ترك برس

تتباين آراء المحللين والخبراء بشأن أبعاد التدخل الفرنسي في التوترات شرقي البحر الأبيض المتوسط من خلال دعم اليونان والشطر الرومي لحزيرة قبرص ومحاولة استهداف مصالح تركيا في المنطقة.

وتسائلت تقارير عمّا إذا كانت غاية فرنسا الحقيقية من انتقاد التحركات التركية، هي حماية حقوق اليونان وغيرها من الدول في شرق المتوسط أم فرض سيطرتها ووصايتها على المنطقة الغنية بالثروات.

في هذا الصدد، يرى الباحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية، طه عودة أوغلو، أن هناك خلاف حقيقي بين أنقرة وباريس، بدأ بعدما اتخذت الأخيرة مواقف رافضة بقوة لسياسات تركيا وخطواتها في المنطقة خاصة عندما خسرت أمامها في ساحات مختلفة (سوريا وليبيا).

وعلى الرغم من اتساع فجوة الخلافات بين أنقرة وباريس خلال العامين الماضين إلا أن أخطر هذه الخلافات وأحدثها تلك المتعلقة بالصراع التركي اليوناني حول التنقيب عن الغاز والنفط في المنطقة المتنازع عليها بين البلدين، وفق ما قاله الباحث بالشأن التركي في حديث لصحيفة "عربي21".

وحول الهدف الفرنسي الحقيقي من التدخل في صراعات شرق المتوسط، يرى عودة أوغلو أن "فرنسا تحاول تقديم نفسها كوصية على المنطقة، ولذلك تقوم بتجييش دول الاتحاد الأوروبي لتبنى سياستها لمواجهة تركيا، لكنها ارتطمت بجدار دول كبرى في الاتحاد كألمانيا وإيطاليا".

من جهته أشار المحلل السياسي إسماعيل خلف الله إلى أنه "بمجرد اكتشاف الغاز في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط أصبحت هذه المنطقة أكثر جاذبية لشركات الطاقة الكبرى، ومن أهمها شركة توتال الفرنسية".

وتابع خلف الله: "أيضا يوجد هناك ما يعرف بمنتدى غاز شرق المتوسط، والذي يسعى لإقصاء تركيا منه، بالمقابل تطمح فرنسا للانضمام إليه رغم عدم انتمائها الجغرافي له". وفق "عربي21".

ولفت إلى أن "الاتفاق التركي الليبي الذي نتج عنه ترسيم الحدود البحرية بين أنقرة وطرابلس، قطع الطريق أمام محاولات إقصاء تركيا من المنطقة، وأصبحت لتركيا كل الشرعية في التحرك ضمن الترسيمات والحدود المائية الجديدة لها، ما قطع الطريق على فرنسا".

وأضاف: "لذا تسعى باريس جاهدة لإبطال الاتفاقية التركية الليبية، بكل الوسائل المتاحة لتتمكن من نقل الطاقة إلى الأسواق الأوروبية عبر خط أنابيب تحت البحر من إسرائيل إلى اليونان عبر قبرص اليونانية".

ويُثار تساؤل عن الموقف الأمريكي من التحركات الفرنسية، خاصة أن منطقة شرق المتوسط تُعتبر منطقة نفوذ أمريكي، فهل ستقبل واشنطن بالتمدد الفرنسي فيها، في ظل إعلان ترامب رغبته بالخروج الكامل من الشرق الأوسط؟

يشير الباحث طه عودة أوغلو، إلى أنه "على الرغم من أن الخلاف الحقيقي بين تركيا وفرنسا يتمحور حول الصراع الدائر حاليا في ليبيا إلا أن الجانب المخفي في هذه القضية هو تنافس البلدين على التركة الأمريكية في المتوسط بعد اتخاذ إدارة الرئيس ترامب قرارا بعدم التورط في صراعات المنطقة".

وأوضح: "بعد الدعم الأمريكي لتركيا على الساحة الليبية خلال الأشهر الماضية لمحاصرة فرنسا في أفريقيا وتقييد نفوذها، أصبح من الواضح أن واشنطن لن تسمح لباريس بالتمدد أكثر في ساحة المتوسط بعد الخطوات الفرنسية الأخيرة التي تدعو لتشكيل قوة عسكرية أوروبية لتحجيم حلف شمال الأطلسي وهذا ما ترفضه واشنطن".

بدوره عبر المحلل السياسي إسماعيل خلف الله عن اعتقاده أن "واشنطن وحلف الناتو لن يقبلوا التمدد الفرنسي في شرق المتوسط، بل أيضا حتى الاتحاد الأوروبي يرفض ذلك، على الرغم من محاولة فرنسا إظهار أن التمدد التركي في المنطقة تهديد حقيقي للدول الأوروبية وللقارة العجوز".

بدوره عبر أستاذ الإدارة والسياسات العامة صلاح الحنيني، عن اعتقاده بأن أمريكا لن تسمح بالتغلغل الفرنسي في المنطقة، وذلك لعدة أسباب: أولا، لاعتبارات انتخابية بالنسبة لترامب، حيث يريد الظهور بمظهر القائد القوي والمؤثر على الساحة الدولية.

والسبب الثاني، وفقا للحنيني، أن تركيا وفرنسا عضوان في حلف الناتو ولن تسمح واشنطن بحدوث صدام بينهما في المنطقة.

ويضاف لذلك، أن المجتمع الدولي غير مستعد لمرحلة صدام بين قوى فاعلة على الساحة الدولية والإقليمية خاصة مع تركيا، كما قال الحنيني.

وأوضح: "في الأساس فرنسا أضعف من أن تسيطر أو تتغلغل في شرق المتوسط، فلو كانت قوية بالقدر الكافي لكانت نجحت بمشاريعها في سوريا وليبيا وغيرها من الدول، ووضعها في أفريقيا كذلك مهزوز، فمثلا حدث انقلاب في مالي التي تعتبر منطقة نفوذ فرنسي".

وحول الوسائل التي يمكن عبرها أن تدعم واشنطن تركيا لو فكرت بالانحياز لها ضد فرنسا، قال الحنيني: "واشنطن لن تدعم طرفا على حساب طرف آخر، وإنما ستمسك العصا من المنتصف، وسيتم ذلك عبر الدعوة لتفاهم بين الدولتين والجلوس على طاولة المفاوضات وإيجاد حل سلمي لهذه المشكلة التي تؤرق القوى الموجودة في المنطقة".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!