محمود علوش - عربي بوست

سلّط انسحاب زعيم حزب "البلد"، محرم إنجه، من السباق الرئاسي التركي، الذي يجري إلى جانب الانتخابات البرلمانية، الأحد، الضوءَ على أهمية الأصوات القومية في جبهة المعارضة، والتي يُمكن أن تلعب دوراً حاسماً  في ترجيح كفة أحد المرشحَيْن البارزين للرئاسة، وهما رجب طيب أردوغان، وكمال كليجدار أوغلو. 

لم يكن مُحرم إنجه قومياً أصلاً، وكانت فرصه في الفوز أو العبور إلى جولة إعادة محتملة شبه معدومة، على غرار مرشح تحالف "الأجداد" سنان أوغان، لكنّ القوة التي اكتسبها في تغيير ديناميكية المنافسة الرئاسية تمثلت في الأصوات القومية في التحالف السداسي، التي قررت وفق استطلاعات الرأي دعم إنجه بدلاً من مرشح التحالف كمال كليجدار أوغلو، كردّ فعل على تحالفه مع حزب "الشعوب الديمقراطي" الكردي. 

بعض استطلاعات الرأي الموثوقة قدّرت حجم هذه الكتلة بما يقرب من 7% من الأصوات، وهي عبارة عن (5% من حزب "الجيد" القومي، وأقل من 3% من حزب "الشعب الجمهوري"). كنتيجة لذلك بدا أن مواصلة ترشح إنجه للرئاسة ستدفع الانتخابات نحو جولة إعادة في الثامن والعشرين من الشهر الجاري. 

مع انسحاب إنجه كثُرت التساؤلات عن وجهة هذه الكتلة القومية، الافتراض السائد والأكثر واقعية أن جزءاً مهماً منها قد يذهب إلى مرشح تحالف "الأجداد" سنان أوغان، لأنه قومي يميني، وهو أقرب إليها من حيث الهوية الأيديولوجية، لأنّه لم يبقَ سوى ساعات قليلة على التصويت، فإنني سأترك مدى صوابية هذا التقدير لما ستُفرزه صناديق الاقتراع، لكنّ ما يبدو مؤكداً أن هذه الأصوات القومية لن تمنح أصواتها لكليجدار أوغلو، لأن السبب الأساسي الذي دفعها لمعارضته لا يزال قائماً، ويتفوق في تشكيل السلوك التصويتي لها على العوامل الأخرى كمعارضة أردوغان. مع ذلك سأبقى أفترض أن هذه الأصوات لن تدعم أردوغان، على الأقل في جولة أولى. 

بالنظر إلى التقارب الشديد في النسب المحتملة التي يُمكن أن يحصل عليها أردوغان وكليجدار أوغلو في الجولة الأولى، فإن احتمال حسم المنافسة بينهما الأحد لا يزال قائماً، بمعنى آخر، فإن استفادة أي من المرشحين من جزء من الكتلة التصويتية لمحرم إنجه قد تُساعد أحدهما على تجاوز نسبة الخمسين زائد واحد المطلوبة للفوز في الجولة الأولى، لأن إنجه لم يُطالب الكتلة التصويتية له بدعم أحد المرشحين، ولأنه يُنظر على نطاق واسع إلى كليجدار أوغلو على أنه دبر مؤامرة الابتزاز بالشريط المصور لإخراج إنجه من السباق، فإن جزءاً من الكتلة التصويتية الصلبة لإنجه (غير القومية)، وتصل إلى نحو 1.5% قد تدعم أردوغان، أو على الأقل لن تصوت لصالح كليجدار أوغلو، مثل هذا الفارق قد يُساعد أردوغان بالفعل في عبور نسبة الخمسين زائد واحد. 

مع ذلك، مازلت أفترض أن الانتخابات الرئاسية قد لا تُحسم في الجولة الأولى. في حال ذهبت الانتخابات لجولة إعادة فإن الكتلة القومية في جبهة المعارضة ستكون حاسمة على  الأرجح في تحديد هوية الرئيس المقبل لتركيا. إذا ما افترضنا أن هذه الكتلة قد يصل مجموعها إلى نحو 5% على أقل تقدير (الأصوات القومية المتمردة والأصوات القومية في تحالف الأجداد)، فإن سلوكها التصويتي في جولة إعادة محتملة سيكون حاسماً. 

ينقسم هذا السلوك التصويتي إلى قسمين: السلوك التصويتي للكتلة القومية الصلبة لسنان أوغان، والتي ستُحدد خيارها وفق ما يطلبه أوغان منها، والسلوك التصويتي للكتلة القومية المتمردة، والتي سيُحدد سلوكها عاملان أساسيان وهما العامل الأيديولوجي (القومي)، والعامل (غير الأيديولوجي) مثل معارضة أردوغان، بسبب الأوضاع الاقتصادية أو طريقة إدارته السياسية. 

فيما يتعلق بالقسم الأول طرح أوغان شروطه لدعم أي مرشح في جولة إعادة محتملة، وأبرزها تبني نهج واضح في معارضة الإرهاب، وإشراك التحالف في السلطة، في ضوء ذلك من المستبعد أن يدعم أوغان كليجدار أوغلو في جولة ثانية محتملة، لأن الأخير سيواصل تحالفه المهم مع حزب الشعوب الديمقراطي. لذا، فإن أوغان سيكون أقرب إلى دعم أردوغان في جولة ثانية محتملة، أما بالنسبة للقسم الثاني، فإن السلوك التصويتي سيُحدد تفوق أحد العاملين على الآخر. بمعنى آخر إذا تفوق العامل الأيديولوجي على العامل غير الأيديولوجي فإن الكتلة القومية المترددة ستميل لأردوغان، والعكس صحيح بالنسبة لكليجدار أوغلو. 

يتمثل أحد أكبر التحولات التي طرأت على السياسة التركية في ظل هذه المنافسة الانتخابية في تحالف كمال كليجدار أوغلو مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي. وترجع أسباب دعم الحزب لكليجدار أوغلو بصورة رئيسية إلى المواجهة التي خاضها حزب الشعوب الكردي مع أردوغان في السنوات الماضية، وأيضاً للوعود التي طرحها كليجدار أوغلو بتبني نهج مختلف عن حكومة أردوغان في التعامل مع الملف الكردي. 

من هذه الوعود العمل على إعادة طرح المسألة الكردية للنقاش في البرلمان، وإلغاء نظام الوصي على البلديات التي عُزل رؤساؤها منها خلال السنوات الماضية، بسبب اتهامات بارتباطهم بحزب العمال الكردستاني، المحظور والمُصنف إرهابياً في تركيا والكثير من الدول، فضلاً عن الوعود بالإفراج عن الرئيس السابق المشارك لحزب الشعوب صلاح الدين ديمقراطي، المعتقل منذ سنوات بسبب الاتهامات له بالترويج للدعاية الإرهابية، والتوقف عن الإجراءات القضائية الساعية لإغلاق الحزب الكردي. مثل هذا الدعم من حزب لديه قاعدة انتخابية تتراوح بين 10 إلى 12%، يجلب مزايا انتخابية كبيرة لكليجدار أوغلو، لكنّ التأثير الأكبر المتوقع لهذا الدعم سيكون مُركزاً بشكل أساسي على الانتخابات الرئاسية. 

مع ذلك يُمكن أن تكون الهندسة الانتخابية التي وضعها زعيم المعارضة كمال كليجدار أوغلو محفوفة بالمخاطر، في حال لم يتمكن من حسم المنافسة الرئاسية من الجولة الأولى. لا تزال الارتدادات العكسية المحتملة لتحالف كليجدار أوغلو مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي غير مؤكّدة تماماً، خصوصاً لجهة الأصوات القومية التي يُحتمل أن يخسرها في جبهة المعارضة، وكذلك لجهة الفوائد التي يُمكن أن يجنيها أردوغان بصورة غير مباشرة. 

بدا أن أردوغان في الآونة الأخيرة يُركز في خطابه الانتخابي على "الصفقة القذرة" لكليجدار أوغلو مع  الحزب الكردي، الذي ينظر إليه ائتلاف أردوغان على أنه الواجهة السياسية لحزب العمال الكردستاني المحظور، وذلك بهدف استقطاب الأصوات القومية في جبهة المعارضة، ممن تُعارض هذا التحالف.

خلاصة القول، إن جانباً أساسياً من المعركة بين أردوغان وكليجدار أوغلو يتمحور حول الكتلة القومية في جبهة المعارضة. 

عن الكاتب

محمود علوش

صحفي لبناني


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس