إتيان مهتشوبيان  - صحيفة صباح – ترجمة وتحرير ترك برس

كانت مشاكل جماعة غولن تسودها "الشفافية" منذ البداية، ليس تجاه الشعب أو الحكومة التركية، وإنما سادت "الشفافية" في تعاملها مع مؤيديها والمنتمين إليها، لأنّ الجماعة قسمان، قسم يشكل هيكلها "الأفقي"، وقسم يمثل هيكلها "العمودي"، فأما جسمها الأفقي فيتمثل بمؤيديها والمنتمين إليها، الذين تسودهم الهمة من أجل الخدمة، وأما جسمها العمودي فيتمثل بالبيروقراطيين المنظمين، والذين لديهم أهدافا مختلفة تماما.

"الشفافية" هنا تتمثل بعدم معرفة جسم الجماعة "الأفقي" بوجود هيكل "عمودي" للجماعة، وكانوا يجهلون أنّ فتح الله غولن يجلس على رأس هذا الهيكل العمودي، وأنه صاحب مهام سرية لا يعرفونها، والذين كانوا يدركون وجود هذا الهيكل العمودي في الجماعة هم الذين كانوا يدعمونه ويعرفون حقيقة أهدافه السياسية، وهم قلة قليلة.

من أجل استمرار عمل الجماعة، كانت بحاجة دوما إلى قيادة هذين الهيكلين بصورة متوازية بجانب بعضمها البعض، لأن هدف التنظيم "العمودي" هو إضعاف حُكم حزب العدالة والتنمية، وإنشاء عدالة وتنمية بدون اردوغان، من أجل أنْ تهيمن الجماعة على قرارات الحزب وتتحكم في توجهاته، بينما في المقابل، كانت الغالبية الساحقة من الجسم "الأفقي" للجماعة، عبارة عن مؤيدين وناخبين لحزب العدالة والتنمية، وقد أجبروا مؤخرا على اتخاذ أسلوب واستراتيجية منهاضة ومعادية للحزب الحاكم.

لهذا كانت مسألة الفصل بين الهيكلين الرئيسين اللذان يحملان عرش جماعة غولن، مسألة صعبة وحساسة جدا، ولهذا كانت الشفافية مصدر قلق داخل إدارة الجماعة، واليوم أصبحنا أمام مشهد مغاير تماما، فما جرى خلال محاولة إخلاء سبيل متهمين من جماعة غولن، شاهد على ذلك، عندما أصدروا الأوامر لقاض منهم بإصدار قرار إخلاء سبيل المتهمين منهم، وحاول رجال من الشرطة الذين يتبعون للتنظيم الموازي تنفيذ هذا القرار، إلا أنه تم إحباطه في اللحظات الأخيرة من قبل محكمة الصُلح في اسطنبول، وبهذا تم كشف وفضح شبكة التنظيم الموازي هذه، وبالتالي قاموا بعملية أشبه بعملية "انتحارية"، لأنّ الدولة بذلك وضعت يدها على شبكة متغلغلة في جهازي القضاء والشرطة وأنهت مفعولها.

وبذلك انتهت الحياة المهنية لهؤلاء القضاة، وهم في الحقيقة لا يمثلون القضاء التركي، وإنما انتحلوا هذه الشخصية، حتى إذا جاء موعد استخدامهم قاموا بتنفيذ الأوامر التي وصلتهم، وهم يعلمون ويدركون أنّ حياتهم المهنية بذلك انتهت، سواء أنجحوا في تحقيق الأوامر أم لا، فزرعهم داخل جهاز القضاء يمثل قنبلة موقوتة، حينما يأتي موعدها ستنفجر، أو يُلغى مفعولها في اللحظات الأخيرة وتنتهي مهمتها.

ربما يظهر هؤلاء القضاة وكأنهم يعملون دون اكتراث بمستقبلهم، لكن الحقيقة معاكسة تماما لذلك، حيث أنهم يعملون من اجل مستقبلهم، لأنّ انضمامهم إلى هيكل الجماعة "العمودي" يمثل أملهم الوحيد لمستقبل جيد، وذلك لعدم وجود أي مستقبل لهم خارج أسوار الجماعة.

من حُسن الحظ أنّ هذه العملية كشفت "شفافية الجماعة"، وبالتالي أصبح الآن كل الداعمين لجماعة غولن يعرفون الجماعة على حقيقتها، والسؤال الذي يتبادر إلى ذهننا هنا، هو ما سبب تنفيذ الجماعة لهذه المغامرة الخطيرة؟ والجواب هنا ينقسم لقسمين: السبب الأول، لأنه لم يتبق لهم شيء يخسرونه وخصوصا أنهم ابتعدوا جدا عن جسمهم "الأفقي"، والسبب الثاني، هو أنّ تهريب المعتقلين كان يمثل بالنسبة لهم أمرا هاما، وذلك لأنّ اعترافاتهم قد تقود إلى دفع الجماعة لثمن باهظ جدا يفوق التوقعات.

عن الكاتب

إتيان مهتشوبيان

عضو لجنة الحكماء وكاتب في صحيفة صباح


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس