور الإماراتي – المصري – الفرنسي من ورائه، أيضا فإن تركيا متواجدة بشكل مباشر في القرن الإفريقي، وتؤمن لقطر في قلب الجزيرة العربية، المظلة السياسية الواسعة. هذا التقدم الاستراتيجي الذي رسمت تركيا خطواته بدقة وثبات، قابله تخبط وضياع في البوصلة لدى المنافس الإقليمي.

 إيديولوجيا ودينيا، تقدم تركيا مثالا ديموقراطياً في محيط إقليمي تسيطر عليه الملكيات السلطوية، أو الدول الفاشلة، في الوقت عينه، استطاعت تركيا خلال السنوات الأخيرة، أن تعيد إحياء الخطاب الديني، التي تعمل دولة لها ثقل ديني كبير مثل السعودية على الانفكاك التدريجي منه، إضافة لذلك، تحتضن الأراضي التركية ما تبقى من حركات الإسلام السياسي، والإعلام الثوري المعارض، ومئات الآلاف من "فلول الثورات" المطاردين من حكومات دولهم.

وإذا ما أردنا التعريج اقتصاديا، فإن أنقرة استطاعت ورغم جميع الحملات الخفية لدفع ليرتها نحو الانهيار، وضرب السوق التركي، إبقاء المؤشرات الاقتصادية في تصاعد مستمر، بالإضافة للملف الصحي المتطور، وملف الصناعات الدفاعية.

هذه النقاط وغيرها من التفسيرات التي يطول شرحها، تشكل دافعاً كبيراً لدى الدول إلى محاولة الخلاص من الكابوس التركي، أو بأسوأ الأحوال، تشويه التجربة التركية، كما نرى وبشكل متكرر على الشاشات الفضائية وصفحات الجرائد وحسابات التواصل الاجتماعي.

عن الكاتب

صوفيا خوجاباشي

كاتبة وصحفية تركية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس