ربيع الحافظ - خاص ترك برس
لم نكن بحاجة الى صدور قانون الانتخابات الجديد الذي فتت مدينة الموصل (فتساوى تمثيلها في البرلمان مع البلدات والقرى التي حولها) لنقرأ المستقبل ونعلم ان الموصل مدينة تقع في المكان الخطأ على الطريق من فارس الى شواطئ المتوسط بحسب النظرية الاقليمية الفارسية وأن عليها أن تزول. (نعتقد ان من حقنا ان يقرأ أهل الموصل ما نشر على هذه الصفحة على مدى السنوات الماضية فهو يرسم صورة استشرافية متكاملة واستشراف الحدث ليس كالتعليق عليه بعد وقوعه)
ليس الأسف على مقاعد الموصل في البرلمان البائس ولكن الأيام حبلى بالأحداث لإتمام إزالة الموصل.
كانت الموصل في عام 1743 عثرة أفشلت حملة نادر شاه المتجهة إلى الأناضول ولن تترك إيران وراء خطوطها الامامية في بلاد الشام اليوم رقعة جغرافية غير صديقة وهو ما يعني حاضرة الموصل.
للحواضر كيانات اجتماعية وثقافية واقتصادية وولاء سياسي خاص بها، ازالتها عن الخريطة لا يعني إخلاءها من البشر وإنما استبدال سكانها فيتبدل كيانها ويختفي نفوذها وهذا ما يحدث للموصل وحلب وحماه وحمص ودمشق وقد قطعت النظرية الإقليمية الفارسية شوطا بعيدا على هذا الطريق.
لم يعد هناك متسع للعناوين لما نحن فيه، الصراع بين معسكرين: معسكر اللادولة وحكم المليشيات وهدم المدن ممثل بايران ومعسكر الدولة وحكم القانون وإعادة بناء المدن وتمثله تركيا.
اكثر ما يثبت ركائن النظرية الاقليمية الفارسية لما يحدث للموصل هو تشبث النخب بعناوين "بالحكومة المركزية" و "البرلمان" و "القضاء" و "الدستور" التي اشتركت جميعها بقرار تدمير الموصل وأصدرت اليوم شهادة وفاتها (بظنها)، هل ستصر النخب على مناشدة الحكومة لتحديد مصير الموصل؟ أم تلومها واللوم للصديق وليس للعدو؟
لقد خدمنا نحن اهل الموصل الدولة العراقية وكنا جمجمتها ودماغها ورئتها ولم يكن لتلك الدولة مقومات النشوء من دون الموصل وفي ذلك فخر لنا، الدولة تلك ذهبت ومدنها تهاجم الموصل اليوم وانتفت مبررات بقاء الموصل في دولة وهمية تقودها الى الفناء.
حذاري من أوهام فكرة الاقليم بأشكاله السني أو الإداري فالذي مزق الموصل بقانون الانتخابات لن يمنحه لها لتعيش، الموصل بين حكم المليشيات وبين كيان هزيل في مشروع تقسيم العراق الذي يحمله مرشح الرئاسة الأمريكي جو بايدن.
حان الوقت أن ترفع الموصل هويتها التاريخية التي عرفها العالم بها قبل أن يضمها الاحتلال الانكليزي قسرا إلى الدولة العراقية (أنظر المنشورات السابقة) وأن تحتمي بعمقها الاجتماعي الذي انتزعت منه وكانت هي عاصمته.
حان الوقت أن ترمم الموصل جسورها مع تركيا وتجعل من مصلحتها ورقة إقليمية في عملية إعادة رسم الخريطة الإقليمية التي تتم فصولها على قدم وساق وأن ينهض مثقفوها في الشتات بمسؤولية إعداد الملفات الثقافية والقانونية المطلوبة وليس لمعنى الوفاء للموصل بعد ذلك مثقال حبة من خردل ويليه مباشرة معنى الخيانة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس