ترك برس

في الآونة الأخيرة وفي ظل المخاطر الاستراتيجية الضخمة التي تحيط بتركيا، اتجه الكثير من مراكز الأبحاث والكتاب إلى توجيه اهتمامهم لهذه المخاطر وتحليلها والتحذير منها وطرح أساليب استراتيجية تساعد على التخلص منها. تتمثل هذه المخاطر الاستراتيحية، حسب ما يُعرّفها الكُتّاب ومراكز الأبحاث، في سعي حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي "بي يي دي" إلى تأسيس دولة كردية في شمال سوريا. ويعتقد الكتاب السياسيون ورجال الدولة بأن تأسيس حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي دولة مستقلة في شمال سوريا سيزيد النزاعات في المنطقة وسيشجع أكراد تركيا على السير على نفس النهج في المستقبل.

ومن الأمثلة على التحليلات السياسية الخاصة بموضوع تأسيس الدولة الكردية تناول الباحث السياسي في مركز الشرق الأوسط للأبحاث الاستراتيجية "بيلجاي دومان" المغزى من زيارة صالح مسلم الأخيرة لبغداد وحاول تقييم هذه الزيارة من ناحية تأثيرها على تأسيس الدولة الكردية وتأثيرها على تركيا في المستقبل.

وفي مستهل تقريره يبيّن دومان بأن "حزب بي يي دي، بعد تحقيقه بعض خطوات التقدم الملموسة في شمال سوريا، قد دخل في عملية البحث الجادة عن الدعم المستمر والمتنوع لحماية تقدمه في شمال سوريا".

ويردف الكاتب في بداية تقريره قائلاً إنّ "سيطرة بي يي دي على تل أبيض بعد حربه مع داعش زيّنت للأكراد في شمال سوريا فكرة تأسيس الدولة الكردية بشكل فعلي، وهذا ما حدث، إذ بعدما سيطر حزب بي يي دي على تل أبيض عمل على توحيد كوباني والجزيرة مع تل أبيض لتكوين رقعة جغرفية "كردية" متصلة، والأخطر من هذا كله هو سيطرة بي يي دي على 6 أبواب حدودية متصلة مع تركيا من أصل 13 باب حدودي. هذه التحركات والتطورات دفعت قائد حزب بي يي دي "صالح مسلم" للبحث عن أكثر من داعم يمكّن الدول الكردية من النشوء والاستمرار، ومن ضمن هذه الزيارات قيام هذا القائد بزيارة بغداد خلال شهر حزيران/ يونيو بشكل سري".

ويوضح دومان أنّ "مصدر الخبر هي الصحف العراقية التي أوضحت بأن صالح مسلم التقى برئيس وزراء العراق حيدر العبادي بشكل مباشر. وبينت الصحف العراقية أن صالح مسلم اقترح تأسيس قوات حدود مشتركة تحمي الحدود بين العراق وسوريا وأكد بأن هذه القوات ستحمي الدعم المقدم من العراق لسوريا".

ويؤكد الكاتب أنّ "زيارة مسلم هذه لها عدة تأثيرات على المعادلة السياسية في المنطقة، من هذه التأثيرات؛

ـ قيام حزب بي يي دي بالتعامل مع العراق على أنه دولة مستقلة، فطلبه بتأسيس قوات حدود مشتركة وتعهده بحماية الدعم المقدم لبشار الأسد، هذا التطور خطير ويُعطي تركيا رسالة قوية مفادها بأن الدولة الكردية في العراق باتت فعلية وحقيقة واقعية تقبل بها بعض الدول وعلى الحكومة التركية احترام هذه الدولة التي تمثل إرادة الشعب الكردي في شمال سوريا.

ـ دعم الأسد للأكراد في شمال سوريا وتعهد بي يي دي بحماية الدعم المقدم للأسد والعمل على استمراره يبين أنّ هناك اتفاقًا قانونيًا بين مركز الحكومة وأحد أقليات الدولة ولا يحق للدول المجاورة ، خاصة تركيا، التدخل في هذا الاتفاق وزيارة مسلم للعراق واستقباله بشكل رسمي يوثق هذا الاتفاق القانوني ويرسخه.

ـ توفير الغطاء الأمريكي لتحركات حزب بي يي دي يعطيه الغطاء الدولي ويوثق شرعية زيارته لبغداد وغيرها كحزب يمثل دولة مستقلة أو دولة ذات حكم ذاتي.

ـ إن تأكيد الولايات المتحدة مرارًا وتكرارًا على أن الهدف الرئيس لتحالفها الدولي هو إزالة داعش وليس نظام الأسد يبين أن الولايات المتحدة تقبل بدولة كردية ذات حكم ذاتي في شمال سوريا تحت لواء "سوريا بشار".

ـ كما أن مغزى الزيارة يعني أن حزب بي يي دي يعمل على التحرر من سيطرة رئيس إقليم كردستان، الإقليم الحليف لتركيا، "مصطفى بارزاني"، إذ أن مسلم ذهب لرئيس الحكومة المركزية للعراق بشكل مباشر دون الذهاب لإقليم كردستان "الكردي"، وذلك لأن مسلم يعتقد بأن بارزاني، على الرغم من كونه كردي ويحمل فكر تأسيس الدولة الكردية في شمال العراق وشمال سوريا وجنوب تركيا، يمكن أن يتفق مع تركيا ويعطل تأسيس الدولة الكردية في شمال سوريا في الفترة الحالية.

ـ كما أن هناك رسالة واضحة من مسلم لإيران مفادها "نحن سنوفر لكم الطريق اللوجستي لنقل دعمكم لبشار الأسد تحت حمايتنا وبضمان منا، وسنعمل مع الحشد الشعبي لقتال داعش وطردها من شمال العراق وسوريا، لذلك خطّطنا وفكرنا ونهجنا متوازي وننتظر دعمكم لنستمر على نفس النهج".

وفي نهاية تقريره التحليلي  يحاول دومان توضيح هذه الزيارة وتأثيرها على تركيا وموقف تركيا منها، ويشير دومان إلى "تركيا تعارض بشكل واضح جداً بقاء الأسد وبأنها منزعجة جداً من فكرة تأسيس دولة كردية في شمال سوريا، وإذا قلنا إن محاولات بي يي دي الحصول على دعم إقليمي ودولي مضادة لتركيا وسياستها لن نكون مخطئين، ولكن نؤكد بأن دعم حكومة العراق، التي تريد تأسيس علاقات جيدة وقوية مع تركيا، سيؤدي إلى توتر العلاقات بين تركيا والعراق وهذا ماسيجعل حكومة العراق تتوخى الحذر وتتجنب دعم الجماعات الصغيرة وتنتبه لإرساء معادلات إقليمية مع الدول الكبرى في المنطقة".

وفي نهاية التقرير يلخص الكاتب تحليله ويقول "يمكن لحكومة العراق أن تتجنب دعم بي يي دي، ولكن هل ستتجنب إيران والولايات المتحدة ذلك؟ على تركيا التحرك على هذا أساس والعمل على استخدام التحرك والضغط الدبلوماسي على إيران والولايات المتحدة لوقف دعمهم لحزب البي يي دي".

 

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!