مراد يشيل تاش - سيتا

حضر “حفل تنصيب” الرئيس رجب طيب أردوغان الذي أقيم يوم السبت 3 يونيو ما يقرب من 100 ضيف أجنبي من 81 دولة بما في ذلك 50 رئيس دولة، يعطي الحفل أدلة حول كل من الفترة الماضية والفترة المستقبلية ليس فقط للسياسة الداخلية ولكن أيضا للسياسة الخارجية التركية.

دعوة للمصالحة الاجتماعية

فيما يتعلق بالسياسة الداخلية يجب النظر بعناية في رسائل الرئيس، من بين العديد من هذه الرسائل كان أهم شيء بالنسبة لي هو أن الرئيس أردوغان دعا إلى “الأخوة” التي تشمل 85 مليون مواطن، في الواقع هذا النهج هو أحد المراجع المهمة لفكر أردوغان وممارساته السياسية، ومع ذلك فإن الظرف الذي تمر به تركيا في السنوات الأخيرة والطبيعة العدائية للأجواء الانتخابية قد تسببت في استبدال هذا الخطاب بالمنافسة، وشدد أردوغان على أن العملية الانتخابية انتهت الآن ونحن ندخل مرحلة جديدة لذلك يجب أن نترك المعركة والصراع جانبا ونركز على المستقبل.

أعتقد أن هذه دعوة لمصالحة اجتماعية جديدة، وبطبيعة الحال ينبغي ألا تكون هذه المصالحة أحادية الجانب بل متبادلة، لقد قسمت الأجواء الانتخابية تركيا إلى فئتين متعارضتين، وقد يكون هذا الاستقطاب مقبولا خلال فترات الانتخابات، ومع ذلك فإن المشاكل الشائكة التي تواجهها تركيا والظروف الدولية تتطلب الابتعاد السريع عن ممارسة الاستقطاب وبناء لغة جديدة للمصالحة على الفور، الرسائل في حفل الافتتاح في 14 مايو و 28 مايو ومؤخرا في 3 يونيو غذت آمالنا في ذلك، بالطبع تتحمل المعارضة أيضا مسؤولية كبيرة هنا.

من وجهة نظر أخرى يمكننا القول أن الاحتفال قد أسس تقليدا وممارسة سياسية جديدة، باستثناء عام 2018 رأينا بالفعل أن عمليات الافتتاح تقتصر على مجال قانوني وإجرائي، قسم الجمعية العمومية وزيارة الضريح وحفلات الاستقبال في القصر، وقد أنشأ الرئيس أردوغان إطارا سياسيا جديدا لهذه العملية الإجرائية والقانونية، لكن هذا الإطار السياسي يضع معيارا لإعادة بناء التقاليد وتذكرها ولمراسم التنصيب المستقبلية، وبهذا المعنى لم يكن من قبيل المصادفة أن أولئك الذين رافقوا رئيس الجمهورية عندما خاطب الهزيرون يمثلون حضارة الفسيفساء والبنية الثقافية لتركيا منذ قرون، أثناء دعوته للأخوة تحدث الرئيس أردوغان من خلال أخذ مئات السنين من التراكم التاريخي وراءه.

إنشاء شبكة دبلوماسية حقيقية

أما القضية الثالثة فكانت قضية الحفل المتعلق بالسياسة الخارجية والعمق الجيوسياسي المتزايد لتركيا، عندما يتم فحص المشاركين في الحفل بعناية يمكن فهم أن السياسة الخارجية التركية اكتسبت بعدا عالميا في السنوات الأخيرة، وقبل كل شيء يظهر المشاركون الطبيعة الإقليمية المتعددة للسياسة الخارجية التركية وقدرتها على التركيز على العديد من القضايا العالمية في نفس الوقت، تشير أمريكا اللاتينية وأفريقيا والبلقان وآسيا الوسطى والشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا وأوروبا إلى أصالة الشبكة الدبلوماسية العالمية التي بنتها تركيا على مدى السنوات ال 21 الماضية.

لم تكن مبادرة أفريقيا التي أطلقت في عام 2005 مجرد انفتاح قائم على الاقتصاد كما يمكن فهمه من المشاركين في الحفل ولكنها أيضا مبادرة حاولت إقامة صلة بين تركيا وأفريقيا خارج شريحة الممارسات الاستعمارية لأفريقيا، في الواقع أظهرت تركيا ملفا سياسيا خارجيا يكسر هذا التصور بالممارسات التي تنتجها، لقد زاد من أصدقائها وجعلته أكثر حضورا على الأرض وأثبت أن تركيا بلد لا يرعى وينظر إلى أفريقيا من مستوى أعلى، وقد عكس ذلك بوضوح الإقبال على النطاق الأفريقي والألوان في الحفل، لقد عمل أردوغان مع كل رئيس دولة وأحب نفسه وجعل السياسة الخارجية الإنسانية لتركيا موضع تقدير، خاصة في حل النزاعات والمساعدات الإنسانية وتسهيل نقل صوت أفريقيا إلى المجتمع العالمي كانت تركيا والرئيس أردوغان دائما في المقدمة، أصبح القائد الذي زار أفريقيا أكثر من غيره، والواقع أن أفريقيا لم تترك الرئيس وحده وأصبحت القارة التي توفر أكبر قدر من التمثيل أمام رؤساء الدول ورؤساء البرلمانات وغيرهم من الممثلين.

تأثير مادورو، رمز المقاومة

ولعل حضور الرئيس الفنزويلي مادورو من أمريكا اللاتينية في الحفل عزز من تصور تركيا في العالم اللاتيني، في بلد حاولت الولايات المتحدة ذات مرة إخراجه من النظام وربطه بنفسها يرمز مادورا إلى المقاومة، كان أحد القادة الذين دعموا تركيا علنا في 15 يوليو، بالنظر إلى عوامل مثل العلاقات الاقتصادية وإعجابه بالمسلسلات التلفزيونية التركية أعتقد أن رمزية هذه المشاركة كانت بنفس أهمية عمليتها، أثناء الدعاء في الحفل فإن حقيقة أنه رافق الدعاء بفتح يديه مثل المسلم ستكون إطارا لن يمحى من الذاكرة، من الواضح أن مادورو ليس فقط دولة تبرز من حيث تركيا ولكن أيضا من حيث أمريكا اللاتينية وتركيا من حيث القارة، في الفترة الجديدة سنتحدث أكثر عن التعاون التركي اللاتيني في هذا الصدد.

البلقان عيونهم وآذانهم على تركيا

من حيث تمثيل البلقان والشرق الأوسط كان الحفل أيضا مختلفا للغاية، بالطبع كان من الممكن أن يكون الإقبال من قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أعلى، بحثت العيون عن أمير قطر تميم والأمير سلمان ومحمد بن زايد، ربما كانت لديهم دوافع مهمة، ولكن لا تزال جميع دول المنطقة هناك، في الوقت الذي أصبح فيه التطبيع الإقليمي أمرا طبيعيا جديدا يمكننا القول إن أدوار تركيا الاقتصادية والسياسية والجيوسياسية ستزداد أكثر، خاصة في الوقت الذي يشغل فيه هاكان فيدان منصب وزير الخارجية فأنا متأكد من أن هذا سيتم بناؤه على أساس مفاهيمي جديد، إن حقيقة أن جميع الدول تشارك على أعلى مستوى في وقت تشتد فيه التوترات في البلقان تظهر أن التوقعات من الرئيس أردوغان وتركيا عالية، البلقان على حافة الهاوية ومن الأهمية بمكان أن تقدم تركيا صورة عن بلد يفضل الطريق الثالث.

نطاق مهم من العالم التركي

إن وجود رؤساء الدول الأعضاء في منظمة الدول التركية أحد أكبر الاستثمارات الجيوسياسية لتركيا في حضور رؤساء الدول هي أيضا قضية تحتاج إلى التأكيد عليها، يظهر الوباء والتنافس بين الصين والولايات المتحدة والحرب في أوكرانيا مدى طول مشروع الشراكة على نطاق آسيا الوسطى، إن إعلان الدول التركية الأسبوع الماضي عن تأسيسها لبنك الاستثمار التركي سيضيف عمقا جغرافيا اقتصاديا للمنظمة.

تظهر الصورة التي ظهرت للرئيس أردوغان وهو يحيِّي كل زعيم واحدا تلو الآخر في الحفل أن الاتصال والوحدة بين تركيا ودول المنطقة لا يقتصر على الرموز الجيوسياسية، من الواضح أن واحدة من أهم أولويات الفترة الجديدة ووزير الخارجية هاكان فيدان تحت قيادة الرئيس يجب أن تكون العلاقات مع العالم التركي، لأن مصلحة العالم التركي في منافسة القوى العظمى، تحويل الوحدة القائمة إلى انسجام جيوسياسي وبناء النهضة اللازمة على هذا الانسجام، وفي هذا السياق ينبغي التأكيد أيضا على الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، إن دخوله إلى قاعة الاحتفالات ووجوده بجوار الرئيس والاهتمام بالقاعة ورد فعل أردوغان خلال حفل الشكر يظهر مدى تعزيز الصداقة التركية الأذربيجانية.

لغة جديدة تُؤسس مع الغرب

اعتمادا على هذه المسألة تجدر الإشارة إلى وجود رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان هناك، بالنظر إلى ما حدث منذ عام 2020 فإن مشاركة باشينيان في حفل أردوغان هي خطوة مهمة حقا، ومن الواضح أنه يمكن المضي قدما في هذه الخطوة بإقامة سلام إقليمي جديد على نطاق كاراباخ، ولهذا السبب فإن إحدى العمليات الحاسمة للسياسة الخارجية التركية في الفترة المقبلة ستكون التطبيع بين تركيا وأرمينيا.

بصرف النظر عن الأمين العام لحلف الناتو كانت هناك أيضا أسماء مهمة من أوروبا بما في ذلك رؤساء وزراء ورؤساء سابقين، ومع ذلك من السابق لأوانه القول إن المصالحة التركية الأوروبية ستتشكل بسرعة، لهذا فإن إنشاء لغة جديدة أمر ضروري، ومع ذلك فإن التهاني على فوز أردوغان في الانتخابات تعزز أملنا في هذه القضية أيضا، باختصار يلقي حفل تنصيب الرئيس أردوغان الضوء على مستقبل تركيا القريب في كل جانب سواء من حيث السياسة الداخلية أو الخارجية.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس