احسان الفقيه - خاص ترك برس

"إلهي

أصواتنا بُحّت

فلا تترك مساجدنا من دون آذان

إلهي

مآذننا من دون محيا

فلا تترك سماءنا من دون نور

إلهي

لا تترك وطناَ جبلته على الإسلام

من دون مسلمين

إلهي

أعطنا قوة

كي لا تبقى ميادين الجهاد بلا فرسان

إلهي

لا تترك الجموع التي تنتظر بطلاً

من دون أبطال

إلهي

لا تُمِتنا

وعلّمنا كيف نقاوم العدا

إلهي".

تلك هي القصيدة التي أطلقتها فتاة تركية من طلبة مدرسة (إيشكودرا) أمام أردوغان خلال افتتاح مسجد "كاليه إتشي" في العاصمة الألبانية تيرانا، والتي جعلت الرئيس التركي يبكي تأثّرًا، وهي ذات القصيدة التي ألقاها بنفسه أمام 2 مليون من أنصاره في إسطنبول قبيل الانتخابات المحلية في 30 مارس/آذار 2014.

هي قصيدة تعبر عن شعور الملايين ممن يرتقبون الاستحقاق الانتخابي القادم، والذي يُنتظر أن يكون محطة فارقة في تاريخ حزب العدالة والتنمية والحياة السياسية في تركيا بصفة عامة.

* وبالرغم من أن أردوغان بصفته رئيسا لتركيا يحظر عليه الانتماء لأي حزب أو حتى دعمه، إلا أن الجميع يعرف أن أردوغان والعدالة والتنمية كيان واحدٌ لا يمكن فصله في الشعور التركي، فهو المؤسّس والزعيم، والذي وضع ولا يزال بصمته في الحياة التركية، وهو الوجه الأبرز المُعبّر عن الحزب وإن لم يكن ينتمي إليه رسميا.

وكما هو معلوم، فإن الحزب يخوض الانتخابات وقد تجاوزت أهدافه مجرد الفوز بالأغلبية، إلى الفوز بنسبة تُمكّنه من تعديل الدستور دون الحاجة إلى أحد، وتعديل النظام من البرلماني إلى الرئاسي، وهو ما يعد ضرورة للحزب لاستكمال مشروعه في بناء تركيا الجديدة.

وبناء على ذلك يخوض العدالة والتنمية الانتخابات المقبلة بمجموعة أهداف هي على الترتيب:

أولًا: الفوز مباشرة بأكثر من ثلثي المقاعد، بما يعني الحصول على 367 صوتا من مجموع 550 صوتا، وفي هذه الحالة سيقوم بتمرير أهدافه دون الحاجة لأحد.

ثانيًا: الحصول على 330 صوتا من مجموع 550 صوتا، وفي هذه الحالة سيطرح التعديل الدستوري للاستفتاء الشعبي العام، ويترتب عليه الفصل في مسألة تحويل النظام إلى رئاسي.

ثالثا: في حالة عدم التمكّن من الحصول على 330 صوتا، ففي هذه الحالة سيكون على حزب العدالة والتنمية، أن يسعى لاستكمال الأصوات اللازمة عن طريق التوافق مع القوى السياسية الأخرى في البرلمان.

ولئن كان الهدف الأول غير مستحيل، إلا أنه يصعب تحقيقه، في الوقت الذي يبقى الهدف الثاني (الحصول على 330 صوتا) قريب المنال، وستكون الكرة آنذاك في ملعب الشعب التركي.

ولكن هل يحسم الشعب الأمر، ويلبي طموحات أردوغان وفريقه؟

هناك عدة أمور ينبغي أخذها في الاعتبار، هي بمثابة معطيات لمعادلة نجاح العدالة والتنمية في الاستفتاء الشعبي حال حدوثه، أو إن شئت فقل هي إرهاصات لتحقق أهدافه عن طريق ذلك الاستفتاء:

أولًا: شعبية الحزب:

يتسم حزب العدالة والتنمية بأنه حزب شعبي لا نُخبوي، يقوم على دعم الشعب التركي بقطاعاته، فباستثناء المؤدلجين والواقعين تحت التأثير المباشر للاحزاب الأخرى، ستجد أن غالبية الشعب الذي يتطلع إلى حياة كريمة يمارس فيها حرياته، وينعم فيها بخيرات بلاده، متجها ناحية العدالة والتنمية.

وذلك لأن الحزب قد صنع النموذج للشعب التركي أولا، حيث أن النقلة البعيدة والقفزة الواسعة لبلدية إسطنبول عندما كان عمدتها رجب طيب أردوغان، لا تزال محفورة في الأذهان، وهو السبب الرئيس الذي جعل الشعب التركي يحمل أردوغان وفريقه بعد إنشاء الحزب إلى سُدّة الحكم، لأن رصيد التجربة خير داعم لفكرة تأييد الحزب.

كما أن الحزب بقياداته قريب من الشعب، ترك الأبراج العاجية ونزل إلى الشارع التركي، يعيش همومه ومعاناته، بخلاف الأحزاب الأخرى التي تطلق شعاراتها من منصّات المؤتمرات والأحاديث الصحافية والبيانات، وهو يعول عليه الحزب في تمرير أهدافه، خصوصا بعد فوزه بالأغلبية والتي حتما سترفع من رصيده وشعبيته.

ثانيا: التفرّد في وضوح الرؤية وتحديد الهدف:

فحزب العدالة والتنمية يُعدّ الحزب الوحيد من بين الأحزاب الذي يدخل الانتخابات بمشروع مُحدّد الأهداف وبرؤية واضحة للمستقبل، فهو يتوجّه بخططه المستقبلة الواقعية إلى الشعب، ويضرب آجالا لتحقّقها وفق تخطيط مدروس ودقيق، واكتسب مصداقيته من تحقيق وعوده.

وأما غيره من الأحزاب فليس لها رصيد من الإنجازات على أرض الواقع، وليست لديها رؤية يطمئن الأتراك للسير خلف رايتها.

فهي أحزاب تتراوح أهدافها ما بين تثبيت وجودها في البرلمان، وأخرى دخلت بأجندات قومية لتحديد مسارها السياسي، وأخرى تريد عرقلة حزب العدالة والتنمية بسبب خلافات أيديولوجية.

هذه الأهداف التي يلتقطها الشعب التركي الواعي لن تلقى القبول لدى عموم الشعب التركي، والذي يرغب في أن يرى برامج إيجابية عملية.

فالملاحظ على تلك الأحزاب أن جُلّ بضاعتها إبراز الحزب الحاكم في صورة الحزب الديكتاتوري الذي يسيس الدين لخدمة أغراضه السياسية.

فحزب الشعب الجمهوري بزعامة كمال كلجدار أوغلو، يؤكد في برنامجه الانتخابي أنه سيجعل رئاسة الشؤون الدينية على مسافة متساوية من جميع الديانات والمذاهب بعد أن اتهمها بالعمل لصالح الحزب الحاكم.

وكان قبلها بأسابيع قد دعا إلى أن يكون الدعاء لـ مصطفى كمال أتاتورك إلزاميا في خطب الجمعة بالمساجد.

كما أكد أنه حال فوزه سيعيد اللاجئين السوريين إلى بلادهم.

وأما حزب الشعوب (الكردي) بزعماة ديمرتاش، فقد أكد بدوره اعتزام حزبه إلغاء رئاسة الشؤون الدينية، ووعد بإلغاء الدروس الدينية في المدارس.

فأصدق وصف للبرامج الانتخابية لتلك الأحزاب، أنها برامج تشغيب، همّها التأليب على حزب العدالة والتنمية.

ثالثا: أصوات الأحزاب الخاسرة:

الأحزاب التي تخوض ماراثون الانتخابات تعتمد على قطاعين من الجمهور، القطاع المؤدلج الذي يدخل تحت نطاق التأثير المباشر لأفكار الحزب، فهذا لا شك أنه في حال إخفاق حزبه في دخول البرلمان لن يمنح صوته في الاستفتاء الشعبي لصالح أهداف العدالة والتنمية.

وأما القطاع الثاني، فهو قطاع غير مؤدلج يقع تحت التأثير غير المباشر لأفكار الحزب، فهذا القطاع إن أخفق حزبه في الحصول على مقاعد في البرلمان، فهل يصوت بنعم أم لا في الاستفتاء الشعبي على الدستور؟

من المؤكد أنها سوف تكون لصالح أهداف الحزب الفائز بالأغلبية (العدالة والتنمية)، لأن هذا هو المتاح من الخيارات التي تُلبّي تطلعات هذا القطاع.

رابعًا: القوة الدعائية الضخمة للعدالة والتنمية

هذه القوة الدعائية للحزب التي نلمح مظاهرها بوضوح، من المتوقع حال عدم تمكن الحزب من تحقيق هدفه الأول، واللجوء إلى الاستفتاء الشعبي، سوف تزداد قوة حيث أن البديل الثالث الذي ذكرناه يصعب تحقيقه إلا بمقايضات ومساومات الحزب في غنى عنها.

وسوف يزيد من قوة الحزب، فوزه بالأغلبية (كما هو متوقع) وهو ما يستغله أيضا في الحملات الدعائية لتمرير الدستور.

والمتابع للدعاية الانتخابية للحزب يرى أنه تركز على جانبين:

تركز على جانب الإنجازات ورصيد الواقع والتجربة، وفيها يبرز الحزب أعماله على لسان الجمهور، حتى تكون أكثر تأثيرا، كما ظهر في الأفلام الدعائية القصيرة للحزب.

وتركز كذلك على القيم الدينية والمجتمعية للشعب التركي، كالحديث عن انتصار الحجاب باعتباره مظهرا من مظاهر الحرية الشخصية، كما في الفيلم القصير الذي يتحدث عن معاناة فتيات الجامعة وما تحقق لهن في ظل حكم العدالة والتنمية.

وفي معظم المناسبات يظهر أردوغان (والذي يُحسب على الحزب في الشعور التركي) وهو ينافح عن الحجاب والمدارس الدينية والهوية التركي.

ولا ننسى زيارة رئيس الوزراء داود أوغلو إلى القاعة التي أُعدم فيها الرئيس مندريس، في دلالة على إبراز قيم النضال والثورة على الظلم.

خامسًا: أردوغان الغائب الحاضر

كما أسلفنا، أردوغان رغم أنه بصفة رسمية عن الانتماء الحزبي، إلا أنه والحزب كيان واحد، فأردوغان كغيره من القادة يسيرون وفق رؤية الحزب الاستراتيجية وهذا معروف.

أردوغان قد اشتهر بالكاريزما العالية وخطاباته الصادقة المؤثرة، التي تُنبّئ عن شخصية مناضلة، ولذا كل خطاباته وتصريحاته وزياراته، سوف تصب في صالح حزب العدالة والتنمية.

ومثل أردوغان يُحسن بل يبرع في التحدث إلى شعبه مع إدراكه أهمية التصويت الشعبي على الدستور، ولذلك من المتوقع أن تكون تحركاته وخطاباته مؤثرة وفعالة في أن يحصل أو تحصل أهدافه وأهداف حزبه على دعم الشعب التركي.

سادسا: حزب الشعوب والـ 10%

هذا الحزب رغم دخوله الانتخابات للمرة الأولى، إلا أنه سوف يكون له تأثيره العميق في مسار قضيته العالقة مع الحكومة التركية باعتباره الجناح السياسي للأكراد.

لكنّ العقبة التي يواجهها حزب الشعوب الكردي هي نسبة الـ 10% اللازمة لدخوله البرلمان، وفي حال عدم تمكنه من الحصول عليها، قد يكون أحد الأوراق الرابحة لحزب العدالة والتنمية، لماذا؟

لأن من مصلحة الأكراد أن يتوافقوا مع العدالة والتنمية باعتباره الحزب الذي يؤمن بالمسار السياسي السلمي في حل الأزمة الكردية بخلاف معظم الأحزاب الأخرى.

فإذا أخفق الحزب في دخول البرلمان وفشله في الحصول على مقاعد يستغلها لتحقيق مكاسب تتناسب مع أهدافه وطموحاته، فقد تتجه أصوات ناخبيه إلى دعم التصويت بنعم في الاستفتاء على الدستور.

 

عن الكاتب

احسان الفقيه

كاتبة أردنية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس