ربيع الحافظ - خاص ترك برس
شكلت معركة ملاذكرد (ذي القعدة 463 هجرية 26-8-1071م) إعادة توجيه لمسار التاريخ في المشرق العربي والإسلامي. كان انتصار السلاجقة على دولة الروم وسيطرتهم على أجزاء كبيرة من الأناضول نقطة فاصلة جعلت الحدود الشمالية (للوطن العربي اليوم) حدودا داخلية ضمن رقعة الحضارة الإسلامية.
تميزت الحقبة السلجوقية بدخول السلاجقة الأتراك والعباسيون العرب في تحالف لانقاذ بغداد من الاحتلال البويهي الشيعي بمبادرة من الخليفة العباسي القائم بأمر الله "للتدخل ونشر العدل وإصلاح الرعية، فدخل السلاجقة بغداد في عام 447هـ وانتشلوا الدولة الإسلامية (العربية) من حكم البويهيين الذي جاوز القرن وجددوا من هيبة الخلافة. ما ميز هذا التحالف (عن سابقه زمن المعتصم في القرن الثالث الهجري) أنه لم يكن فقط أمنيا وانما كان سياسيا وثقافيا كانت معالمه النهضة العلمية وتشجيع العلماء وإنشاء المدارس النظامية في حواضر العالم الاسلامي ومن بينها المدرسة المستنصرية في بغداد.
على الصعيد الاجتماعي أضافت المدارس النظامية إلى المجتمع شريحة جديدة شكلت أولى صور منظمات المجتمع المدني غير الحكومية NGO في تاريخ البشرية كان من أهم انجازاتها تصحيح البوصلة الثقافية للمجتمع بعد غارة فارسية شيعية انهكت مجتمعات المنطقة العربية وتعطلت فيها الحياة المدنية والقضاء والاقتصاد واستبيحت فيها عاصمة الخلافة بغداد كما هي اليوم.
ملاذكرد وما بعدها في قوالبها الصحيحة
مثلت الحقبة السلجوقية / العباسية أخصب حقب النهوض التي مرت بها الحضارة الإسلامية ويصح تسميتها "الثورة الثقافية الأولى لأهل السنة".
أوجدت هذه الحقبة (في المشرق العربي والإسلامي) كيانا سياسيا وأمنيا واجتماعيا حرر عاصمة الخلافة من الاحتلال البويهي وأسس جيلا من العلماء يعزى إليه التوجيه الفكري لمقاومة الصليبيين وتحرير بيت المقدس بعد 100 عام. رغم الأهمية الحيوية لمعركة ملاذكرد والإقلاع الثقافي والاجتماعي الإقليمي الذي تبعها فإن الاحتفال السنوي بها حدث محلي يقتصر على تركيا.
أوربا لديها وعي حيوي مشترك ونظرية أمن مشتركة وكذلك منطقة جنوب شرق اسيا وامريكا اللاتينية وشمال آسيا وكل رقعة اقليمية أخرى في العالم ولكن حين يسأل إنسان بشكل عام في بغداد او دمشق عن الحقبة السلجوقية يكون جوابه: حقبة سوداء، في نفس السياق يليق بتركيا ان تتبرج بحلي التاريخ لكن ملاذگرد وما أفضت إليه ليست حدثا قوميا تركيا فالإحياء الاجتماعي والثقافي اللذان هما سنام هذه الحقبة لا ينفكان عن الشراكة العربية العباسية والتركية السلجوقية التي دخلت طورها المؤسسي في هذه الحقبة.
الثقافات القومية حطمت مقومات التفكير الاقليمي عند انسان منطقتنا وهو سبب غياب المبادرات الاقليمية بين العرب والاتراك على مستوى المجتمعات (وليس النظم السياسية) تضع منطقتهم ككتلة على خريطة العالم.
الحقبة السلجوقية (رغم بعدها الزمني) هي الأقرب إلى زماننا من حيث التحديات والحلول وهي الأغنى لتكون وحياً لمفهوم اقليمي اجتماعي وأمني معاصر تحتاجه مجتمعاتنا في مواجهة صراع اقليمي يتكرر.
الأوضاع الثقافية والخدمية والادارية والقضائية في المدن العربية التي تحت الحماية التركية (رغم الاخطاء) ليست بمعزل عن الإرث المدني العربي السلجوقي (في مقابل خرائب المدن العربية تحت الاحتلال الايراني) لكن هذه الاخطاء ستتراجع عندما تكون هذ الأوضاع قوالبها الصحيحة التي سيتشبث بها الانسان العربي والتركي وينظر الى أمنه الإقليمي من زواية مشتركة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس