كلير سادار وبرنت إي ساسلي - فورين أفيرز - ترجمة وتحرير "السفير"

أصبح رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أول رئيس يُنتخب شعبياً، فيما يترقب المحللون نشاطاته المقبلة.

وبالرغم من أن الرئيس التركي يتمتع بصلاحيات محدودة، وفقاً للدستور الحالي، إلا أن المنصب الجديد سيوفر لأردوغان منصة لممارسة نفوذ كبير في السياسات والتعيينات من قصر شنقال الرئاسي.

وسبق أن أكد أردوغان، في مناسبات عدة، أنه يريد أن يوسع صلاحيات الرئاسة، ولذلك، فإن البعض يقارن الرئيس المنتخب بمؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك، الذي فرض تغييرات جذرية من خلال القوة والإرادة المطلقة. ومع ذلك، فإن ثمة شخصية تركية اخرى، لم يذكرها كثيرون، قد تلتقي مع أردوغان في نقاط أكثر على صعيد المقارنة: تورغوت أوزال، الذي شغل منصب رئاسة الحكومة في الفترة الممتدة بين العامين 1983و1989، ورئاسة الجمهورية في الفترة الممتدة بين العامين 1989 و1993.

والجدير ذكره أن كلاً من أردوغان وأوزال قد دخلا الحياة السياسية من مسارات غير تقليدية: أوزال كان اقتصادياً قبل أن يجد فيه العسكر في العام 1980 شخصية مناسبة لتسلم الحكم. أما أردوغان فقد جاء، كما هو معروف، من خلفية فقيرة، وكان لاعب كرة هاوياً وموهوباً قبل أن يصبح ناشطاً في "حزب الرفاه" الإسلامي.

كلا الرجلين خرج على «أسياده»، وقام بتشكيل مجموعته السياسية الخاصة (يمين وسط)، فقد أسس أوزال "حزب الوطن الأم"، فيما أسس أردوغان "حزب العدالة والتنمية". وقد حكم الحزبان تركيا، وشغل الرجلان منصبي رئيس وزراء ورئيس الجمهورية.

كذلك، فقد ركّز أردوغان، بصفته رئيساً للحكومة، على النقاط الثلاث ذاتها التي ركّز عليها أوزال: الاقتصاد، والسياسة الخارجية، والمصالحة مع الأقليات.

ويُعتبر أوزال نصيراً قوياً للرأسمالية الليبرالية، من خلال تحرير وتحديث الاقتصاد التركي خلال توليه رئاسة الوزراء. وقد واصل برنامجه لتوسيع الأسواق الحرة والتجارة الإقليمية بصفته رئيساً للجمهورية، واضعاً الأساس لنمو اقتصادي قوي في العام 1990 وفي السنوات الأولى من هذا القرن.

بدوره، رسم أردوغان برنامجه الاقتصادي الطموح الخاص به، متعهداً بجعل الاقتصاد التركي أحد أهم عشرة اقتصادات كبرى في العام 2023. ولإثبات تعهده، أطلق سلسلة مشاريع كبرى للبنى التحتية صُمّمت لجعل تركيا تبدو كدولة صناعية حديثة.

مع ذلك، تعهد أردوغان بتحرير السوق وتنميته، مع أنه يفضل في سياساته الاقتصادية استبعاد التعامل بالربا، كون سياساته هي أكثر إسلامية من الرأسمالية.

وفي التعامل مع العالم الأكبر، فهم أوزال بأن التغييرات الجيوسياسية توفر فرصاً جديدة لتوسيع نفوذ أنقرة، فاستفاد من الفراغ الذي خلفه تفكك الاتحاد السوفياتي، موفداً مستشارين سياسيين أتراك وشركات بناء الى جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق في آسيا الوسطى. وكان خطاب أوزال سامياً مثل خطاب أردوغان: ففي العام 1992، أعلن أن القرن الواحد والعشرين سيكون «قرن تركيا». هو أيضاَ حدد ما تولّد من غموض بعد نهاية الحرب الباردة إذا تطلب من تركيا أن تكسب ود الولايات المتحدة. وقفز أوزال مقتنصاً أقرب فرصة لدعم عملية «عاصفة الصحراء».

ويعتقد أردوغان، من جانبه، بأن تركيا مُقدّر لها أن تلعب دوراً في الشرق الأوسط، وروج بعدائية لفكرة زعامة تركيا، عبر بناء علاقات سياسية وتجارية أعمق مع الدول العربية وإيران. وجعل تركيا تظهر بأنها حليف لا غنى عنه، بالنسبة إلى الولايات المتحدة، تماماً كما فعل أوزال.

وأخيراً، اتخذ أوزال، مثلما فعل أردوغان، إجراءات جدية للتصالح مع الأقليات في تركيا. افتتح في وقت مبكر من العام 1990، مفاوضات مع «حزب العمال الكردستاني»، المجموعة الكردية المتمردة الرئيسية في تركيا، بهدف وقف إطلاق النار في العام 1993، لكنه توفي قبل أن يتمكن من تقديم خططه لدمج الاكراد في المجتمع التركي، واندلعت الانتفاضة الكردية من جديد. بدوره، دعم أردوغان عملية تفاوض مماثلة، وأعلن في العام 2009، خطة لدمج الأقلية الكردية في تركيا، وقد تضمنت عفواً محدوداً عن مقاتلين أكراد وتخفيفاً للقيود على استخدام اللغة الكردية.

كذلك، اقترب أردوغان أكثر من أي رئيس وزراء تركي إلى الإقرار بأن العثمانيين ارتكبوا الإبادة الجماعية بحق المواطنين الأرمن في العام 1930. وفي العام 2011، اعتذر نيابة عن الدولة عن مجزرة «ديرزيم» التي حدثت بين العامين 1937و1938، حين قتلت الحكومة التركية آلاف من العلويين والزازيين (أكراد) في شرق تركيا.

بكلام آخر، يبدو أردوغان، ربما، بشكل جيد مثل أوزال إذ يعود الأخير ثانية. ويتوقع المرء في السنوات القليلة المقبلة انتاج رئيس تركي أقوى ورئيس حكومة أضعف. لقد تعامل أوزال، خلال وجوده في الحكم، مع رئاسته كما تعامل مع رئاسته لمجلس الوزراء، كان يحكم أساساً بمراسيم، وقاوم محاولات المعارضة لاحتوائه.

ورغم جهود أوزال الفضلى، فشلت رؤيته لسلطة تنفيذية قوية تدوم في حياته، وذلك بسبب مقاومة الطبقة السياسية التركية.

هذا ما قد يواجهه أردوغان في تعديل الدستور، ومن المستبعد أن ينجح في ذلك في المستقبل.

وسيقوم أردوغان، أيضاً، بالعمل بجهد، مثل أوزال، ليبقي قاعدته السياسية موحدة خلفه: ثمة أدلة متزايدة بأنه على مستوى الاقتصاد بعض العقود حول مشاريع البنى التحتية ستفشل، وموقع تركيا الدولي سيضعف.

كما أن أردوغان سيواجه، على الأرجح، معارضة قوية من القضاء، خصوصاً المحكمة الدستورية، التي تحافظ على استقلاليتها السياسية ولم تخش تبعات معارضتها لـ«حزب العدالة والتنمية».

أيا كانت النهاية، سيكون لرئيس الوزراء التالي على الأقل القدرة الشرعية لتحدي الهيمنة السياسية لأردوغان. ورغم أن المعارضة السياسية تبقى في البلاد منقسمة وغير منظمة، لكنها لا تزال تمثل 50 في المئة من الشعب. وهناك استياء سياسي كاف ليبقى أردوغان مستنفراً. وإذا لعب البرلمان، ومكتب رئيس الوزراء والمحاكم بطاقاتهم بشكل صحيح، يمكنهم إجباره على دفع ثمن باهظ عن كل محاولة لتوسيع نفوذه.

أوزال مثل أردوغان، جنح نحو السلطة في وجه المعارضة القاسية. لكنه أيضاً مات في المكتب (الرئاسي)، قبل أن يقدر على أن يجعل خطته تؤتي ثمارها، ولذلك بقي صعباً تقييم ما إذا كان، في نهاية المطاف، سينجح.


* نشرت المقالة في الأصل في مجلة فورين أفيرز تحت عنوان "الرئيس أردوغان.. رئيس وزراء يخطّط من أجل الرئاسة".

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مواضيع أخرى للكاتب

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس